القارة القطبية الجنوبية... مركز لأجمل التصاميم المعمارية في العالم

منشآت مبتكرة لتأمين عمل الباحثين وراحتهم

محطّة «كوميندانتي فيرّاز» البرازيلية
محطّة «كوميندانتي فيرّاز» البرازيلية
TT

القارة القطبية الجنوبية... مركز لأجمل التصاميم المعمارية في العالم

محطّة «كوميندانتي فيرّاز» البرازيلية
محطّة «كوميندانتي فيرّاز» البرازيلية

شارك ممثلون عن المجتمع العلمي البرازيلي مع ممثلين عن الولايات المتحدة خلال شهر يناير (كانون الثاني) هذا العام في تدشين محطّة «كوميندانتي فيرّاز» البحثية في القارّة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، التي ستحلّ محلّ منشأة أخرى احترقت عام 2012.
- معمارية علمية
تحمل المنشأة التي تتألّف من مبنيين قليلي الارتفاع، توقيع شركة «إي استوديو 41» البرازيلية للعمارة، وتضمّ مختبرات، ومربّعات للسكن والدعم التشغيلي. وقد يعتقد من يراها أنّها متحف فنّي أو حتّى فندق صغير.
وقد لفت إيمرسون فيديغال، مسؤول من شركة العمارة الانتباه إلى أنّ «البرازيل دولة استوائية، أي أنّ سكّانها ليسوا معتادين على ظروف أنتاركتيكا المناخية» كدرجات الحرارة المتدنية إلى ما دون 51 درجة مئوية والرياح التي تصل سرعتها إلى 100 متر في الساعة.
خلال القرن العشرين، اتّسمت العمارة في القارة القطبية الجنوبية بالبراغماتية والمشاريع المؤقّتة التي تركّز على إهمال العناصر الجمالية، والحفاظ على حياة السكّان. في 1959 كرّست معاهدة أنتاركتيكا القارّة للبحث العلمي، ومنذ ذلك الحين، تنامى عدد العلماء الذين يقصدونها حاملين معهم حاجاتٍ أكثر تعقيداً.
واليوم، بات البناء في أنتاركتيكا، والذي حُصر لفترة طويلة بالمهندسين، يجذب مصممين معماريين مهتمّين بالجماليات إلى جانب الفعالية، والمتانة، والتحسينات المرتبطة بالطاقة إلى أكثر مناطق الأرض صقيعاً. من جهته، اعتبر فيديغال أنّهم «كمهندسين، يهتمّون بالراحة البشرية، لذا يخططون لابتكار جوٍّ معيّنٍ يساهم في تعزيز الرفاهية».
عندما شيّد مستكشفون بريطانيون أوّل المباني الدائمة في القارّة عام 1902 عزلوها باللباد وغلّفوها بالخشب. يتذكر إرنست شاكليتون، أحد أعضاء الفريق الذي شارك في تلك البعثة أنّ «المبنى كان كثير الهواء والبرودة مقارنة بالسفينة. هكذا كان الحال في السنة الأولى، لذا لم أعتد أبدا على تلك المساكن». ومع تراكم الثلوج التي حالت دون مرور السكّان من الباب، لجأ أفراد الطاقم إلى النافذة للدخول والخروج.
هذا النوع من الارتجال استمرّ لعقود في تلك المنطقة. وفي عام 1956 أسست الجمعية الملكية البريطانية محطّة «هالّي» البحثية التي غطّتها الثلوج بالكامل عام 1961 وأُقفلت نهائياً في 1968 بعدها، قدّم البريطانيون بديلاً عنها، محطّة «هالي 2» التي تمّ تدعيمها بالفولاذ، واستمرّت من 1967 إلى 1973 أي أنّها لم تعش أكثر من سلفها. كما بنوا نسخا أخرى أيضاً هي «هالي 3» التي استمرّت 11 عاماً، و«هالي 4» 9 سنوات، و«هالي 5» 15 سنة، واعتبرت جميعها جهوداً جدية لإعادة بناء منشآت مكلفة ومتطوّرة.
- تطوير التصاميم
وفي عام 2005، عندما احتاجت «هالي» إلى البناء من جديد، اعتمدت هيئة المسح البريطانية في القارّة القطبية الجنوبية التي تدير المقاطعة البريطانية بأنتاركتيكا، مقاربة جديدة من خلال الشراكة مع المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين تمثّلت برعاية مسابقة في التصميم، قدّم الفائز فيها، شركة «هيو بروتون أركيتكتس» تصميماً جديداً لـ«هالي» يدوم 20 عاماً على الأقلّ.
