أينَ اختفى محمد عابد الجابري؟

بعد 9 سنوات على رحيله

محمد عابد الجابري
محمد عابد الجابري
TT

أينَ اختفى محمد عابد الجابري؟

محمد عابد الجابري
محمد عابد الجابري

حمل ديسمبر (كانون الأول) في أيامه الأخيرة ذكرى رحيل أسماء كبيرة إبداعياً وفنياً وفكرياً أيضاً، محمد عابد الجابري واحد من تلك الأسماء التي لم يكن رحيلها سوى بداية لسؤال كبير ومتجدد: ماذا بعد؟
لم يكن محمد عابد الجابري مفكّراً عادياً، ولم يكن كاتب رأي أو مؤلفاً لمجموعة من كتب الفلسفة، بل كان في نظر الكثيرين مدرسة فكرية قائمة بذاتها، ومختلفة عن غيرها من تيارات الفكر السائدة في العالم العربي. لقد حفر الجابري اسمه في ذاكرة الحقيقة كثائر فلسفي حقيقي رفضَ بشدة كل القوالب الموروثة عن منظومة التفكير التقليدية، التي رسّخت لعقود وربما لقرون متعاقبة فكرة النقل المتواتر، وأقصت العقل من كل أدواره الحيوية في الخلق والتجديد والسؤال.
بعد رحلة طويلة امتدت لأكثر من 30 سنة، وأثمرت أكثر من 30 مؤلفاً مرجعياً في الفلسفة والتراث والفكر الإسلامي، كان الجابري على موعد مع الرحيل أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2010. غاب الجابري يومها وبقيت أسئلته المؤرقة حاضرة في فضاء النقاش العام والخاص، على حدّ سواء.
واليوم، بعد تسع سنوات مرّت على هذا الرحيل الكبير، بعد تسع سنوات عاشها عالمنا العربي بظروفها العاصفة سياسياً واجتماعياً، وبمعطياتها المريرة، نتساءل بحرقة: هل ما يزال العقل العربي محتاجاً إلى الإصلاح، أم أن الهدم بات شرطاً مسبقاً لإعادة البناء؟ وهل لا يزال الحديث عن العقل العربي ككتلة واحدة ممكناً أصلاً، وسط فوضى المفاهيم، وفي ظل كل هذه الانتماءات الطائفية والعرقية التي استيقظت فجأة في قلب عالم عربي تبعثره النَّزَعات والنزاعات؟ هل غاب العقل والنقل معاً، وحضرت العاطفة بمعناها التاريخي؟ ووسط كل هذا الجزر المعرفي الحاد ببلداننا، ومع صعود موجات التطرف والانغلاق التي باتت تحاصر حتى النّوايا: تُرَى أين اختفى تراث محمد عابد الجابري، ولِمَ غابت عنّا أفكاره الحيّة؟
لقد دعا الجابري كثيراً إلى إعادة قراءة التراث على نحو حيادي متبصّر لا تحضر فيه العاطفة كعنصر مشوّه للحقيقة، ولا يعني الحياد هُنا أن ننفصل عن وجودنا وكينونتنا الاجتماعية والوجدانية في علاقتنا الجدلية مع تراث الأسلاف، كما لا تعني إعادة القراءة أن نقع في قطيعة مع التاريخ، بل لعلها فرصة لبعث صلة الوصل من جديد بيننا وبين معطيات التاريخ التي نحن جزء من سياقها المتصل، فالعقل العربي، كما يرى الجابري، عقلٌ ماضوي يحن للأصول بوعي... ويحن إليها من دون وعي.
إنَّ الدعوة لإعادة القراءة والفهم تقتضي أن تخرج مجتمعاتنا من سجن التقليد، وهو مسار يقتضي من الفكر العربي أن يغادر خانة «العقل المستقيل» التي جعلته منفصلاً عن اللحظة المعرفية، وعن سؤال الراهن وقضايا العصر والحضارة، إنها دعوة من الجابري لإعادة الإحساس بوجودنا وسط عالم متسارع التحولات... وهي في الوقت نفسه دعوة لمراجعة تلك المتون التراثية التي تسكنها الخرافة، وتجعل من قرّائها مريدين لا باحثين أحراراً عن الحقيقة. إنَّ المصالحة التي يدعو لها البعض لا ينبغي أن تكون مع التراث، لأن ذلك يعني التطبيع مع مكامن الخلل فيه، لكن المصالحة مطلوبة دائماً مع التاريخ الذي نرتبط به في كل الأحوال، وعلينا قراءة أحداثه بموضوعية تنسجم مع رغبتنا في التحرر من قيود الانغلاق والتخلف وعبادة الأساطير النصّيّة... تلك الأساطير القاتلة التي أجرمت في حق عقولنا.
