الجزائر: محاكمة متظاهرين يفاقم الغضب ضد السلطات

انتقد ناشطون سياسيون وحقوقيون في الجزائر وجود «ازدواجية» واضحة بين الخطاب والممارسة على أرض الواقع، بخصوص تعامل السلطات الجديدة المنبثقة عن انتخابات الرئاسة، التي جرت الشهر الماضي، مع الحراك الشعبي، خاصة بعد أن شهدت مظاهرات الجمعة موجة اعتقال جديدة، وذلك بعد أيام فقط من تعهدات أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون بالإفراج عن «معتقلي الرأي». وأكد أعضاء بـ«لجنة الإفراج عن المعتقلين»، وهو تنظيم نشأ في سياق الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أن قوات الأمن اعتقلت 15 متظاهرا بالعاصمة، أول من أمس، تم وضعهم في الحجز تحت النظر وسيعرضون على النيابة اليوم.
وكتب المحامي عبد الغني بادي، أحد أشهر المدافعين عن معتقلي الحراك، بحسابه بشبكة التواصل الاجتماعي، أن الناشطين ميسوم زروق ورضا بوغريسة وكمال نميش وأمين بن سعيد قضوا ليل الجمعة بمراكز الشرطة بالعاصمة، وسيتم – بحسبه - عرضهم على النيابة اليوم. مشيرا إلى أن اعتقالات الجمعة «تشبه الاعتقالات التي وقعت في سبتمبر (أيلول) الماضي». في إشارة إلى تعرض مئات المتظاهرين للاعتقال وإيداع أغلبهم الحبس الاحتياطي.
وأشار بادي إلى سجن مصطفى عطوي، رئيس «الجمعية الجزائرية لمحاربة الفساد»، لأسباب «غير معروفة». علما بأن عطوي اشتهر بانتقاده الشديد للمسؤولين، وتتبعه لأخبار الفساد في القطاعات الاقتصادية وفي الإدارة الحكومية. ويتوقع أن يقدم للنيابة هو أيضا. وكان الرجل الثاني في الجمعية نفسها، حليم فدال، قد قضى هو الآخر أشهرا في السجن وأفرج عنه، على أن يحاكم لاحقا بسبب انخراطه في المظاهرات، ومواقفه المعارضة لتنظيم انتخاب 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وجرى اعتقال حكيم عداد، الرئيس السابق للتنظيم الشبابي (تجمع - عمل - شباب)، ووضع في الإفراج المؤقت، بعد فترة قضاها في الحبس الاحتياطي، فاقت 4 أشهر. ويتوقع أن يحاكم قريبا، حسب محاميه، بتهمة «التحريض على التجمع في الفضاء العام، من دون رخصة من السلطات»، وهي تهمة محل انتقاد من غالبية المحامين والناشطين الحقوقيين، ويقع تحت طائلتها عشرات المعتقلين. كما يوجد رئيس التنظيم الشبابي عبد الوهاب فرساوي في السجن منذ شهرين.
في غضون ذلك، لا يزال العشرات من «معتقلي راية الأمازيغ» في السجن ينتظرون المحاكمة، وكان أطلق سراح بعضهم بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية. ومن أبرز مساجين الحراك الناشط السياسي كريم طابو، والكاتب الصحافي فضيل بومالة، والناشط سمير بلعربي، وهم متابعون بـ«إضعاف معنويات الجيش». وينسب حقوقيون سجنهم إلى رئيس أركان الجيش المتوفى حديثا، الفريق أحمد قايد صالح الذي هاجم المتظاهرين عدة مرات، واتهمهم بـ«خدمة أجندات أجنبية بهدف ضرب استقرار الجزائر».
وطالب قادة أحزاب وناشطون من الرئيس أثناء لقاءات، جمعتهم به في إطار «الحوار» الجاري منذ أسبوعين، بإطلاق سراح المعتقلين كافة، كأحد شروط تهدئة الوضع في البلاد. ونقل سفيان جيلالي، رئيس حزب «جيل جديد»، عن تبون أنه «ينوي الإفراج عنهم قريبا». غير أن أحداث الجمعة التي تميزت باستعمال قوات الأمن القوة ضد المظاهرات، واعتقال متظاهرين في العاصمة وفي مدن أخرى، يؤكد حسب مراقبين، هوة كبيرة بين إشادة الرئيس الجديد بـ«سلمية وتحضر الحراك»، وتصرفات رجال الأمن في الميدان. فيما يخشى قطاع من الملاحظين من احتمال عجز السلطة الجديدة عن التحكم في الجهاز الأمني، الذي عاد بقوة ليبسط نفوذه على الشأن العام منذ اندلاع الأزمة قبل 11 شهرا.
وتفيد مصادر قريبة من الحكومة لـ«الشرق الأوسط» بأن الرئيس يتحاشى التدخل في ملف معتقلي الحراك، تجنبا لما يمكن أن يفهم أنه يؤثر على قرارات القضاء في هذا الملف. وكان تبون قد وصف الحراك بأنه «مبارك»، وتعهد بألا يتصدى له إن أصبح رئيسا للبلاد.