ارتهان النفط الليبي بـ«الإغلاق المتكرر» يحيي نزعات تقسيمه

دعوات لتوزيع عائداته بشكل عادل بين كل مناطق البلاد

TT

ارتهان النفط الليبي بـ«الإغلاق المتكرر» يحيي نزعات تقسيمه

لم ينجُ النفط الليبي، الذي يوصف بأنه «قوت الشعب»، من «المساومات»، ودائماً ما تقع الموانئ والآبار في مرمى الاستهداف، إمّا لمطالب فئوية، وإما لمناكفات سياسية بين الأطراف المتنازعة. الأمر الذي جدد الدعوات بـ«أهمية تقسيم هذه الثروة على نحو عادل بين مناطق البلاد» المترامية.
ويرى محللون أن أزمة ليبيا الحقيقية تتمحور في امتلاكها ثروة نفطية مهمة، يريد أفرقاء الداخل السيطرة عليها والتحكم في عائداتها، فيما يسعى وسطاء الخارج إلى الاستحواذ عليها والاستفادة منها بشكل أو بآخر. وفي هذا السياق، دعا إبراهيم أبو بكر، عضو مجلس النواب، نواب برقة (بنغازي) لاجتماع طارئ لمخاطبة أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، والدول المعنية بضرورة «اقتسام عائدات النفط بالتساوي على كل الليبيين».
وبدأت بوادر أزمة نقص المحروقات تظهر في البلاد، وهو ما نقله لـ«الشرق الأوسط» عضو مجلس حكماء وأعيان التبو محمد صندو، وذلك على خليفة إغلاق حقول وموانئ نفطية في شرق وجنوب ليبيا، وتتهم المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة لحكومة «الوفاق»، موالين لرئيس «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر بعملية الإغلاق، محذرة من أن الإنتاج سينخفض من نحو 1.2 مليون برميل يومياً، إلى 72 ألف برميل فقط في اليوم.
وتخوف المحامي علي إمليمدي، الذي ينتمي إلى مدينة سبها (جنوب) مما هو قادم، وأوضح أن منطقته مقبلة على أزمة في المحروقات المدعمة، وقال إن سعر أسطوانة غاز الطهي ارتفع في السوق السوداء إلى 80 ديناراً (الدولار مقابل 4.25 دينار) في السوق الموازية، في حين أن سعرها الطبيعي المدعوم من الدولة في المستودعات لا يتجاوز دينارين فقط. وفي غضون ذلك، أبلغ مواطنون «الشرق الأوسط» أن مناطقهم بدأت تشهد انقطاعات في التيار الكهربائي لمدد متفاوتة.
بدوره، قال الوافي عبد الإله من مدينة غات: «منطقتنا تعاني من وقت لآخر نقص الوقود، لكن منذ 3 أيام بدأت أزمة إغلاق النفط تؤثر علينا؛ حيث ارتفع سعر أسطوانة غاز الطهي بشكل مبالغ فيه»، مشيراً إلى أن محطات الوقود الخاصة تتحكم في الأسعار بشكل كبير.
وكان النائب أبو بكر من مدينة طبرق (شرقي البلاد) قد قال في صفحته على «فيسبوك»: «لا نرضى أن تسيطر حكومة (الوفاق)، وميليشياتها الإرهابية والجهوية على أرزاقنا ومواردنا لينفقوها عليهم، وليقتلوا بها أولادنا ويدمروا مدننا، وبالتالي نحن ندعو لاقتسام عائدات النفط بالتساوي بين جميع الليبيين».
ما ذهب إليه أبو بكر يظهر على السطح كلما مرت البلاد بأزمات مشابهة، وسط شكاوى مواطنين من الجنوب بأن حقوقهم مهضومة، وأن الحكومات المتعاقبة تجاهلت مشكلاتهم منذ سنوات، ومن بينها نقص الوقود بمختلف أنواعه.
وأمام تصاعد هذه النبرة، دعا محمد صندو، عضو مجلس حكماء وأعيان التبو، إلى ضرورة «توحيد مؤسستي النفط بشرق وغرب البلاد في مؤسسة واحدة»، داعياً إلى أهمية أن تكون هناك «عدالة في توزيع إيراداته».
ورأى صندو، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، أن ذلك قد يكون «ممكناً من خلال آليات معمول بها في النظم السياسية المعاصرة... ويمكن أن يتحقق هذا التوزيع بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم، أو بواسطة لجان من الخبراء الليبيين». ومعلوم أن إنتاج ليبيا من النفط كان أكثر من 2.‏1 مليون برميل يومياً قبل إغلاق موانئ وحقول نفطية قبل قمة برلين حول الأزمة الليبية، وتذهب عائداته عادة إلى المصرف المركزي في طرابلس، ويتم توزيعها وفقاً للميزانية العامة للدولة.
وذهب صندو إلى أن «قبائل ليبية تتهم مؤسسة النفط بعدم العدالة في التوزيع، لذا تم وقف عملية ضخه»، لافتاً إلى أن «الجنوب لم يستفد شيئاً من إنتاج النفط (...) فالمشتقات النفطية تباع لدينا بـ10 أضعافها، مقارنة بمناطق عدة، منها شمال البلاد». وضرب صندو مثلاً على ارتفاع الأسعار، بقوله: «لتر البنزين في الشمال بـ15 قرشاً، وفي الجنوب بدينارين، وأحياناً بثلاث، وكأننا نعيش في دولة أخرى».
ورداً على مدى تأثرهم بعملية إغلاق الموانئ، أضاف صندو موضحاً: «طبعاً تأثرنا بشكل كبير جداً، وأول الضحايا هم أهل الجنوب».
في مقابل تلك الدعوات، رأى الدكتور محمد أبو سنينة، المستشار الاقتصادي لمصرف ليبيا المركزي، أن «أشد خطر يواجه الثروات الليبية هو المطالبة بتقسيمها»، وقال إن الثروة في ليبيا «تتكون من احتياطيات النفط والغاز، ومخزون الخامات من الحديد والنحاس ورمال السلكا والذهب واليورانيوم... إلى آخره، وكذلك الثروة المائية أو ما يعرف بمجموع الأصول الطبيعية». لافتاً إلى أنه يمكن النظر للثروة على أنها «رأس مال يدر دخلاً، وهذه الثروات بطبيعتها غير قابلة للتقسيم على الأفراد، ولا على المناطق أو الأقاليم، وتتحقق الاستفادة المثلى منها من خلال الاستغلال الجماعي لإيراداتها، أو الدخل المتولد عنها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».