لم يكن الجابري يخفي توجّسه من معطيات المستقبل، لا سيما تلك التي تتعلق بمستقبل الدولة العربية وما يتهددها من أخطار يرجع معظمها إلى أزمة الخطاب السياسي في ظل منظومة مؤسساتية تعيد اجترار نفس الأنساق التقليدية، وتغلفها بقوالب مستحدثة لا حداثية.
ناقش الجابري، في هذا الصدد، مفهوم «العصبية»، مستحضراً منظور ابن خلدون، غير أنه كان أكثر تفاؤلاً إزاء قدرة الدولة في العالم العربي على التخلص من وهم العصبية الدينية كعنصر وحيد للجمع والوحدة... فالاتحاد لا تحدده العصبية فقط، بل هو ممكن أيضاً في إطار تعاقدي مدني حديث يضمن حريات الأفراد، ويتيح للمختلفين حقهم في الشعور بوجودهم المختلف وسط الجماعة. يمكن كذلك للدولة في العالم العربي أن تقوي من وجودها بشرعية العدالة والقيم الحديثة القائمة على مبادئ الحرية والتعايش وآليات الحوار والتبادل. نستحضر كل هذه الأفكار في أدبيات الجابري، ونحن نرى اليوم جيلاً جديداً من العصبيات الفئوية تنهش أجساد قسم كبير من الدول العربية، وتسعى لإقامة دويلات داخل الدولة الواحدة. لم يتغير المنطق كثيراً، فالعصبية لا تزال هي المحرك الأساسي لمشروعات هذه الدّويلات. نرى اليوم كيف تبسط سلطة الميليشيات الطائفية سيطرتها على دول بكاملها في العالم العربي، لقد اعتقلت هذه الميلشيات مفهوم المواطنة، وأنهت عمل المؤسسات، وأعادت عدداً من بلداننا إلى مرحلة «ما قبل الدولة»، يحدثُ كل ذلك نتيجة لاستغلال هذا النوع من «العصبية» البراغماتية في سياقات سياسوية ضيقة تعتاش على الأمراض الطائفية، وتجعل من مسألة الولاء للخارج وأجنداته وجهة نظر تُحترم!
من هنا تكمن خطورة الأدوات التقليدية التي أهملت الدولة العربية مسار تطويرها، وأهملت معها وظيفة التجديد. إنّ أهم ما يمكننا أن نقف عنده اليوم في أدبيات الجابري هو الحاجة الملحة للنقد، فهو السبيل الوحيد لإعادة بعث الحياة في قلب مجتمعات عربية أنهكها الجمود، والنقد هنا يشبه عملية رياضية منطقية تستند في حيثياتها إلى قاعدة اشتغال نفعيّة تقبل العناصر الإيجابية، حتى وإن كانت وليدة الماضي، وتلفظ في الوقت نفسه كل الشوائب التي حملتها أمواج النّقل، وعلقت بذاكرتنا الجماعية، بل وتحكمت في محرّك الوعي وعطلته عن العمل.
إن العالم العربي هو أحوج ما يكون اليوم إلى خطاب العقل الشفاف الذي لا ينتمي إلا لذاته الواعية، ولا يصبو سوى للحقيقة الصافية دون تشويه ودون خرافة... «نحن لا نمارس النقد من أجل النقد، بل من أجل التحرر من كل ما هو ميّت أو متخشب في كياننا العقلي وإرثنا الثقافي»، قال الجابري ذلك قبل سنوات عديدة، فما الذي سنقوله نحن اليوم.
- كاتب وشاعر من المغرب



لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم
TT

لا أحد يملك مفاتيح بوابات المشهد الثقافي

أسامة مسلم
أسامة مسلم

في مقالةٍ نُشرت الأسبوع الماضي، كتب الزميل ميرزا الخويلدي عمّا سمّاها «ظاهرة» أسامة المسلّم الأديب النجم، غير المسبوق أدبياً بشهرته محلياً وعربياً؛ القادر على جذب حشود من المعجبين والمعجبات، ممن قرأوا له وممن لم يقرأوا بعد، إلى معارض الكتب التي يوجد فيها.

بدون أدنى شك، يجسّد المسلم ظاهرة الروائي النجم. ومحاولة التقليل من شأن نجوميته والاستهزاء بها ضرب من العبث، والساخر منها والمستهزئ بها «كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل». المسلم جاء، أو ظهر، ليبقى، والنظر إلى تجربته ومنجزه الإبداعي باستعلاء ونفور لن يكون له أي تأثير في الواقع وعليه. وسيستمر الإقبال على مؤلفاته، والتزاحم حوله إلى حد إغماء البعض، أو التسبب في إلغاء فعاليات توقيع رواياته - حقيقةٌ تؤكد حقيقةً أخرى: تداعي أو انهيار صروح الوصاية على الإبداع الأدبي، وتقلص سلطة من يُنَصِّبُون أنفسهم أوصياء وحكام ذوق، يحلمون، رغم تغير الظروف والأحوال، في الاستمرار في توزيع صكوك الاعتراف والتزكية ممهورة بإمضاءاتهم.

جي كي رولنغ

«المُسَلَّمُون» قادمون

وسيأتي «مُسَلَّمُون» (من مُسَلّم) آخرون، مُقَلِّدُون ومتأثرون به، يحاكون أسلوبه في الكتابة، وفي ترويج كتبهم وذواتهم؛ وآخرون تغريهم جوائز «القلم الذهبي» بالمال وبأضواء الشهرة، وبوصول أعمالهم السردية أفلاماً إلى صالات السينما. وسنشهد، محلياً على نحو خاص، ظاهرة الإقبال على كتابة القص الشعبي (popular fiction): الفانتازيا والرعب والإثارة والتشويق والجريمة والرومانس، أو ما يسمى «الأدب الأكثر تأثيراً». وسيوازي ذلك الانتشارُ الفطري - المشرومي لدورات وورش كتابة «الأدب الأكثر تأثيراً». وليس على «المشهد الثقافي» سوى تحمل الظاهرة بإيجابياتها وسلبياتها، حتى وإن كان يوجد من يرفض وجودها. «المُسَلَّمُون» قادمون، فعلى الرحب والسعة، ففي المشهد متسع للجميع. ستجد مؤلفاتهم من يقرأها، ومن يمتنع، وله الحرية والحق في ذلك. لكن ثمة حقيقة أنه لا أحد يملك، أو له الحق في امتلاك، مفاتيح بوابات المشهد الثقافي، يفتحها أمام من يحب، ويقفلها في وجوه من لا يستطيع معهم صبراً.

ستيفن كنغ

البناء الذاتي للشهرة

حقيقة أخرى ذكرها الزميل الخويلدي في مقالته، وهي أن المسلم صنع شهرته بنفسه دون أي نوع من أنواع الدعم والرعاية من المؤسسات الثقافية بنوعيها الرسمي والأهلي. كما لم يكن للنقاد والصحافة فضل عليه، أو إسهام في صنع نجوميته. أضيف إلى ما ذكره الخويلدي، الحقيقة الأخرى: رفض 20 ناشراً لروايته «خوف»، ما اضطره إلى بيع سيارته لينشرها على حسابه.

أعتقد أن رفض نشر روايته علامةٌ على أنه كائن محظوظ، جعله الرفض ينضم بدون اختيار وقرار منه لقائمة الذين رُفِضتْ مؤلفاتهم وانتهى بهم المطاف كُتّاباً وأدباء مشهورين. يبدو أنه ما من شخص تعرضت كتاباته للرفض، إلا وأصبح مشهوراً، يضاف اسمه لقائمة الأسماء التالية على سبيل المثال لا الحصر: إرنست هيمنغوي، ف. سكوت فيتزجيرالد، سيلفيا بلاث، مايا أنجيلو، باربرا كنغسولفر. ومن كُتّاب القص الشعبي: أغاثا كريستي، ج. ك. رولينغ، ستيفن كينغ. سأسقط بعض الضوء على تجربتي ج. ك. رولينغ، وستيفن كينغ مع النشر.

رفض «هاري بوتر» و«كاري»

رفضت 12 دار نشر مخطوطةَ رواية رولينغ «هاري بوتر»، ليس هذا فحسب، بل حذرها أحد الوكلاء الأدبيين بأنها لن تحقق ثروة بتأليفها كتباً للأطفال. ربما شعر، أو لا يزال يشعر، ذلك الوكيل بوخزات الندم على تحذيره رولينغ، وهو يراها الآن تشغل المركز الأول في قائمة أكثر الكاتبات والكُتّاب ثراءً بثروة تقدر بمليار دولار. تحقق لها الثراء من كتاباتها للأطفال، وللكبار، خصوصاً الذين لم تنطفئ دهشة الطفولة فيهم.

أما كينغ، فقد رُفِضَتْ مخطوطةُ روايته «كاري» من قبل 30 ناشراً. وقد أوضح أحد الناشرين في خطاب الرفض إليه أنهم لا يهتمون بروايات الخيال العلمي التي تصور يوتوبيات سلبية (ربما يقصد ديستوبيات) لأنها «لا تبيع»، أي لا تحقق أرقام مبيعات مرتفعة. لكن «كاري» نُشِرَت أخيراً في 1974. ولما أُطْلِقَتْ نسخةُ الغلاف الورقي بعد عام من نشرها، 1975، بِيْعَ منها ما يزيد على مليون نسخة خلال 12 شهراً. والآن كينغ واحد من الكُتّاب الأثرياء، بثروة تقدر بــ500 مليون دولار.

مثلهما واجه المسلم رفض الناشرين. وستصبح سيرته الأدبية أقوى شبهاً بسيرتيهما، خصوصاً سيرة كاتبه المفضل كينغ، عندما تعرض الترجمات السينمائية لرواياته على الشاشتين الكبيرة والصغيرة في القريب العاجل كما يُفهم من كلامه عن ذلك.

تيري وودز وفيكي سترينغر

وللروائتين الأميركيتين تيري وودز وفيكي سترينغر، أعود من كتابة سابقة. فلوودز وسترينغر قصتان طويلتان مع الرفض المتكرر من الناشرين، ولكنهما وضعتا لهما نهايتين مختلفتين عن نهاية قصص الكاتبات والكُتّاب المذكورين أعلاه. يتجلى في قصتيهما الصبر والإصرار على تحقيق الهدف. كان النشر الذاتي نهاية قصة كل منهما، لينتهي بدوره بتأسيس كل منهما دار نشر، شقت الطريق أمامها إلى الثراء.

في المتبقي من وقتها الموزع بين واجبات الأمومة وعملها سكرتيرة في شركة قانونية، فتحت تيري وودز من فيلادلفيا، التي ستصبح فيما بعد رائدة القص المديني - قص المدينة، أو أدب الشارع، أو أدب العصابات، فتحت لنفسها باباً تدلف من خلاله إلى عالم الكتابة، لتشرع في تأليف روايتها الأولى «True to the Game». وبعد فراغها من الكتابة، راحت تطرق أبواب الناشرين. وعلى مدى 6 سنوات، من 1992 إلى 1998، كانت تتلقى الرفض تلو الآخر. ولمّا نفد صبرها، قررت طباعة وتغليف روايتها بنفسها وبيعها مباشرةً لباعة الكتب وللناس في الشوارع. كانت تطوف بالمدن. تنام في سيارتها في مواقف السيارات، وعلى الأريكات في بيوت معارفها، وتقضي ساعات في شوارع نيويورك. ثم انتقلت الى الخطوة التالية: تأسيس دار للنشر. بعد مضي ثلاث سنوات، أصبحت وودز الكاتبةَ المليونيرة. وكان عام 2007 عام خير عليها، وقَّعَت خلاله صفقةَ خمس كتب مع «غراند سنترال بَبلِشينغ»، وظهر الجزء الثاني من روايتها «True to the Game II» على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لصحيفة «نيويورك تايمز»، وفي العام التالي (2008)، كان الجزء الثالث على قائمة «نيويورك تايمز» أيضاً.

أما فيكي سترينغر، فقد أتاحت لها الكتابة مفراً من ضيق الزنزانة إلى رحابة العالم المتخيل في روايتها «Let That Be the Reason»، التي كتبتها في السجن. غادرت فيكي سترينغر ولاية ميشيغان إلى مدينة كولومبس للدراسة في جامعة ولاية أوهايو. وهناك التقت بمن أصبح صديقاً لها. وكان يتعاطى ويروج المخدرات، فاستدرجها إلى الانزلاق إلى هاوية المخدرات وتعاطيها وترويجها، حيث توجّت بلقب «ملكة الكوكايين في كولومبوس». وحين ألقي القبض عليها كان في حوزتها كمية كبيرة من المخدرات ومئات آلاف الدولارات.

في السجن وبعد الخروج منه، كانت الكتابة «خيط أريادني» الذي اهتدت به للخروج من متاهة التعثرات والتيه في الماضي. فعلى الفور، راحت تبحث عمن ينشر مخطوطة روايتها الأولى، لتُمَنى برفضها 26 مرة، ما اضطرها إلى نشرها ذاتياً، وتأسيس دارها للنشر. وتوالى نشر الأجزاء الأخرى من الرواية، ورواياتها الأخرى. أطلقت مجلة «بَبليشرز ويكلي» على سترينغر لقب «ملكة أدب المدينة الحاكمة». وفي 2005، شهدت طوكيو، نشر ترجمات رواياتها إلى اليابانية.

إغراء الناس بدخول المكتبات

تقول الكاتبة آن بارنارد في مقالتها «من الشوارع إلى المكتبات»، المنشورة في «نيويورك تايمز» (23-10-2008)، إن المكتبات في «كوينز»، ونظام المكتبات المنتشرة في البلاد، إلى مقاطعة يورك في بنسلفانيا، تحرص على اقتناء روايات (القص المديني - أدب الشارع - أدب العصابات) كطريقة مثيرة، وإن تكن خِلافيَّةً أحياناً، لجذب أشخاص جدد إلى قاعات القراءة، ولنشر محو الأمية والتفكير واستكشاف ميول واهتمامات الجمهور الذي يخدمونه.

جوهرياً، لا يختلف ما تقوله بارنارد عن روايات وودز وسترينغر وغيرهما من كُتّاب أدب الشارع، عمّا يقال عن روايات المسلم، وجذبها آلاف من الشباب إلى الكتاب والقراءة، وإلى معارض الكتب، وإثارتها الاختلاف والجدل، والانقسام ما بين مادحٍ وقادح.

لكن رغم التشابه بين تجارب وودز وسترينغر والمسلم، يتميز الأخير بأن في وطنه جائزة (جائزة القلم الذهبي) خصصت ستةُ من مساراتها الثمانية للقص الشعبي. قد لا يفوز في الدورة الأولى، ولا في الثانية، ولا الثالثة، ولا الرابعة. وقد لا يفوز بها أبداً. لكنه سيظل الكاتب مثير الجدل، وجاذب الحشود لمعارض الكتب.

ترُى هل سيعزز المسلم التشابه بينه والروائيتين الأميركيتين من ناحية رفض الناشرين في البدايات وجاذبية أعمالهم السردية بتأسيس دار لنشر القص الشعبي، أو هل أقول «الأدب الأكثر تأثيراً»، إذا كان بالإمكان اكتشاف مدى قدرة كتاب على التأثير قبل النشر، وبعده بدون أجهزة وآليات رصد خاصة ومعايير؟

ناقد وكاتب سعودي