22 قتيلاً وأكثر من ألف جريح في زلزال ضرب شرق تركيا

إردوغان تعهد ببناء منازل بديلة ودعوات لمحاسبة المقاولين المخالفين

عمال إنقاذ يبحثون عن أحياء بين الأنقاض في إلازيغ شرق تركيا (أ.ب)
عمال إنقاذ يبحثون عن أحياء بين الأنقاض في إلازيغ شرق تركيا (أ.ب)
TT

22 قتيلاً وأكثر من ألف جريح في زلزال ضرب شرق تركيا

عمال إنقاذ يبحثون عن أحياء بين الأنقاض في إلازيغ شرق تركيا (أ.ب)
عمال إنقاذ يبحثون عن أحياء بين الأنقاض في إلازيغ شرق تركيا (أ.ب)

ضرب زلزال عنيف ولاية إلازيغ شرق تركيا أدى إلى مقتل 22 شخصا وإصابة أكثر من ألف آخرين في حصيلة مرشحة للزيادة مع استمرار أعمال البحث والإنقاذ في المناطق التي شهدت انهيارات لعشرات المنازل في إلازيغ وعدد من الولايات القريبة.
ووقع مركز الزلزال الذي بلغت شدته 6.8 درجة على مقياس ريختر في إلازيغ التي تبعد نحو 550 كيلومترا شرق العاصمة أنقرة وأعقبته أكثر من 250 هزة ارتدادية، منذ وقع الزلزال العنيف ليل الجمعة - السبت. وعمل أفراد فرق الإنقاذ طوال الليل بأيديهم وبحفارات لرفع الأنقاض خلال الليل ويواصلون عملهم حتى الآن وسط ظروف جوية قاسية حيث تصل درجات الحرارة إلى 8 تحت الصفر ليلا.
وأعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيري البيئة والتخطيط العمراني مراد كوروم، والصحة فخر الدين كوجا بولاية إلازيغ، أنه تم تسجيل 22 حالة وفاة، 18 في إلازيغ، و4 آخرين بولاية مالاطيا وإنقاذ 39 شخصاً من تحت الأنقاض. وأشار إلى أنه لم يبق أحد عالقا تحت الأنقاض في قضاء دوغان يول بولاية مالاطيا، قائلا إن وزارة الداخلية قررت تفريغ سجن ولاية أديامان نتيجة أضرار لحقت به جراء الزلزال. وقال وزير الصحة، فخر الدين كوجا، إن المستشفيات استقبلت 1031 مصاباً بينهم 34 يخضعون للعلاج في العناية المركزة، في ولايات إلازيغ، ومالاطيا، وديار بكر، وأديامان، وبطمان، وكهرمان مراش، وشانلي أورفا. وأعلن الهلال الأحمر التركي، عن شحن كميات من المواد اللازمة لحماية المواطنين من الظروف السيئة التي خلفها الزلزال. وطلب من المواطنين عدم دخول المباني التي لحقت بها أضرار، والاستماع بعناية إلى توجيهات إدارة الكوارث الطبيعية والولاة.
وأعلنت الرئاسة التركية حالة التعبئة في جميع مؤسسات الدولة لتقديم كل ما يلزم للمواطنين المتضررين من الزلزال. وقام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، بتفقد المواقع المتضررة من الزلزال في إلازيغ وحضر جنازة اثنين من الضحايا، ووعد بألا تترك الحكومة أحدا دون مأوى وأن تبني على وجه السرعة منازل بديلة لتلك التي دمرها الزلزال. وأكد إردوغان، خلال مشاركته بتشييع جنازة سيدة وابنها فقدا حياتهما في الزلزال في قضاء سيفرجة في إلازيغ، أن الشعب التركي قادر على تجاوز المحن عبر التحلي بالصبر.
وقال الرئيس التركي: «سبق أن شهدنا العديد من الزلازل إلا أن شعبنا نجح في تجاوز هذه المحن عبر التحلي بالصبر... كدولة وشعب، نبذل وسنبذل كل ما بوسعنا حتى النهاية، وسنواصل العمل على رفع كل هذه الأنقاض، وسنبني على وجه السرعة مباني بديلة لتلك التي دمرها الزلزال ولن نترك أحدا دون مأوى».
وسبق أن تعرضت إلازيغ لزلزال شديد بقوة 7 درجات منذ 10 سنوات أدى إلى مقتل 51 شخصا، كما تشهد ولايات تركية أخرى زلازل متفاوتة الشدة بين وقت وآخر، ولا سيما إسطنبول، التي شهدت في سبتمبر (أيلول) أيلول الماضي زلزالا بقوة 5.8 درجة أعاد إلى الأذهان ذكريات مأسوية عايشها الشعب التركي في الزلزال الذي ضرب إسطنبول في 17 أغسطس (آب) 1999 بقوة 7.6 درجة، ما أسفر عن مقتل 17 ألفا و400 شخص في إسطنبول، وتسبب في تشريد قرابة ربع مليون شخص رغم وقوع مركزه في مدينة إزميت القريبة من إسطنبول.
وتتسبب الزلازل في حالة من الهلع لدى سكان إسطنبول، لا سيما مع تكرار حديث خبراء الزلازل عن أن إسطنبول ينتظرها زلزال مدمر ستصل شدته إلى 7.7 درجة. وتوقع خبير الزلازل الأستاذ في جامعة يلديز التقنية في إسطنبول، شكري أرصوي، أن يقع هذا الزلزال خلال العقد المقبل، لافتا إلى أن إسطنبول غير جاهزة لاستقباله. وأوضح أن زلزالا بهذه القوة سيؤدي إلى انهيار آلاف الأبنية، ويوقع عدداً مخيفاً من القتلى. وشهدت إسطنبول كثيرا من الزلازل في تاريخها، ففي عام 1509 اجتاح زلزال المدينة، وكان قوياً جداً سموه حينها «القيامة الصغرى». وتشهد تركيا الواقعة في منطقة نشاط زلزالي كبير، هزات منتظمة، إلا أن زلزال عام 1999 الذي ضرب قلب البلاد، أثار صدمة كبيرة لا تزال عالقة في أذهان الجميع. واستحدثت بعده وكالة لإدارة حالات الطوارئ، وبنيت مستشفيات مقاومة للزلازل، واعتمدت آليات تقطع بشكل آلي شبكات التغذية بالغاز.
ويرى الخبراء أن المشكلة الرئيسية في إسطنبول تتمثل بعشرات آلاف الأبنية التي بنيت من دون ترخيص أو إشراف خلال التوسع الفوضوي للمدينة في العقود الأخيرة. وتعالت صيحات المواطنين الأتراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي أمس بمحاسبة المقاولين المسؤولين عن المباني المخالفة الذين تسببوا في فقدان مئات الأرواح خلال الزلازل، على خلفية زلزال إلازيغ.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