لماذا تأخر إعلان تشكيل حكومة جديدة في لبنان؟

متظاهرة تحمل العلم اللبناني خلال تجمع احتجاجي في بيروت ضد النخبة السياسية الحاكمة (رويترز)
متظاهرة تحمل العلم اللبناني خلال تجمع احتجاجي في بيروت ضد النخبة السياسية الحاكمة (رويترز)
TT

لماذا تأخر إعلان تشكيل حكومة جديدة في لبنان؟

متظاهرة تحمل العلم اللبناني خلال تجمع احتجاجي في بيروت ضد النخبة السياسية الحاكمة (رويترز)
متظاهرة تحمل العلم اللبناني خلال تجمع احتجاجي في بيروت ضد النخبة السياسية الحاكمة (رويترز)

يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، ويشهد حركة احتجاجية غير مسبوقة وسط تزايد الضغوط الدولية من أجل إجراء إصلاحات، إلا أن الطبقة السياسية التي تتلقى سهام الشارع أخفقت حتى مساء يوم الثلاثاء في تشكيل حكومة جديدة.
وتم تداول أنباء عن قرب حسم إعلان أسماء وزراء الحكومة الجديدة بعد تأخير كبير.
وينتظر لبنان تشكيل حكومة جديدة منذ قدم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، استقالته في 29 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أسبوعين من بدء احتجاجات تُطالب بتنحي الطبقة السياسية المُتهمة بالفساد.
وفي 19 ديسمبر (كانون الأول)، وبعد أسابيع من الخلافات حول هوية من يترأس الحكومة المُقبلة، تم تكليف حسان دياب، الأستاذ في الهندسة والأكاديمي، تشكيل الحكومة.
لكن دياب، الذي تعهد بتشكيل حكومة خلال ستة أسابيع من تكليفه، يواجه سلسلة من العقبات.
ففي بلد متعدد الطوائف، حيث يتم توزيع الحقائب في الحكومة على أسس طائفية، تصبح عملية تشكيل الحكومة مهمة شاقة تتمثل في «تقاسم الكعكة»، حسب تعبير مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر.
وطالبت الحركة الاحتجاجية المستمرة في لبنان منذ ثلاثة أشهر بوقف هذه المحاصصة السياسية التي تكرست بعد «اتفاق الطائف» الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989 بعد أكثر من 15 عاماً على اندلاعها.
وقال مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا نزال نلحظ طريقة العمل نفسها، المنطق الطائفي والحزبي نفسه لتوزيع الحصص».
وتعترض أحزاب الأكثرية النيابية هذه المرة على اقتراح حسان دياب تشكيل حكومة مصغرة تضم 18 وزيراً بدلاً من 30، بحجة أنه سيحرم بعضها حصته من «الكعكة» الحكومية.
وثمة حزبان من حلفاء «حزب الله» هما «تيار المردة» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي»، من أبرز المعترضين. ولم يُعلق دياب على اقتراح تشكيل حكومة من 20 وزيراً تلبي مطالب هذين الحزبين.
وتختلف الأحزاب المعنية على بعض الأسماء، كما يبدو.
وكان الأكاديمي حسان دياب، قد تعهد بتشكيل حكومة تضم خبراء مستقلين إضافة إلى ممثلين للحراك الشعبي، وهو مطلب رئيسي للمتظاهرين الذين فقدوا ثقتهم بالطبقة السياسية التقليدية.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان، إن هذا الأمر شديد التعقيد، مؤكداً أن جميع المرشحين الذين يتم تداول أسمائهم مرتبطون بأحزاب سياسية. وأشار إلى أن «تشكيل حكومة حصرياً من التكنوقراط هو حلم»، مضيفاً أن «كل مرشح يقف وراءه حزب سياسي يدعمه». وتابع أن الأحزاب «ما زالت تهيمن على العملية».
وأعلن زعيم «تيار المردة» النائب السابق سليمان فرنجية في مؤتمر صحافي، اليوم (الثلاثاء)، أن تشكيل حكومة من مستقلين هو طرح «غير واقعي». وقال إن الأفرقاء السياسيين يسمّون أشخاصاً يمثلونهم، مبرراً مطالبته بتمثيل أوسع في الحكومة. وأضاف: «أتمنى على الحراك إعطاء فرصة، والأسماء المطروحة في الحكومة نظيفة».
ويعقد المانحون الدوليون والمواطنون آمالهم على حكومة جديدة تُجري الإصلاحات المطلوبة للحصول على مليارات من المساعدات الدولية، واستعادة استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من ثلث قيمتها في السوق الموازية. لكنّ المحللين يعتقدون أن الحكومة المقبلة لا يمكنها فعل الكثير.
وقال الأستاذ في العلوم السياسية كريم المفتي: «إن المهمة التي تنتظر أي حكومة خلال هذه الفترة الخطيرة مهمة شاقة». وأضاف: «بالنظر إلى الطبيعة متعددة الأبعاد للأزمة، يبدو أنه من الصعب التفكير في حلول قصيرة الأجل للمشكلات المالية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد».
وتعد نسبة الدَّين مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي في لبنان من الأعلى في العالم.
وفاقمت أزمة السيولة بالدولار والقيود التي فرضتها البنوك على التعامل بالدولار، من المعضلة، الأمر الذي وضع لبنان على شفير التخلف عن السداد.
وما زاد الطين بلة أن خصوم «حزب الله»، وبينهم «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري، أعلنوا أنهم لن يشاركوا في الحكومة المقبلة.
ويثير ذلك مخاوف من أن تفتقر أي حكومة مقبلة إلى التوازن في ظل سيطرة «حزب الله» وحلفائه عليها، ما يعني عجزها عن تلقي الدعم المطلوب لبدء الخروج من الأزمة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان، إن الصراعات السياسية توحي بأن الممسكين بالسلطة غير قادرين على التعامل مع التحديات المطروحة. وأوضح أن «حل المشكلات الاقتصادية في البلاد هو أصعب بكثير من مجرد تشكيل حكومة، ورغم ذلك يبدو أن السياسيين غير متفقين على إنجاز أمر هو الأكثر بساطة».
وقال علي حسن خليل وزير المالية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، أمس، على «تويتر»، إن الحكومة الجديدة ستتشكل خلال ساعات، حيث غرد: «ساعات ونكون أمام حكومة جديدة».
في حين قال مصدران سياسيان لبنانيان بارزان لوكالة «رويترز» للأنباء، إنه تم التوصل لاتفاق بشأن تشكيل الحكومة الجديدة التي ستضم 20 وزيراً من بينهم الخبير الاقتصادي غازي وزني في وزارة المالية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.