«اليوم في بنايتنا توفي طفل من البرد». جملة رماها أبو محمد في أذن جاره همساً، وهو يحاول تشتيت انتباه ابنه الصغير الذي يرافقه، ثم تابع: «لا أريد لابني أن يخاف إذا علم أن رفيقه مات بسبب البرد».
مضى أبو محمد بوجه أقفلت ملامحه على الرعب من الأعظم المجهول الآتي على عجل إلى حياة السوريين البائسة بعدما تلقى رد جاره: «الله يجيرنا من الأعظم»، في وقت كانت تمر فيه إحدى دوريات ميليشيا الدفاع الوطني في البلدة الصغيرة بريف دمشق، فالنظام في حالة تأهب أمني بدأت منذ أيام عدة في محيط الجوامع ومراكز توزيع الغاز والجمعيات الاستهلاكية والأفران، حيث تصطف طوابير السكان للحصول على المواد الأساسية، لمنع تحولها إلى مظاهرات، في ظل حالة من الغليان والقهر تستعر في الصدور.
مصادر أهلية في ريف دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن تعليمات صدرت إلى ميليشيات الدفاع الوطني لتسيير دوريات ترابض في محيط التجمعات وبالأخص الجوامع؛ إذ من المتوقع امتداد المظاهرات الغاضبة احتجاجاً على الوضع المعيشي السيئ، من السويداء إلى ريف دمشق ودمشق. وتابعت المصادر: «حالة من الغضب والقهر تفاقمت عند غالبية الناس خلال الأيام القليلة الماضية وتكاد تصل إلى حد الانفجار، مع انخفاض درجات الحرارة لتلامس الصفر في ظل انعدام وسائل التدفئة؛ إذ لا توجد كهرباء ولا مازوت ولا غاز، وارتفاع أسعار جنوني. الناس بردانة وجوعانة»، مع التأكيد أن «شتاء هذا العام هو الأصعب على السوريين بين سنوات الحرب التسع».
في أحد فروع الجمعيات الاستهلاكية في حي القصاع وقف رجل خمسيني يفتش جيوبه بحثاً عن دفتر العائلة ليتمكن من شراء كيلو سكر بالسعر المدعوم 350 ليرة، لكنه اكتشف نسيانه الدفتر في البيت. اقترحت عليه الموظفة شراء سكر بالسعر الحر، الكيلو بألف ليرة. لكنه رفض لأن في جيبه 500 ليرة فقط؛ أي نصف دولار أميركي، وإذا اشترى نصف كيلو سكر حرّ فلن يتمكن من شراء الخبز... وهكذا انسحب من الطابور خالي الوفاض بعد ساعة من الانتظار.
رئيس مجلس الوزراء بدمشق عماد خميس أقر بعجز حكومته عن ضبط الأسعار. وقال أمام مجلس الشعب في جلسته قبل الأخيرة التي حضرها الفريق الحكومي: «لا نستطيع حالياً تخفيض الأسعار، لأن هناك مواد مستوردة مرتبطة بالدولار الذي ارتفع من 500 إلى ألف ليرة؛ أي 100 في المائة». ورد ذلك إلى الحرب الاقتصادية على سوريا في عام 2019 قائلاً: «من الطبيعي ألا يكون هناك استقرار في سعر صرف الليرة في ظل الفاتورة الضخمة التي تدفعها الحكومة لتأمين الموارد». متعهداً باتخاذ «قرارات نوعية لاستقرار الليرة». وكشف عن دراسة المصرف المركزي حالياً مجموعة إجراءات حول متغيرات سعر صرف الليرة السورية.
كلام رئيس الحكومة جاء عقب إصدار مرسومين تشريعيين؛ الأول يمنع التعامل بغير الليرة السورية وسيلةً للمدفوعات، والثاني يقضي بتشديد عقوبة كل من ينشر معلومات كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل الإعلانية لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية، أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية.
ولدى مناقشة المرسومين في مجلس الشعب، أكد خميس أنه «لن يكون هناك عبث ولو مثقال ذرة في أي وزارة لتطبيق المرسومين الخاصين بتشديد العقوبة على المتعاملين بغير الليرة السورية».
وتتعرض حكومة عماد خميس لحملات انتقاد واسعة في أوساط الموالين للنظام، وتتهم بالفساد مع تحميلها كامل المسؤولية عما آلت إليه أوضاع السوريين من تردٍ غير مسبوق. وشنّ ابن عم الرئيس، دريد الأسد ابن رفعت الأسد هجوماً لاذعاً على الحكومة بدمشق واتهمها بالخيانة لأنها حققت ما لم يستطع أعداء سوريا تحقيقه في «تركيع وإذلال السوريين»، بحسب منشور له على حسابه في «فيسبوك».
النظام يستنفر لمنع خروج المظاهرات من الجوامع وطوابير الغاز
دمشق... الموت برداً وجوعاً في السنة التاسعة للحرب
النظام يستنفر لمنع خروج المظاهرات من الجوامع وطوابير الغاز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة