الأبطال لا يخلون من العيوب، لكن المسألة أنك لا تلمح هذه العيوب سوى للحظة عابرة تبدو خلالها وكأنك رأيت طيفاً سريعاً في المرايا قبل أن يختفي.
على مدار نصف ساعة تقريباً من مواجهة توتنهام وليفربول الأسبوع الماضي بدا أن متصدر الدوري الإنجليزي مشتت، وبفضل حماس جماهير الفريق اللندني الكبيرة، انطلق لاعبو توتنهام في موجات نحو الأمام وشنوا هجمات عبر مساحات وأطلقوا تمريرات عبر منطقة المرمى وتصويبات باتجاه شباك الخصم. وتمكن اللاعبان البديلان جيوفاني لو سيلسو وإريك لاميلا من السيطرة على الثلث المتوسط في الملعب، وغالباً ما فعلا ذلك عبر الاعتماد على نحو حصري على قوة الإرادة والتصميم. أما لوكاس مورا الذي بدا من المتعذر كبح جماحه، فقد نجح دوماً في الوصول إلى مراكز خطيرة داخل منطقة جزاء ليفربول.
وبعد ذلك، انتهى كل شيء، وخرج فريق ليفربول من الملعب بعد أن أنجز مهمته وبدت صدارته لبطولة الدوري الممتاز أكثر قوة ورسوخاً مع كل أسبوع يمر من البطولة.
من جهته، تحدث البرتغالي جوزيه مورينيو مدرب توتنهام عن أنه خرج «بمشاعر طيبة» من المباراة، مدعياً أن فريقه استحق على الأقل التعادل. وبالنظر إلى الدقائق الـ20 الأخيرة من المباراة، يبدو أن لديه حجة معقولة في هذا الصدد. في الواقع، تركت الدقائق الـ20 تلك داخل المرء تساؤلاً ملحاً حول كيف كان يمكن أن تصبح النتيجة لو أن توتنهام قرروا اللعب على هذا النحو لمدة 90 دقيقة كاملة.
ويمكن النظر إلى هذه الدقائق الأخيرة باعتبارها نهاية مباراة كان توتنهام خلالها أبطال ثانويين. الحقيقة أن هذه الصحوة في أداء الفريق سلطت الضوء على توجهه المعيب خلال الوقت السابق من المباراة، ذلك أن أداءه جاء منغلقاً وحذراً وعميقاً، مما جعله عرضة لفقدان الاستحواذ على الكرة والضغط من جانب ليفربول. وتشير الأرقام إلى أن نسبة استحواذ توتنهام هوتسبر على الكرة خلال الشوط الأول من المباراة لم تتجاوز 27 في المائة. واللافت أن أفضل لاعبي الهجوم في صفوف الفريق، سون هيونغ مين، لم يلمس الكرة ولو مرة واحدة في نصف الملعب الخاص بليفربول بين الدقيقة 30 والدقيقة 60 من المباراة. ومع هذا، لم يمنع أي من ذلك مورينيو من محاولة تصوير هذا الغياب المزري للطموح من جانب فريقه باعتباره خطة عبقرية.
وقال مورينيو: «لو حاولنا اللعب على النحو الذي قدمناه خلال الدقائق الـ20 الأخيرة منذ بداية المباراة، أعتقد أننا كنا سننهار، نظراً لعدم اعتياد اللاعبين على اللعب بهذا الأسلوب وعدم تأقلمهم معه بعد. لقد قدمنا أقصى ما يمكننا فعله».
وهنا تحديداً تكمن القاعدة الأساسية في مدرسة مورينيو في كرة القدم: الفريق المنافس قوي إلى ما لا نهاية، ونحن فريق ضعيف إلى ما لا نهاية. وخلال الفترة القصيرة التي قضاها مورينيو مع توتنهام، أخبر المدرب بالفعل موسى سيسكو أنه يفتقر إلى الانضباط اللازم كي يشارك وسط الملعب، واتهم ريان سيسيغنون بافتقاره إلى القوة البدنية المناسبة، وانتقد تانغي ندومبيلي لتعرضه لإصابات متكررة على نحو مفرط، وادعى أن توتنهام غير قادر على اللعب بالشكل المألوف منه في ظل إصابة هاري كين، رغم تمكن الفريق من بلوغ نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا من دون مشاركة مهاجمه الدولي.
في جوهره، تبدو هذه محاولات متعمدة من جانب المدرب لتقويض ثقة اللاعبين في أنفسهم بحيث يمكنه السيطرة عليهم والتحكم فيهم. والواضح أن مورينيو عبر هذا الأسلوب يحاول تقليص التقدير الذاتي داخل النادي حتى لا يتمكن من مقاومة مزيج عبقرية لسان مورينيو المعسول ومطالبه الضخمة على صعيد صفقات شراء لاعبين جدد.
الحقيقة أن هذا أمر أسهل إنجازه بكثير عندما تكون في مواجهة فريق ليفربول الذي حصد 58 نقطة خلال 20 مباراة، ويضم في صفوفه خطر ثلاثي يتمثل في ساديو ماني وروبرتو فيرمينو ومحمد صلاح. والإنصاف يقتضي الإقرار بأن مورينيو كانت له بعض النجاحات السابقة في تحييد خطر صلاح. بيد أنه للأسف الشديد حينما كان مدرباً لتشيلسي ترك اللاعب المصري على مقعد البدلاء لمدة عام، ثم أرسله على سبيل الإعارة إلى فيورنتينا بعدما لم يعد خياراً ممكناً، وعليه، في مواجهة ثلاثي ليفربول الشهير، طرح مورينيو حلاً لطيفاً وغريباً: الاستعانة بلاعبين في مركز الظهير الأيمن، مع لعب سيرج أورييه أمام اللاعب المبتدئ جافيت تانغانغا البالغ 20 عاماً، مباشرة.
