«العدل الدولية» تحكم أولياً بحقها النظر في قضية «إبادة جماعية» ضد الروهينغا

قضت «محكمة العدل الدولية» أمس الخميس أن من حقها بناء على ما تقدم من أدلة أن لديها الاختصاص للبت في قضية رفعتها غامبيا ضد ميانمار بتهمة ارتكاب «الإبادة» بحق أقلية الروهينغا المسلمة. وقال القاضي عبد القوي أحمد يوسف الذي يترأس المحكمة ومقرها لاهاي: «خلصت المحكمة إلى أن لديها صلاحيات مبدئية للبت في القضية». المحكمة أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لتكون الأداة القضائية العليا للأمم المتحدة للفصل في الخلافات بين الدول.
وهذه أول مرة تواجه فيها ميانمار أمرا قضائيا بسبب حملة القمع العسكرية في 2017 التي أدت إلى فرار نحو 740 ألفا من الروهينغا إلى بنغلاديش، وانتشرت مزاعم بانتشار عمليات الاغتصاب وحرق المنازل والقتل الجماعي. وبذلك استجابت المحكمة من خلال حكمها الذي أعلنته للدعوى القضائية التي حركتها حكومة غامبيا ضد ميانمار بخصوص ما تعرضت له قرى الأقلية خلال عام 2017 والتي وصفت من قبل منظمات حقوقية دولية بأنها نموذج للتطهير العرقي. وتتضمن تلك العمليات «قتل أفراد من المجموعة»، والفرض المتعمد على المجموعة «بظروف حياتية تهدف إلى تدمير وجودهم بشكل كامل أو جزئي».

أيدت المحكمة التي تضم 17 قاضيا بالإجماع فرض إجراءات على ميانمار تلزمها بحماية أي أدلة يمكن أن تستخدمها المحكمة في جلسات لاحقة، وأمرتها باتخاذ «كافة الإجراءات ضمن سلطتها» لمنع «إبادة» محتملة بحق الروهينغا المسلمين. كما أمرت المحكمة الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، اتخاذ تدابير طارئة طلبتها غامبيا ضد سلطات ميانمار لمنع مزيد من أعمال العنف بحق لحماية سكانها الروهينغا المسلمين وتجنب الأعمال التي قد تشكل إبادة جماعية، في نصر لغامبيا التي رفعت القضية متهمة ميانمار بالإبادة. ووافقت المحكمة على عدد من التدابير العاجلة طلبتها بشكل رئيسي دولة غامبيا الأفريقية المسلمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للحماية من الإبادة المبرم عام 1948، وأمرت المحكمة ميانمار بالرد خلال أربعة أشهر، وبعد ذلك كل ستة أشهر. وطلبت غامبيا اتخاذ هذه الإجراءات بانتظار النظر في القضية بشكل كامل وهو ما يمكن أن يستغرق سنوات. وخلصت المحكمة إلى أن الروهينغا ما زالوا «عرضة لخطر الإبادة الجماعية» وأمرت ميانمار برفع تقرير في غضون أربعة أشهر بشأن الخطوات التي اتخذتها للامتثال للقرار.
وقالت أونغ سان سو تشي زعيمة ميانمار أمس الخميس إن «جرائم حرب» ربما وقعت بحق أقلية الروهينغا المسلمة لكن ليس إبادة جماعية، وأضافت أن اللاجئين «بالغوا» في حجم الانتهاكات. وكتبت في مقال رأي نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» قبيل حكم محكمة العدل الدولية بشأن هذا الأمر أن ميانمار وقعت ضحية «روايات لا أساس لها» من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان ومحققين من الأمم المتحدة. وكانت الرئيسة الفعلية للبلاد سو تشي توجهت إلى لاهاي في ديسمبر (كانون الأول) لكي تدافع شخصيا عن بلادها في القضية. لكن لم تحضر سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، جلسة الخميس. ومثل ميانمار وزير مكتب مستشار الدولة كيواو تنت سوي.
