باريس تراهن على المساندة الأوروبية والأميركية في حربها في الساحل الأفريقي

زيارة جماعية لوزراء دفاع أربع دول أوروبية إلى المنطقة

باريس تراهن على المساندة الأوروبية والأميركية في حربها في الساحل الأفريقي
TT

باريس تراهن على المساندة الأوروبية والأميركية في حربها في الساحل الأفريقي

باريس تراهن على المساندة الأوروبية والأميركية في حربها في الساحل الأفريقي

في الحرب التي تخوضها في منطقة الساحل الأفريقي ضد التنظيمات الجهادية وعلى رأسها «دولة الخلافة» والفرع الأفريقي من «القاعدة»، تسعى باريس للحصول على دعم دولي جماعي وبالدرجة الأولى أوروبي. وهذا المطلب برز بقوة الأمر وشكل إحدى النتائج الرئيسية للقمة الفرنسية - الأفريقية التي استضافتها مدينة بو «جنوب غربي فرنسا» في 13 الجاري. ولكن الهم الفرنسي ــ الأفريقي الآخر الذي أرخى بظلاله على القمة تمثل في مستقبل الانخراط العسكري الأميركي في المنطقة. وهاتان المسألتان تشكلان، في الوقت الراهن، الشغل الشاغل لباريس بعد أن اعتبرت أنها نجحت مع القادة الأفارقة الخمسة في «تجديد» شرعية حضورها العسكري في المنطقة واستحصلت منهم على تعهد خطي، نص عليه البيان الختامي للقمة، بتغطيته سياسيا والدفاع عنه أمام الرأي العام الأفريقي. والهم الفرنسي أن تسير الأمور سريعا وأن تحصل على نتائج ملموسة في أقرب وقت خصوصا أن الرأي العام الفرنسي أخذ يطرح تساؤلات عن مستقبل انخراط الجيش الفرنسي في إطار «قوة برخان» المنتشرة في بلدان الساحل منذ بداية العام 2014. ووفق رئيس أركان القوات الفرنسية الجنرال لو كوانتر، فإنه يتعين التحلي بالصبر لأن دحر التنظيمات المسلحة والإرهابية لن يحصل غدا أو بعد غد ما يعني عمليا انتشار 4500 جندي فرنسي مع كل الدعم الجوي واللوجيتسي. يضاف إلى ذلك أن الرئيس ماكرون قرر إرسال تعزيزات إضافية من 250 رجلا بدأوا بالوصول إلى مالي للتركيز على المثلث الحدودي «مالي، النيجر وبوريكنا فاسو» حيث تتركز منذ عدة أشهر عمليات التنظيمات المسلحة.

من هذه الزاوية يتعين النظر إلى الزيارة الأوروبية الجماعية لوزراء دفاع أوروبيين تقودهم الوزيرة الفرنسية فلورانس بارلي التي يريدها الجانب الفرنسي ترجمة «التحالف من أجل بلدان الساحل» الذي دعت إليه القمة الأخيرة. ووزراء الدفاع «المرافقون» هم من السويد والدنمارك وإستونيا. وهذه الدول أعلنت استعدادها للمشاركة في قوة الكوماندوز الأوروبية التي تعمل باريس لقيامها والتي أطلق عليها اسم «تاكوبا» التي تعني «السيف». وأعلنت بارلي أن الفرنسيين «لن يكونوا وحدهم وستكون القوة «المشار إليها» أكثر عددا الصيف القادم». ومن جانبه، أبدى الرئيس إيمانويل ماكرون الكثير من التفاؤل في الخطاب الذي ألقاه الخميس الماضي أمام جنود وضباط القاعدة الجوية قريبا من مدينة أورليان، جنوب باريس حيث أعلن أن «قوة «برخان» سوف تتحول إلى تحالف عسكري دولي وهي اليوم كذلك جزئيا، بفضل مساهمات شركائنا الأوروبيين والأميركيين.
حقيقة الأمر أن باريس التي تعتبر أنها «تحارب بالنيابة عن الأوروبيين» الحركات المسلحة والإرهابية في منطقة الساحل، ليست راضية عن مساهمة شركائها في الاتحاد الأوروبي رغم أهميتها. فحتى اليوم، تنحصر الجهود الأوروبية في الدعم اللوجيستي وفي المساهمة في تدريب القوات المسلحة لبلدان الساحل أكان ذلك على المستوى الثنائي أو في إطار «القوة المشتركة الخماسية». وما تريده باريس وجود وحدات أوروبية تقاتل إلى جانب «قوة برخان» وهو ما ليس موجودا حتى اليوم. فبريطانيا مثلا توفر ثلاث طوافات من طراز «شينوك» والدنمارك اثنتين بينما إستونيا تساهم بخمسين رجلا وقد التزمت بتوفير أربعين جنديا لقوة «تاكوبا» الأمر الذي يبين هزال المساندة الأوروبية. ومن جهتها، فإن ألمانيا منخرطة إلى جانب القوة الأممية «مينوسما» في مالي والمشكلة من 13 ألف رجل وتنحصر مساهمتها في التدريب. وتظهر هذه المعطيات «الإحباط» الفرنسي وبالتالي رغبة باريس الجامحة بأن تحظى بمزيد من المشاركة في جهودها العسكرية في بلدان الساحل. ثمة إحباط آخر يقض مضاجع المسؤولين الفرنسيين ومصدره الخطط الأميركية للانسحاب من منطقة الساحل أو على الأقل خفض حضورها فيها. وتتعين الإشارة أن القوة الأميركية توفر لـ«برخان» دعما رئيسيا عنوانه توفير المعلومات الاستخبارية والدعم اللوجيستي. وما يقلق باريس احتمال إقدام القيادة الأميركية على إغلاق القاعدة الجوية التي تشغلها شمال النيجر حيث يرابط سرب من الطائرات المسيرة القادرة على توفير رقابة جوية شبه دائمة في منطقة تزيد مساحتها على خمسة ملايين كلم مربع. لكن السطات الفرنسية ما زالت تأمل بأن تنجح في ثني واشنطن عن خططها وهو ما أشار إليه الرئيس ماكرون في ختام القمة الفرنسية ـ الأفريقية حيث عبر عن أمله في إقناع الرئيس دونالد ترمب بالحاجة إلى استمرار الدعم الأميركي. وأعلن الجنرال مارك ميلي، رئيس الأركان الأميركي أن قرارا سيتخذ في غضون شهرين ما يترك فسحة للطرف الفرنسي للتحرك.
في هذا السياق، يتعين النظر إلى إعلان وزيرة الدفاع الفرنسية أمام البرلمان أواسط الأسبوع المنصرم، أنها ستزور واشنطن قبل نهاية الشهر الجاري لبحث مستقبل الدعم الأميركي لجهود بلادها ودول الساحل الأفريقي في مواجهة الجماعات الإرهابية. ووصفت بارلي المساهمة الأميركية بـ«القيمة» ودورها بـ«القيم والأساسي». وبحسب مصادر وزارة الدفاع الفرنسية، فإن ما تسعى إليه باريس هو تجنب أن تقوم في بلدان الساحل «معاقل إرهابية» مذكرة بأن الانخراط الفرنسي يعود لقرار الرئيس السابق فرنسوا هولندا إرسال القوات الفرنسية إلى مالي لوقف «نزول» التنظيمات الجهادية من الشمال والوسط إلى العاصمة باماكو.
هل ستنجح بارلي في مهمتها؟ يبدو اليوم أن الجواب غير محسوم. لكن المصادر الفرنسية تعتبر أن «تجارب الماضي» مع الرئيس ترمب «متأرجحة» إذ أن باريس وشركاءها الأوروبيين نجحوا في السابق، كما في سوريا أحيانا، في حمله على تغيير خططه وأحيانا أخرى أصيبوا بإخفاق ذريع. ولذا، فإن مهمة بارلي في واشنطن في الأيام القادمة، ستكون «مفصلية».


مقالات ذات صلة

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (شرنة (أفغانستان))

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».