رحلة مع: الممثل جيري غزال: لا أبحث عن الشمس في السفر بل على الأجواء الرمادية

في عمان
في عمان
TT

رحلة مع: الممثل جيري غزال: لا أبحث عن الشمس في السفر بل على الأجواء الرمادية

في عمان
في عمان

يتمتع الممثل جيري غزال بشعبية كبيرة في لبنان بعد نجاح تجربته الدرامية الأولى «أم البنات»، عدا أنه يحقق نجاحات أخرى في نشرات أخبار تلفزيون «إم تي في» اللبنانية، من خلال فقرة بعنوان «كونيكتيد» يناقش فيها المشاهد حول الموضوعات الأكثر تداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي. بعيداً عن أجواء العمل، يعتبر جيري غزال السفر ضرورة لا يمكنه العيش من دونها. فهي «هوايته المفضلة». عن السفر يقول:
- هو بالنسبة لي حاجة ضرورية لا أستطيع أن أستغني عنها. فهي هواية تلازمني منذ نعومة أظافري وكنت ولا أزال أدخر المال لممارستها كلما سنحت لي الظروف. السبب أني في السفر أشعر وكأني انفصلت عن ذاتي، بحيث يمكنني أن أنظر إليها كما إلى كل شيء من حولي من زوايا مختلفة. مع الوقت اكتشفت أن للسفر تأثيراً إيجابياً علي كإنسان وعلى نظرتي للحياة، وهو ما ينعكس على عملي أيضاً.
- أميركا من البلدان التي أفضلها عن غيرها لتنوعها وغناها في جميع المجالات. وعندما كنت صغيراً عشت فيها لعدة أشهر، وهو ما يولّد لدي حنيناً دائماً لزيارتها مرة أخرى. فيها أجد السلام واحترام الإنسان وهو ما يظهر جلياً في أسلوب حياته وطريقة عيشه وحتى في جودة الطعام والمياه. لهذا يمكنني القول إن أفضل ذكرياتي كانت في بلاد العم سام. عيشي فيها لفترة لا يستهان بها علمني الكثير، خصوصاً أني كنت صغيراً وقمت بالرحلة لزيارة أقرباء لي وأنا صغير ولوحدي من دون مرافق. شعرت بالمسؤولية رغم صغر سني وهو ما كان له فضل كبير علي وعلى نظرتي للحياة وتعاملي معها.
- من المدن الأخرى التي أعجبتني وتركت أثراً في نفسي، ميديغورييه البوسنية وكاسيا الإيطالية، لما تتمتعان به من بساطة وسكينة، لا سيما أني بطبعي أحب الطبيعة والحياة الهادئة. فأهالي المنطقتين يعيشون حياة متواضعة غير آبهين بإيقاع الحياة السريع. أحببت أيضاً فلورنسا الإيطالية التي انبهرت بطبيعتها وأزقتها ومكوناتها الطبيعية والإنسانية. ويمكنني أن أصفها بلوحة فنية والثقافية من الطراز الرفيع.
- إذا ما خيرت بين رحلة سفر فخمة وأخرى مليئة بالمغامرات أقف في الوسط. فأنا من الأشخاص المتطلبين بشكل دائم لحياة مرفهة، ولو بمستوى بسيط. فلا أستطيع العيش في مساحة أقل من المستوى إلى حد أنه يفتقد إلى وسائل النظافة مثلاً. لكني في حالي خيرت بين زيارة باريس أو المكسيك، فسأختار الأخيرة من دون تردد، لسبب واحد وهو أني حفظت شوارع باريس عن ظهر قلب، بينما لا أعرف الكثير عن المكسيك. وهذا تحديداً ما سيحفزني على اكتشاف ثقافتها وأهلها عن قرب.
وعموماً أنا من محبي الأرياف والطبيعة لأني أعشق رياضة المشي وأحرص على ممارسته في أي بلد جديد أزوره. كما أني على غير ما يميل إليه الأغلبية، لا أبحث عن الشمس، بل أفضل الأماكن التي يسودها الضباب واللون الرمادي، لهذا أحلم بزيارة لندن لأنها تندرج ضمن لائحة المدن الضبابية
- لست هاوياً كبيراً للتسوق بقدر ما لدي شغف بزيارة المتاحف على أنواعها. وما أتذكره من بين كل الزيارات التي قمت بها أتذكر المتحف العلمي لمدينة بوسطن الأميركية، وذلك أني، وقبل أن أتخصص في التصميم الغرافيكي، كنت أرغب في دراسة الطب ولكن الظروف لم تسمح لي بذلك، لهذا لا أفوت أي فرصة لزيارة المتاحف العلمية.
- كوني من عشاق بهارات ومكونات مثل الصويا والزنجبيل ولا أميل إلى الأجبان والحليب فإن المطبخ الآسيوي هو المفضل لدي. أحرص على تذوقه في كل بلد أزوره. ليس هذا فقط بل أحاول أن أتعلم طريقة تحضير هذه الأطباق والتعرف على أنواع البهارات التي تُستعمل فيها
- أسوأ ذكرياتي في السفر كانت في مدينة نيس الفرنسية في عام 2016. حيث كنت أتمشى في نفس المنطقة التي تعرضت لهجوم إرهابي. حينها اختلط الحابل بالنابل ووجدت نفسي منبطحاً على الأرض، قبل أن أتمكن من الوقوف ومتابعة طريقي إلى مكان آمن. تفاجأت بردود الأفعال وملامح الذعر والفوضى لأني كلبناني مر بظروف قاسية ومشابهة تعودنا على مثل هذه الأمور ونتعامل معها بشكل مختلف.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».