تميّز التصميم الفائز، أي «هالي 6»، بهيكل خارجي رائع ومحيط أكثر راحة للحياة والعمل، حيث إنه تمّ بناء المحطّة على ركائز هيدروليكية تتيح للمشغّلين رفعها عند تراكم الثلوج. وترتكز المحطّة أيضاً على رفّ ثلجي يتيح تحريكها بسهولة عند الحاجة إلى نقلها من مكانها. «في الماضي، كانت هذه المشاريع تتمحور حول الحماية من الشروط المناخية القاسية، وكان المهندسون يسمعون تفاصيل حول المناخ، وسرعة الرياح، والعوائق»، على حدّ تعبير بروتون. أمّا اليوم، فقد تحوّلت هذه المشاريع إلى تسخير الهندسة المعمارية لتعزيز الرفاهية والفعالية التشغيلية.
في ذلك الوقت، كانت دول أخرى تراقب الوضع وتستفيد من تجارب البناء في القارة القطبية الجنوبية. ففي عام 2018، افتتحت إسبانيا محطّة بحثية جديدة واستعانت بشركة بروتون لتصميمها. وكما محطّة «هالي 6»، اعتمدت المحطّة الإسبانية هيكلاً خارجياً مميّزاً، فغُلفت مبانيها بألواح من البلاستيك الأحمر المعزّز بالألياف.
هذه المباني لا تحتاج إلى الصمود في وجه أكثر الظروف المناخية صعوبة في العالم فحسب، بل تتطلّب أيضاً مواد خاصّة يتمّ شحنها وتجميعها خلال فترة لا تتعدّى 12 أسبوعاً صيفيّاً في تلك المنطقة. لهذا السبب، غالباً ما تكون عمليات البناء في أنتاركتيكا تدريجية وتمتدّ لسنوات كثيرة.
وعندما قرّر المركز الوطني لبحوث أنتاركتيكا والمحيطات في الهند بناء محطّة بحث جديدة، استعان بشركة «بوف أركيتكتن» الألمانية للعمارة التي وجدت طريقة لتعزيز فعّالية البناء. فبدل إرسال حاويات شحن معبّأة بمواد البناء إلى القارّة وإعادتها إلى موطنها فارغة، استخدمت الشركة هذه الحاويات في تنفيذ التصميم. من جهته، شدّد بيرت بويكينغ، أحد الشركاء في «بوف أركيتكتن»، على أنّ بناء المحطّات البحثية في القارة القطبية الجنوبية ليس من المشاريع التي يُعلن عنها وتُنفّذ في اليوم التالي، مثنياً على الدور المهم الذي يلعبه المهندسون المعماريون في هذه المشاريع. أمّا بالنسبة للولايات المتحدة، فتعتبر العمارة في القارة القطبية الجنوبية مسألة مستعجلة. وقد ظهرت «ماك موردو»، أكبر المحطّات الأميركية في تلك المنطقة عام 1956 كمحطّة بحرية وتطوّرت في المجال نفسه طوال عقود، ما يجعلها اليوم في حاجة إلى التوسيع والتحديث.
- أبحاث ورفاهية
كشف بن روث، مدير مبادرة تحديث البنية التحتية العلمية في القطب الجنوبي التي أطلقتها مؤسسة العلوم الوطنية، والمعنية بتحديث «ماك موردو» خلال العقد الجاري، أنّ «التحضير للعمل الميداني يتطلّب من العلماء التنقّل بين أربعة مبان: واحد للتدريب، وواحد لجمع المعدات الميدانية، وواحد لسحب زلاقات الجليد، وآخر لتزويدها بالوقود».
وصف روث الأبنية الحالية بـ«مصادر استنزاف الطاقة» فيما رأى مسؤولون أميركيون آخرون أنّها ترتّب مشاكل إضافية أمام البحث العلمي في تلك المنطقة. من جهتها، قالت ألكساندرا آيزرن، رئيسة أبحاث القارة القطبية الجنوبية في مؤسسة العلوم الوطنية، إنّه «كلّما زاد إنفاقنا لضمان استمرارية عمل هذه الأبنية، قلّت المصادر التي نملكها لإخراج الباحثين للعمل في الميدان».
في عام 2012، وظّفت المؤسسة شركة «أو. زد. أركيتكتور» في دنفر لتطوير فكرة تصميمية أوّلية لمحطة «ماك موردو» جديدة، بينما يتولّى فريق مستقلّ من المهندسين المعماريين ومهندسي البناء تنفيذ هذه الأفكار. ولفت روث إلى أنّ هذه التصاميم ستقدّم «ابتكارات للراحة» تتضمّن مراكز للرشاقة، ومساحات للاسترخاء، ومساكن محسنة. وأخيراً، سلّطت شركة «بروتون» الضوء على «التغيّر الجذري الذي شهدته مقاربة هذه المشاريع في وقت قصير». أمّا بويكينغ، فقد اعتبر أنّه «عندما بنت المملكة المتحدة محطة هالي 6 أدركت دول كثيرة أهميّة تقديم تصاميم مميزة، وليس أي تصاميم».
- خدمة «نيويورك تايمز»



«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
TT

«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)

كان من المقرر أن يحتفل «مسرح شغل بيت» بذكرى تأسيسه الثامنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بيد أن اندلاع الحرب في لبنان حال دون إقامة الحفل، فأُلغيت البرمجة التي كانت مقررة حتى إشعار آخر.

ممثلون هواة تابعون لـ«مسرح شغل بيت» (شادي الهبر)

اليوم يستعيد «مسرح شغل بيت» نشاطاته الثقافية ويستهلها بمسرحيتي «مخبأ» و«حكايات سميرة». ويعلّق مخرجهما شادي الهبر لـ«الشرق الأوسط»: «كانتا من ضمن نشاطات روزنامة الاحتفال بسنتنا الثامنة، فقررنا نقلهما إلى الشهر الحالي، ونعرضهما على التوالي في (مسرح مونو) خلال 16 و17 و18 و19 يناير (كانون الثاني) الحالي». لكل مسرحية عرضان فقط، تشارك فيهما مواهب تمثيلية جديدة متخرّجة من ورش عمل ينظمها «مسرح شغل بيت». ويوضح الهبر: «الهدف من هاتين المسرحيتين هو إعطاء الفرص لطلابنا. فهم يتابعون ورش عمل على مدى سنتين متتاليتين. ومن هذا المُنطلق كتب هؤلاء نص العملين من خلال تجارب حياة عاشوها. وما سنراه في المسرحيتين هو نتاج كل ما تعلّموه في تلك الورش».

* «مخبأ»: البوح متاح للرجال والنساء

تُعدّ المسرحية مساحة آمنة اختارتها مجموعة من النساء والرجال للبوح بمكنوناتهم. فلجأوا إلى مخبأ يتيح لهم التّعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية. وفي هذا المكان الصغير بمساحته والواسع بأجوائه تجري أحداث العمل. ويشارك فيه 4 نساء و4 رجال. وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 عاماً. وقد كتب محتوى النص كل واحد منهم انطلاقاً من تجاربه الحياتية. ويعلّق شادي الهبر: «إنها تجارب تنبع من واقع يشبه في موضوعاته وظروفه ما عاشه ناس كثر. وقد طلبت من عيسى بيلون أحد الممثلين فيها أن يضع لها التوليفة المناسبة. وخرج بفكرة محورها المخبأ. فحملت المسرحية هذا الاسم للإشارة إلى مشاعر نخبئها في أعماقنا».

يشارك في هذا العمل إيرما مجدلاني وكريستين مطر ومحمد علي بيلوني وغيرهم. وتتناول موضوعات اجتماعية مختلفة، من بينها ما يتعلّق بالعُقم والقلق والعمل بمهنة غير مرغوب بها. كما تطلّ على موضوع الحرب التي عاشها لبنان مؤخراً. فتحكي قصة شاب لبناني تعرّض منزله في الضاحية للقصف، فيقف أمام ما تبقّى منه ليتحدث عن ذكرياته.

مسرحية «مخبأ» تحكي عن مساحة أمان يتوق لها الناس (شادي الهبر)

ويتابع شادي الهبر: «تحمل المسرحية معاني كثيرة، لا سيما المتعلقة بما نخفيه عمّن هم حولنا، وأحياناً عن أنفسنا محاولين غضّ الطّرف عن مشاعر ومواقف تؤلمنا. فتكشف عن أحداث مرّ بها كلٌّ من الممثلين الثمانية، وتكون بمثابة أسرار يبوحون بها لأول مرة في هذا المكان (المخبأ). ويأتي المسرح كجلسة علاج تداوي الجراح وتبلسمها».

* «حكايات سميرة»: علاقات اجتماعية تحت المجهر

في المسرحية التي تُعرض خلال 18 و19 يناير على «خشبة مونو»، يلتقي الحضور بالممثلة لين جمّال بطلتها الرئيسة. فهي تملك كمية هائلة من القصص التي تحدث في منزلها. فتدعو الحضور بصورة غير مباشرة لمعايشتها بدورهم. وتُدخلهم إلى أفكارها الدفينة في عقلها الذي يعجّ بزحمة قصصٍ اختبرتها.

ويشارك في «حكايات سميرة» مجموعة كبيرة من الممثلين ليجسّدوا بطولة حكايات سميرة الخيالية. ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية سنّ الأربعين والصراعات التي يعيشها صاحبها. وكذلك تحكي عن علاقات الحماة والكنّة والعروس الشابة. فتفتح باب التحدث عن موروثات وتقاليد تتقيّد بها النساء. كما يطرح العمل قضية التحرّش عند الرجال ومدى تأثيره على شخصيتهم.

مسرحية «حكايات سميرة» عن العلاقات الاجتماعية (شادي الهبر)

مجموعة قصص صغيرة تلوّن المسرحيتين لتشكّل الحبكة الأساسية للنص المُتّبع فيها. ويشير الهبر إلى أنه اختار هذا الأسلوب كونه ينبع من بنية «مسرح شغل بيت».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مسرحنا قائم على المختبر التمثيلي والتجارب فيه. وأردت أن أعطي الفرصة لأكبر عددٍ ممكن من متابعي ورش العمل فيه. فبذلك يختبرون العمل المسرحي ويُبرزون مواهب حرفية يتحلّون بها. وما حضّني على اتباع الأسلوب القصصي هو اتّسام قصصهم بخبراتهم الشخصية. فيضعونها تحت الضوء ضمن تجربة مسرحية جديدة من نوعها. فأنا من المخرجين المسرحيين الباحثين باستمرار عن التّجدد على الخشبة. لا أخاف الإخفاق فيه لأني أُخزّن الخبرة من أي نتيجة أحصدها».

ويوضح شادي الهبر أنه انطلاقاً من موقعه مُخرجاً يرمي إلى تطوير أي عمل مكتوب يتلقاه من طلّابه. «أطّلع عليه لأهندسه على طريقتي، فأبتعد عن السطحية. كما أرنو من خلال هذا التّطوير لجذب أكبر عدد ممكن من المجتمع اللبناني على اختلاف مشاربه». ويتابع: «وكلما استطعت تمكين هؤلاء الطلاب ووضعهم على الخط المسرحي المطلوب، شعرت بفرح الإضافة إلى خبراتهم».

ويختم الهبر حديثه مشجعاً أيّ هاوي مسرح على ارتياد ورش عمل «مسرح شغل بيت»، «إنها تزوده بخبرة العمل المسرحي، وبفُرص الوقوف على الخشبة، لأنني أتمسك بكل موهبة أكتشفها».