«الدوما» يصادق على تعديلات بوتين الدستورية

مشروع القانون يسمح له بالبقاء في السلطة مدى الحياة

«الدوما» يصادق على تعديلات بوتين الدستورية
TT

«الدوما» يصادق على تعديلات بوتين الدستورية

«الدوما» يصادق على تعديلات بوتين الدستورية

وافق مجلس الدوما أمس الخميس بالإجماع على القراءة الأولى للتعديلات الدستورية التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، في إصلاح مفاجئ يُجرى بسرعة قصوى ومن دون عقبات. أما القراءة الثانية للتعديلات فستجري في 11 فبراير (شباط)، فيما قال عدد من المسؤولين الروس إن هدفهم هو تبني الإصلاح بشكل نهائي في الربيع. وقال رئيس المجلس فياتشيسلاف فولودين: «لقد أثبتنا وحدة قوية». وقال البرلمان في بيان له إن جميع الحاضرين، والبالغ عددهم 432، قد صوتوا لصالح مشروع القانون في قراءته الأولى. وكان هناك 18 عضوا غير حاضرين. ويسعى مشروع القانون إلى إصلاح شامل لقيادة البلاد، يسمح لبوتين البقاء في السلطة مدى الحياة. ويُعتبر على نطاق واسع، محاولة لتوسيع خيارات بوتين للاحتفاظ بالسلطة بعد انتهاء ولايته الحالية في غضون أربع سنوات.
وكان قد فاجأ الرئيس الروسي الجميع في 15 يناير (كانون الثاني) بهذه الإصلاحات التي أصبحت بحسب قوله ضرورية بسبب رغبة الروس في «التغيير»، ما يغذّي التكهنات بشأن مستقبل الرئيس الروسي في نهاية ولايته الحالية في العام 2024، لكنه قال في مطلع الأسبوع إنه لا يحبذ بقاء الحكام في السلطة مدى الحياة كما كان الحال خلال العهد السوفياتي.
تتوالى الأحداث على الساحة الروسية بسرعة فائقة، فقد استقال رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف وعُيّن محله فوراً ميخائيل ميشوستين، وهو موظف رفيع المستوى في عدة وكالات حكومية لكنه غير معروف. وشكّل الثلاثاء حكومته الجديدة التي أبقى فيها على الوزراء الذين يتولون حقائب أساسية. ومن المؤكد أن يتم تبني تعديلات بوتين، في نهاية المطاف، في مجلس الدوما الذي يسيطر عليه الموالون للكرملين. وعرض الكرملين مشروع القانون الذي يشمل تعديلات بوتين الاثنين، متجاوزاً «مجموعة العمل» التي شُكلت قبل خمسة أيام لتطويرها. وألمحت إيلينا ألشانسكايا المشاركة في المجموعة بوضوح إلى أن النصّ المؤلف من 21 صفحة، أُعدّ مسبقاً. وكتبت ألشانسكايا التي ترأس صندوقاً لمساعدة الأيتام على «فيسبوك»: «لم أعمل» على التعديلات، مضيفة: «بوضوح جداً، دورنا هو تمثيلي فقط». وبعد مجلس الدوما، يُفترض أن يصادق مجلس الاتحاد على النص ليكون البرلمان بذلك قد وافق بمجلسيه على التعديلات، على أن يوقّعه الرئيس بوتين. ووعد الكرملين أيضاً بتنظيم نقاش عام واسع وبأن الروس سيعطون رأيهم في النصّ عبر التصويت عليه. ورفضت الرئاسة استخدام مصطلح استفتاء ولم تحدد الشكل الذي ستتخذه عملية الاقتراع. وفي خطابه إلى الأمّة، عرض بوتين إصلاحاته معتبراً أنها «مهمّة للتنمية المستقبلية لروسيا»، ويتضمن النصّ الذي قُدّم إلى البرلمان الخطوط العريضة من خطابه. ويقترح النصّ نقل بعض الصلاحيات إلى البرلمان على غرار تعيين رئيس وزراء كما يعزز دور مجلس الدولة الذي كان دوره حتى الآن استشارياً فقط، ما فتح المجال أمام تكهّنات بأنه يمكن أن يصبح جوهر النظام. وبين التغييرات الواردة في النص، سيُمنع القضاة والنواب والمسؤولون السياسيون على المستوى الفيدرالي من حمل جنسيتين أو إقامة دائمة في دولة أخرى. ويعزز النصّ أيضاً بعض صلاحيات الرئيس الذي سيكون بإمكانه مثلاً رفض توقيع قانون تمّ تبنّيه من جانب ثلثي النواب. وبالنسبة للكثير من المحللين، فإن بوتين يقوم بهذا الإصلاح تاركاً لنفسه أقصى قدر من الأبواب المفتوحة للحفاظ على تأثيره في البلاد التي يدير النظام السياسي فيها منذ عشرين عاماً.
وخلال زيارة الأربعاء إلى منطقة ليبيتسك في جنوب موسكو، أكد الرئيس مجدداً أن روسيا «تحتاج إلى نظام رئاسي قوي». وإذا كان بعض الخبراء يعتبرون أن الإصلاح سيعزز الطابع الرئاسي للنظام السياسي، فإن آخرين يؤكدون أن ذلك لن يُعدّل إلا على الهامش.
ويرى المحلل السياسي غليب بافلوفسكي، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، أنه ليس لدى بوتين أي نية لترك منصبه قبل 2024 كما تقول بعض الشائعات. ويضيف: «ما يقوم به هنا هو فعل سلطوي ولا خروج. هو يخلق نظام حكم أكثر تعقيداً، حيث هو فقط يمكن أن يكون المرشد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