هل يُنهي توافق «اللاعبين الكبار» في برلين «حرب المصالح» في ليبيا؟

ليبيون يستبعدون نهاية الحرب بسبب «استفادة بعض الأطراف الخارجية من استمرار الصراع»

هل يُنهي توافق «اللاعبين الكبار» في برلين «حرب المصالح» في ليبيا؟
TT

هل يُنهي توافق «اللاعبين الكبار» في برلين «حرب المصالح» في ليبيا؟

هل يُنهي توافق «اللاعبين الكبار» في برلين «حرب المصالح» في ليبيا؟

أثارت تصريحات رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، على هامش مشاركته في مؤتمر برلين حول ليبيا، بشأن رهن وقف الحرب المستعرة فيها منذ سنوات برغبة «الوكلاء الخارجيين»، جدلاً حاداً بين الليبيين، وتساءل بعضهم حول مدى التزام الدول الكبرى بتعهداتها بعدم التدخل في شؤونهم، في ظل استفادة بعض الأطراف الخارجية من استمرار الصراع. فيما رأى برلمانيون أن لقاء برلين لم يثمر سوى «مقابلات بروتوكولية»، وقدّر مسؤولون آخرون أن هناك «إشارات لتغيير في الحسابات الأوروبية بشأن ليبيا».
ويعتقد عضو «مجلس النواب» الليبي صالح أفحيمة، أن ما جرى في ألمانيا كان «محاولة لتقليل الخسائر البشرية والاقتصادية، وليس للحل الحقيقي، وبالتالي لن يتغير الواقع، أو يتوقف الصراع المسلح، ومن خلفه المصالح المتضاربة بين الدول».
يقول أفحيمة إن «اللقاء البروتوكولي كان لإدارة الأزمة، وانتهى ببيانات فضفاضة، ليس لأنهم فشلوا في التوافق على صياغة ملزمة للقضايا الأمنية والعسكرية المصيرية، بل لعدم جدية السعي للحل»، مبرزاً أن «التعهدات الختامية بعدم التدخل لا يمكن الاطمئنان إليها، إذ لا يمكن، أو يُعقل أن يتم الحديث عن بدء عملية سياسية، والسعي لإنقاذ الدولة الليبية ومؤسساتها وشعبها، بينما هناك ميليشيات تحكم بقوة السلاح». وأشار البرلماني البارز إلى أنه «إذا كانت الدول الغربية الكبرى صادقة في السعي لحل أزمة ليبيا لضغطوا على مجلس الأمن لإصدار قرارات ملزمة، مثلما فعلوا عام 2011 عبر استصدار قرار بالتدخل العسكري لحماية المدنيين، الذين يُقتلون الآن خلال الصراع».
وبمرارة يضيف النائب الليبي أن «الكل عندما يتحدث عن إنهاء الأزمة الليبية، فإنه يقصد بذلك إنهاءها طبقاً لمصالحه، وإذا تعثر ذلك فلتبقي الأزمة كما هو الحال مع تركيا، التي نتوقع تزايد تدخلها ودعمها للميليشيات».
ولم يبتعد عضو «مجلس النواب» على السعيدي، عن الرأي السابق، حيث أوضح أن «مصالح الدول الكبرى في ليبيا تعد المحرك الأول لأي خطوة وقرار يصدر عن تلك الدول».
وتحدث السعيدي لـ«الشرق الأوسط» عما وصفه بـ«أمل في أن تدرك تلك الدول خطورة استمرار المراهنة على ذات الآليات، التي يعتمدونها الآن للحفاظ على مصالحهم بليبيا، وأن يسعوا لاستبدالها بما يخدم استقرار الدولة الليبية ويحسن أوضاع شعبها، وحينها قد تتضاعف مصالحهم».
وعندما سئل السعيدي عن مدى توقعه لقرب تحقيق ذلك في أعقاب برلين، قال متأسفاً: «حتى الآن لم نستشعر ذلك، وبالتالي لا نستطيع الثقة بهم، خصوصاً أن بعضهم يستفيد من صفقات السلاح التي تدخل ليبيا، والبعض الآخر يستفيد من عائدات تجارة الهجرة غير المشروعة». ويرى السعيدي أنه ربما كانت الاستفادة الحقيقية من وراء التحركات الأخيرة هو «إبعاد الهيمنة التركية عن المشهد الليبي بدرجة ما، أما الصراع العسكري فسيستمر، بما في ذلك خرق حظر التسليح رغم الحديث عن تشديد الرقابة بشأنه».
بدوره، لم يبدِ عضو مجلس النواب الليبي إبراهيم الدرسي، تفاؤلاً بشأن نهاية الصراع، لكنه عزا الأمر إلى «عدم مشاركة أميركا بدرجة فعالة في مؤتمر برلين، وما سبق ذلك من بيان لخارجية واشنطن بشأن صعوبة إيجاد حلول للأزمة الليبية، متضمناً دعوة بعض الدول الرئيسية والراعية للمؤتمر لخفض سقف التوقعات، وذلك قبل أيام قليلة من انعقاده، ما عكس مدى الخلاف العميق بين الدول الكبرى حول معالجة الأزمة، وبالتالي استبعاد وجود القدرة لديهم على تنفيذ التعهدات».
وإذا كانت الآراء السابقة بشأن التعويل على «تعهدات برلين» معبّرة بدرجة أو أخرى عن جانب من برلمان شرق البلاد الداعم لـ«الجيش الوطني»، فإنها توافقت بشكل نادر مع آراء مسؤولين في غرب البلاد.
ولم تختفِ لغة التشكيك في تعهدات الدول الغربية في حديث محمد معزب، عضو «المجلس الأعلى للدولة»، حيث أشار إلى «الهوّة الواسعة بين تلك التعهدات المثالية والإيجابية، كعدم التدخل بالشأن الليبي وإذكاء الصراع، والعمل على وقفه، وتشديد حظر السلاح، وبدء عملية سياسية، وبين الواقع الموجود على الأرض».
وقال معزب لـ«الشرق الأوسط» إن الاتفاق بين تلك الدول الكبرى بالأساس «ليس صلباً لكي يتم تنفيذ تلك التعهدات، وبالأساس هم لم يستطيعوا جمع طرفي الصراع، أي خليفة حفتر وفائز السراج، على طاولة حوار واحدة، رغم وجودهما بذات التوقيت في برلين، وهو يعكس حجم الهوّة وعدم الثقة المتبادل والواسع بين الرجلين، ويعكس أيضاً عدم توافق داعميهما من الدول الكبرى».
أما عضو مجلس النواب جلال الشويهدي، فيُرجع عدم تفاؤله بالقرارات والتعهدات، التي خرجت عن مؤتمر برلين، إلى أنها تفتقر إلى الموضوعية في الرقابة على تنفيذها، موضحاً أن «الهدف الرئيسي جراء هذا المؤتمر هو منع تركيا من دعم (حكومة الوفاق) الشرعية عبر مراقبة البحر، وبالمقابل لا توجد آلية لمراقبة ما يمكن أن يتم تسريبه للحدود الليبية من أسلحة وذخائر من أطراف أخرى، وبالتالي فالتدخلات ستكون مستمرة، وستصب للأسف لصالح طرف واحد، وصراع المصالح والشركات الكبرى سيستمر ما دام كل طرف ليبي سعيد بالطرف الذي يدعمه». أما المحلل السياسي محمد العمامي، فيرى أن «الدول الغربية الكبرى ربما تكون بالفعل قد باتت قريبة من تغيير حساباتها السياسية والاقتصادية تجاه ليبيا»، مشيراً في هذا الصدد إلى «لغة الرفض التي أبرزها المجتمعون في برلين تجاه محاولة تركيا الاستفراد بالمشهد الليبي».
ويعتقد العمامي أن «رسالة سياسية وصلت إلى تركيا خلال المؤتمر»، متوقعاً أنه «ربما يعمل الأوروبيون على تغيير سياساتهم، وتبديل مكاسب الحرب والسلاح بضمان حصص في كعكة إعادة الإعمار، ودليل ذلك تحديد برامج وتوقيتات للحل، ويبقى الرهان الأكبر في تنفيذها على الليبيين أنفسهم، والتصدي للإرهابيين والمرتزقة المستفيدين من عدم استقرار البلاد».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.