وتهرب الجيش من أسئلة الصحافيين في العاصمة نايبيداو صباح الخميس، واكتفى متحدث باسم الجيش بالقول إن الجيش ببساطة «يتبع تعليمات الحكومة». وقالت لجنة شكلتها حكومة ميانمار للتحقيق في الاتهامات إنها لم تتوصل إلى أدلة على إبادة جماعية ضد أقلية الروهينغا. وخلال الحملة التي أثارت غضبا عالميا تم إحراق مئات القرى ثم هدمها وتجريفها. وبرغم إقرار اللجنة بوقوع «جرائم حرب»، رفضت منظمات حقوقية وزعماء الروهينغا التقرير ووصفوه بأنه «تبييض للحقائق». وفي بنغلاديش التي فر إليها مئات الآلاف من الروهينغا، وصف دل محمد أحد قادتهم، التقرير بأنه تبييض للحقيقة. وقال: «اضطهدونا على مدى عقود. قُتل الكثيرون من شعبنا، واغتُصبت نساؤنا، وأُلقي أطفالنا في النار، وأُحرقت منازلنا. إذا لم تكن هذه إبادة جماعية، فماذا تكون؟».
وفي خطوة نادرة الأربعاء، أصدرت أكثر من 100 منظمة مجتمع مدني في ميانمار بيانات أعربت فيه عن تأييدها للقضية المرفوعة أمام محكمة العدل. وقالت إن القضاء في ميانمار غير قادر على ضمان المساءلة، ومكّن الجناة ببساطة من «الاستمرار في تنفيذ مثل هذه الأعمال العنيفة دون عقاب». وقالت لجنة التحقيق الحكومية إن هناك «أسبابا منطقية» تدعو للاعتقاد بأن أفرادا من قوات الأمن مسؤولون «ضمن جهات متعددة» عما يمكن أن يكون جرائم حرب وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خلال حملة قادها الجيش ضد الروهينغا في 2017، وأضافت أن هذه الأعمال شملت «قتل قرويين أبرياء وتدمير بيوتهم». وقالت اللجنة في بيانها إنها لم تجد «أي دليل يشير إلى أن ارتكاب أعمال القتل تلك أو أعمال التشريد كان بناء على نية أو خطة لتدمير المجتمع المسلم أو أي مجتمع آخر في ولاية راخين الشمالية». وقال رئيس ميانمار وين منت في بيان الثلاثاء إن الحكومة «تتفق» مع النتائج التي توصلت إليها اللجنة، وتعهد بإجراء مزيد من التحقيقات لا سيما في الجرائم المزعوم ارتكاب مدنيين ومسلحين من الروهينغا لها. وقال إنه سلم التقرير إلى قائد الجيش حتى يتسنى للجيش مواصلة التحقيقات.
غير أن التحقيقات لم تسفر عن عقوبات تذكر حتى الآن. وكان سبعة جنود قد عوقبوا بالسجن عشر سنوات لقتلهم عشرة من الرجال والصبية من الروهينغا في قرية (إين دين) غير أنهم حصلوا على إفراج مبكر في نوفمبر (تشرين الثاني) بعدما قضوا أقل من عام في السجن.
ورغم أن أحكامها ملزمة، فإن محكمة العدل لا تملك السلطة لتنفيذ الأحكام. ولكن سيسلي روز الأستاذ المساعد في القانون الدولي في جامعة لايدن في هولندا قالت إنه «يجب عدم تجاهل أهمية الحكم». وصرحت لوكالة الصحافة الفرنسية «أحكام وأوامر المحكمة تحمل شرعية أو سلطة كبيرة نسبيا. ورغم أن الوضع في ميانمار مسيس للغاية وهش، فإن القانون الدولي لا يزال يلعب دوراً عبر تقديم المعلومات لصناع القرار الدوليين».