ومثلما الحال مع الكثير من الأفكار التي يبتكرها مورينيو هذه الأيام، بدت هذه الفكرة خيالية، وظلت ناجحة حتى تلاشى تأثير حداثتها. وفي غضون نحو نصف الساعة، بدأ جورجينيو فينالدوم في التقدم نحو الأمام لمسافة أبعد قليلاً، ونجح بذلك في استعادة التفوق العددي لليفربول على يسار الملعب، وظهرت فرصتان واضحتان على هذا الجانب قبل الكرة التي أثمرت هدف فيرمينو.
وكان يمكن أن يختفي ليفربول عن الأنظار بحلول لحظة الدفع بلو سيلسو ولاميلا في الدقيقة 20. وينبغي أن نضع في الحسبان أن هذين البديلين تبلغ إجمالي تكلفتهما 90 مليون جنيهاً إسترلينياً تحسباً للمرة القادمة التي يشكو خلالها مورينيو بحسرة على نقص الموارد المتاحة أمامه.
وبعد ثلاثة أيام فشل توتنهام هوتسبر بنفس طريقته في تحقيق الفوز للمرة الثالثة توالياً في الدوري وسقط في فخ التعادل السلبي أمام مضيفه واتفورد.
الحقيقة أنه نادراً ما كان الأمر المهم إذا ما كانت تكتيكات مورينيو ناجعة أم لا، ذلك أن النقطة الأساسية هنا أن توتنهام هوتسبر، الفريق الذي بلغ نهائي دوري أبطال أوروبا منذ سبعة شهور فحسب وقدم على مدار السنوات القليلة الماضية بعض أروع صور الكرة الهجومية في تاريخ النادي، بدأت بالفعل إعادة صياغة صورته بحيث أصبحت تشبه صورة مورينيو نفسه.
من ناحية أخرى، شكك مورينيو فيما إذا كان هاري كين سيشارك ثانية هذا الموسم أو سيشارك في بطولة «يورو 2020»، ولمح إلى أن مهاجمه قد لا يتعافى تماماً من جراحة العرقوب التي خاضها حتى بداية موسم 2020 - 2021.
كان مسؤولو توتنهام هوتسبر توقعوا عودة كين إلى التدريبات على نحو كامل في أبريل (نيسان)، لكن لدى سؤال مورينيو عن أحدث المعلومات بخصوص الجدول الزمني الخاص بكين، لمح المدرب البرتغالي إلى أن عملية التعافي ربما لا تجري بالسرعة التي سبق توقعها.
وأضاف: «نبذل أقصى ما في وسعنا. ليس لدينا معلومات أخرى عن هاري، وإذا سألتني في كل مرة تراني فيها هنا هذا السؤال، ستظل إجابتي كما هي. من جانبنا، نتوقع غيابه عن الفريق حتى منتصف أبريل أو نهاية أبريل أو مايو (أيار) أو الموسم المقبل، لا أعلم».
اليوم، بدأت الأعذار تحل محل التوقعات، وثمة ثقافة تشاؤم وتحفظ تسود النادي، في وقت عندما أصبح من المشروع والمنطقي الترويج للهزيمة بنتيجة 1 - 0 على أرض النادي مع تحقيق نسبة استحواذ لا تتجاوز 33 في المائة باعتبارها مؤشراً مشجعاً على التقدم. وربما يتحول شعار توتنهام هوتسبر الجديد إلى «اللعب بلاعبين في الظهير الأيمن إنجاز في حد ذاته».
جدير بالذكر أن الأمر استغرق نصف عقد من المدرب الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو كي يطهر صفوف توتنهام هوتسبر من فكرة أن إنجاز الموسم في مركز بمنتصف جدول ترتيب الأندية يعد إنجازاً، واللافت أنه حتى فرق توتنهام السابقة ذات المستوى المتوسط التي ظهرت في التسعينيات كان لها دائماً اليد العليا خلال المواجهات التي تستضيفها على أرضها، مهما بلغت قوة الفرق المنافسة، ومهما كانت الحالة المعنوية داخل النادي منخفضة.
هذا تحديداً الإرث الذي يعمل مورينيو اليوم بدأب على سحقه والإلقاء به جانباً، فهو يعمد إلى تقليص أفق اللاعبين وإقناعهم بألا يطمحوا نحو أفكار تفوق قدراتهم ويحذرهم من المبادرة إلى التصدي للفريق الخصم، وبعد أن يتحقق كل ذلك يسمح لهم أخيراً بالتفكير في اللعب. وقد استغرق كل هذا منه ثمانية أسابيع، لك أن تتخيل ما يمكنه فعله خلال أربع سنوات.
على جماهير توتنهام ترقب سنوات من القلق في وجود مورينيو
المدرب البرتغالي بدأ في إلقاء اللوم على لاعبيه والشكوى لأجل عقد صفقات جديدة
على جماهير توتنهام ترقب سنوات من القلق في وجود مورينيو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة