الطائرة الأوكرانية... لغز يذكر بكارثة سقوط «الماليزية»

الطائرة الأوكرانية... لغز يذكر بكارثة سقوط «الماليزية»
TT

الطائرة الأوكرانية... لغز يذكر بكارثة سقوط «الماليزية»

الطائرة الأوكرانية... لغز يذكر بكارثة سقوط «الماليزية»

بعيد إقلاعها يوم الأربعاء الماضي، أسقطت طائرة أوكرانية من طراز «بوينغ 737» قرب طهران ما إلى مقتل 176 شخصاً كانوا على متنها. وبعدما نفت طهران لأيام ما أعلنته دول غربية حول إسقاط الطائرة، عادت القوات المسلحة الإيرانية واعترفت صباح السبت بمسؤوليتها عن المأساة، متحدثة عن «خطأ بشري». كييف طلبت من طهران أول من أمس تسليمها الصندوقين الأسودين للطائرة.
الحقائق ما زالت تنكشف، وأصبح من المتعارف أن ألغاز الطائرات من النوع الذي يستغرق سنوات للتفسير، خصوصاً عندما تسقط فوق مناطق متوترة. ومن أرشيف «الشرق الأوسط» نستعيد حادثة سقوط الطائرة الماليزية فوق أوكرانيا في عام 2014. في أوج النزاع المسلح الذي قاده الانفصاليون الموالون لروسيا.
الطائرة «بوينغ 777» التابعة للخطوط الماليزية انطلقت في رحلتها بين أمستردام وكوالالمبور في 17 يوليو (تموز) 2014، وعلى متنها نحو 300 شخص. سقطت قرب منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا التي كانت تشهد نزاعاً ويسيطر عليها المسلحون الموالون لروسيا، ولم ينجُ أحد.
في عددها الصادر يوم 18 يوليو 2014 وثقت «الشرق الأوسط» الحادثة تحت عنوان: «هلع دولي بعد (إسقاط) طائرة ماليزية تقل 295 راكباً في أوكرانيا... تبادل التهم بين كييف والانفصاليين حول الجهة المسؤولة عن الكارثة». وصاحب الخبر صورة لناشط مسلح من الانفصاليين الموالين للروس يقف قرب موقع تحطم الطائرة.

صفحة كاملة كرستها «الشرق الأوسط» في عددها الصادر في اليوم التالي (19 يوليو) لتوثيق كارثة الطائرة الماليزية شملت خبراً عن دعوات مجلس الأمن لتحقيق مستقل بشأن الطائرة المنكوبة، وتصريحات للرئيس الأميركي باراك أوباما رجح فيها أن الطائرة أسقطت بصاروخ أطلق من مناطق الانفصاليين. واعتبرت الحادثة الأكثر فتكاً منذ عقود.

في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 نشرت الصحيفة خبر نتائج التحقيقات التي أجراها الجانب الهولندي عن إصابة الطائرة بصاروخ من منظومة الدفاع الجوي «بوك» الذي انفجر على مسافة متر واحد من الجزء اليساري من حجرة القيادة، الأمر الذي أكدته شظايا معدنية وأخرى زجاجية عثر عليها خلال تشريح جثث طاقم الطائرة.

اللغز لم يفسر، والتكهنات والتحقيقات استمرت. وفي عدد «الشرق الأوسط» الصادر في 29 سبتمبر (أيلول) 2016. خبر تحت عنوان «الطائرة الماليزية أسقطت بصاروخ روسي الصنع». وقال الخبر إن هذا ما خلص إليه ممثلو ادعاء دوليون، إلا أن روسيا والمتمردين نفوا هذه الرواية واتهموا القوات الأوكرانية بإطلاق النار. كما تعرف الادعاء إلى هويات نحو 100 شخص قد يكونوا لعبوا دوراً فاعلاً في هذه المأساة.

مضت سنتان ولم تحل القضية، بل زاد التوتر. وفي 26 مايو (أيار) 2018 خبر في صفحة الدوليات بالجريدة بعنوان «مطالبات دولية لروسيا بتحمل مسؤولية إسقاط الطائرة الماليزية... الكرملين يرفض محاولة (النيل من سمعتنا أمام العالم)». وقال الخبر: «حملت هولندا وأستراليا روسيا مسؤولية إسقاط الطائرة التابعة للخطوط الجوية الماليزية فوق شرق أوكرانيا في 2014 في حادث قتل فيه 298 شخصاً» وتوصل المحققون الدوليون إلى أن الطائرة أسقطت بصاروخ بوك السوفياتي وانطلق من اللواء 53 الروسي للدفاع الجوي في كورسك، جنوب غربي روسيا.

وأعلن الفريق الدولي الذي يحقق في ملابسات تحطّم الطائرة أن 3 روسيين وأوكرانياً سيحاكمون في 9 مارس (آذار) 2020 في هولندا. كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر الماضي إن موسكو تدرس تبادلاً مكثفاً للسجناء والأسرى مع أوكرانيا، يشمل قائداً عسكرياً للانفصاليين الأوكرانيين المؤيدين لروسيا في شرق أوكرانيا، والمشتبه به في حادث تحطم الطائرة.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».