بيكاسو والورق... معرض مختلف لفنان عبقري ومبتكر

300 عمل تستكشف إبداع الفنان على مختلف أنواع الورق

بيكاسو يرسم في أنتيب عام 1945 (Succession Picasso)
بيكاسو يرسم في أنتيب عام 1945 (Succession Picasso)
TT

بيكاسو والورق... معرض مختلف لفنان عبقري ومبتكر

بيكاسو يرسم في أنتيب عام 1945 (Succession Picasso)
بيكاسو يرسم في أنتيب عام 1945 (Succession Picasso)

إذا كنت من عشاق الفنان الإسباني بابلو بيكاسو فستجد في المعرض الذي تقيمه الأكاديمية المكية للفنون «رويال أكاديمي أوف آرتس» بلندن غايتك وأيضاً متعتك الفنية. وللحق فالمعرض الذي يفتح أبوابه للجمهور يوم 25 يناير (كانون الثاني) الجاري مملوء لحد التخمة بأعمال العبقري الإسباني، وبما أننا في حضرة بيكاسو غزير الإنتاج وصاحب التنوع المبهر في الأعمال والوسائل الفنية، فينبغي التنبيه هنا لأن المعرض بالفعل ضخم ومتنوع مثله مثل الفنان، وإن كان اختار جانباً محدداً من إبداع بيكاسو وهو إبداعه على الورق. عبر 300 عمل فني نجد أنفسنا أمام وليمة من الفن والإبداع والابتكار، المشكلة هي أن تجد الطاقة الكافية لرؤية كل الأعمال وقراءة البطاقات المرفقة أو حتى الاستماع للدليل الصوتي الذي يقدم المزيد من المعلومات وأيضاً التحليل لعدد مختار من الأعمال المعروضة. وربما من الأفضل تخصيص عدد من الساعات للمعرض لإيفائه حقه وأيضاً لمنح عقلك الفرصة للتأمل والاستمتاع.
عموماً المعرض يستحق زيارة وأكثر، وحتى لا يتوه الزائر بين الأعمال ويفقد الخيط بينها، اختار منظمو العرض تبويبه حسب المراحل الفنية الهامة في عمل بيكاسو، وينطلق من المرحلة الزرقاء ويستمر حتى آخر مراحله الفنية قبيل وفاته.
يتبع المعرض افتتان بيكاسو بالورق كوسيلة للتعبير وتجربته لمختلف أنواع الورق، ونمر عبر أعمال كثيرة مرسومة بالحبر أو بالفحم أو بالألوان المائية، بعضها رسم على ورق مقوى وآخر ورق عادي أو ورق جرائد، أو تذاكر لمترو باريس أو أوراق عتيقة أعاد استخدامها. هناك أيضاً معروضات مكملة للرسومات تضيف الكثير للعرض، مثل المنحوتة الشهيرة «رجل يحمل خروفاً» من عام 1943 التي تُعرض إلى جانب مجموعة من الرسومات المنفَّذة بالحبر والتي تدور حول عمق المشاعر المستكشَفة في التمثال.
وفي الحجرة الأخيرة يضع لنا آلة الطباعة اليدوية التي استخدمها بيكاسو لإنتاج ورقياته الفنية.
«بيكاسو والورق» يمر على 80 عاماً من إبداع الفنان، ويعتبره القيمون عليه أكثر معرض للفنان شمولا وتخصصا في الإبداع والابتكار في مجال الورق واستخداماته.
بيكاسو (1881 - 1073) وهو يعد واحداً من أهم الفنانين في القرن العشرين استخدم وسائل كثيرة ومبتكرة لإنتاجه الفني من الرسم بالزيت إلى النحت والسيراميك والرسومات الغرافية. ولكن ما يهمنا هنا هو ابتكاره المدهش لعالم من فن البحت على الورق. رسم بيكاسو على كل أنواع الورق وبكثافة مستخدماً كل أنواع الأدوات والألوان «الغواش» وألوان الباستيل، استخدم الكولاج وقص الورق ثم لصقه، كوّن قطعاً مستخدماً أوراقاً محروقة مثل مجسم يبدو وكأنه كومة من الورق «المكرمش». ولم يتوقف عند ذلك فهو أيضاً أنتج الصور الفوتوغرافية على الورق كما قضى وقتاً طويلاً في استكشاف عملية الطبع على الورق.
وعبر مراحل زمنية ووقتية في مراحل عمل الفنان نستعرض كل تلك الأعمال، منطلقين من مدخل العرض، حيث نرى صورة ضخمة لبيكاسو وهو يرسم على قطعة من الورق في الاستديو.
من هنا ننطلق وتبدأ رحلة الاستكشاف وننتقي عدداً من الأعمال منها: «نساء يتزين» الضخمة التي تشغل حائطاً من العرض. اللوحة نفذها بيكاسو عام 1937 - 38 ويبلغ طولها 4.5 متر. نحن أمام توليفة ممتعة من الورق الملون المنتظم في «كولاج» من قصاصات ملونة وملصقة. اللوحة تعرض في بريطانيا للمرة الأولى منذ 50 عاماً. في القاعة المخصصة للوحته الشهيرة «ليه مدموزيل دافنيون» نرى عدد الرسومات التي نفذها الفنان في دراسات مستقلة يستكشف من خلالها عناصر عمله، منها لوحة «البحار» ورسومات لنساء في وضعيات واقفة تذكرنا بالفن الأفريقي، وربما قليلاً الفن الفرعوني، وأخيراً نرى اللوحة مكتملة وإن كانت مجرد نسخة ورقية منها.
في قاعة أخرى نرى مجموعة من البورتريهات البديعة بالفعل منها بورتريه للفنان نفسه ولعدد من الشخصيات منها رسم بالخطوط البسيطة منقولا عن لوحة لرينوار.
في جانب آخر من القاعة نفسها، نرى زي مركب صنعه الفنان لترتديه إحدى الشخصيات في «باليه» «بارايد» الذي يستعرض رحلة راقصة من حياة فرقة سيرك، صمم بيكاسو خلفيات الديكور المسرحي برسوماته التكعيبية وصمم أيضاً ملابس الراقصين، ونرى هنا بعضها مرسوماً كما نرى شريطاً مصوراً للعرض المتميز من الناحية البصرية والموسيقية.
يتميز المعرض بأنه مترابط من خلال تيمات محددة مثل القاعة المخصصة لمدموزيل دافنيون، ودراسات على الورق لموضوع اللوحة الشهيرة «الحياة» وتتبع الرسومات المختلفة المواضيع نفسها التي يعبر عنها بيكاسو في اللوحة المكتملة، وهي هنا الفقر واليأس والتهميش الاجتماعي.
في القاعة التي ترتبط بالمرحلة التكعيبية لدى الفنان نرى منحوتة برونزية لرأس امرأة، وإلى جانبها لوحتان مرسومتان بالفحم لرأس المرأة من الأمام، وأخرى تصور الرأس من الخلف. التنقل بين الأعمال الثلاثة متعة بصرية.
ويخصص قسم في المعرض لاستكشاف الأساليب والمواد المختلفة التي استخدمها بيكاسو على مدى تاريخه الفني، مثل الكتب المصورة وعدد من الجرائد والمظاريف البريدية، وأيضاً مجموعة من الخطابات الشخصية التي ترك بيكاسو على حوافها رسومات متنوعة.
- «بيكاسو والورق» في رويال أكاديمي من 25 يناير وحتى 13 أبريل (نيسان)



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.