الأزمة الاقتصادية تصل الى جيوب السوريين... ولقمة عيشهم

الراتب الشهري لا يكفي إلا بضعة أيام جراء انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار

سوريون نازحون في ريف حلب شمال البلاد أمس (أ.ف.ب)
سوريون نازحون في ريف حلب شمال البلاد أمس (أ.ف.ب)
TT

الأزمة الاقتصادية تصل الى جيوب السوريين... ولقمة عيشهم

سوريون نازحون في ريف حلب شمال البلاد أمس (أ.ف.ب)
سوريون نازحون في ريف حلب شمال البلاد أمس (أ.ف.ب)

بخلاف ما كانت تأمله الحكومة السورية بأن يشكل مطلع عام 2020 بداية انتهاء الحرب وإعادة الإعمار وتدفق الاستثمارات وتعافي الاقتصاد، تفاقم التدهور في مختلف القطاعات الاقتصادية مع تراجع غير مسبوق في تاريخ البلاد في سعر صرف الليرة أمام الدولار ووصوله إلى 22 ضعفاً، وارتفاع بالأسعار بالنسبة ذاتها، زاد من معاناة الناس المعيشية والذين باتت غالبيتهم العظمى يعيشون تحت خط الفقر.
ويرجع خبراء اقتصاديون تزايد التدهور الاقتصادي في البلاد إلى إقرار الولايات المتحدة الأميركية «قانون قيصر» الذي سيستخدمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب «سيفاً مسلطاً على رقبة دمشق وموسكو للسير بجدية في مسار الحل السياسي».
وكانت سوريا في سنوات ما قبل الحرب شهدت في الفترة الممتدة ما بين عام 2000 وحتى 2010 تحسناً ملحوظاً في الوضع الاقتصادي والمعيشي، وبات الاقتصاد السوري يعتبر الاقتصاد العربي الوحيد المكتفي ذاتياً في معظم احتياجاته، والصناعات السورية تفوق حجم الصناعات في معظم دول المنطقة، والصادرات السورية تصل إلى كل دول المنطقة والعالم، والاستثمارات تتوافد إلى البلاد من كل حدب وصوب وحافظ سعر صرف الليرة على ما بين 45 و50 مقابل الدولار، لكن الوضع انقلب عكسياً مع اندلاع الحراك السلمي منتصف مارس (آذار) من عام 2011، وتحوله بعد أشهر قليلة إلى حرب طاحنة مستمرة حتى الآن.

عقدة الدولار
مع اندلاع الاحتجاجات وتحولها بعد أشهر قليلة إلى حرب طاحنة وفرض دول عربية وغربية عقوبات اقتصادية على دمشق، شهد سعر صرف الليرة السورية الذي حافظ على سعر ما بين 45 و50 مقابل الدولار بين عامي 2000 و2010، تراجعاً تدريجياً، ووصل إلى نحو 640 عام 2016 عندما هدد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بضرب مواقع في دمشق، لكن سعر الصرف عاد وتحسن وحافظ على مستوى عند نحو 440 ليرة طوال عام 2017.
وبالترافق مع أزمة في توفر مواد الطاقة عصفت بمناطق سيطرة الحكومة السورية، في بداية شتاء 2018، شهد سعر صرف الليرة تدهوراً جديداً أمام الدولار، ووصل إلى نحو 550 في فبراير (شباط)، ومن ثم إلى 580، وصولاً إلى نحو 615، ومن ثم إلى 683 في سبتمبر (أيلول) الماضي، ليتحسن بعدها نوعاً ما وليعود من ثم إلى التدهور ويصل إلى 768 مبيعاً مع اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان التي تعتبر سوريا منفذه البري الوحيد ومن ثم المظاهرات في كثير من مدنه.
وفي إجراء بدا كأنه تنفيس للاحتقان المتزايد في الشارع السوري جراء ارتفاع الأسعار مع التدهور المتسارع في قيمة الليرة، قام الرئيس بشار الأسد بزيادة رواتب الموظفين 20 ألف ليرة، أي ما يعادل 25 دولاراً، وهي زيادة انتظرها السوريون طويلاً بعد تآكل قدرتهم الشرائية إلى حد العدم.
واعتبرت مصادر اقتصادية متابعة حينها، أن زيادة الرواتب لن تسد الفجوة بين ارتفاع الأسعار والرواتب والأجور، الناجمة عن تدهور قيمة الليرة، لكنها ستحقق وفراً إضافياً في الخزينة العامة؛ نظراً لعملية خفض قيمة الليرة التي تمت وفق منهجية مدروسة من قبل الحكومة في دمشق خلال الأسابيع القليلة الماضية لتصل إلى مستوى قياسي، وبما يسمح بخفض قيمة كتلة الرواتب والأجور التي تشكل القسم الأكبر من مصاريف الخزينة.
ويتراوح متوسط رواتب وأجور العاملين في القطاع العام بين 20 ألف ليرة (أقل من 20 دولاراً) و40 ألف ليرة (أقل من 40 دولاراً) شهرياً، وفي القطاع الخاص بين 100 ألف ليرة (أقل من 100 دولار) و150 ألف ليرة (نحو 130 دولاراً) شهرياً، في حين يحتاج الفرد إلى أكثر من 100 ألف ليرة للعيش بالحد الأدنى، بينما تؤكد دراسات وتقارير أن أكثر من 93 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وأدى تواصل الاحتجاجات في لبنان إلى مزيد من التدهور في سعر صرف الليرة السورية ووصوله إلى رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد، حيث يسجل حالياً نحو 1100 ليرة مقابل الدولار، ليتراجع بذلك أكثر من 22 ضعفاً عما كان عليه قبل الحرب.
التدهور المتسارع في سعر صرف الليرة في كل مرة كان يترافق مع موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الأساسية، لتزداد الأسعار أكثر من 22 ضعفاً منذ بدء الحرب، أي بنسبة بلغت 2400 في المائة.
وتجاوزت نسبة ارتفاع الأسعار في ظل التدهور الأخير لسعر الصرف أكثر من 100 في المائة؛ إذ يصل سعر كيلو السكر حالياً إلى 600 ليرة بعد أن كان بنحو 250 عندما كان سعر الصرف 683 في سبتمبر الماضي، بينما قفز سعر الفروج المشوي من 2000 ليرة إلى 4000، وكيلو لحم الخروف إلى أكثر من 12 ألف ليرة بعد أن كان ما يقارب 7 آلاف.
وفي ظل هذه الحال تشهد أسواق دمشق وريفها وعموم المدن السورية حالة جمود كبيرة، حيث أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها بسبب ارتفاع الدولار وتخطيه ألف ليرة، بينما يعمد بعض التجار إلى احتكار مواد أساسية ترقباً لارتفاع أكبر في سعر الدولار وبيع تلك المواد بسعر اغلى.
وفي أول حركة احتجاجية على تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وانخفاض سعر صرف الليرة تجمع العشرات من أهالي محافظة السويداء جنوب سوريا في وسط المدينة يوم الأربعاء الماضي، وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أن هؤلاء هتفوا بعبارة: «بدنا نعيش بدنا نعيش» اعتراضاً على الواقع المعيشي في البلاد. وانتقدت صحيفة «الوطن» المقربة من السلطات صمت الحكومة أمام التدهور الحاصل بقيمة الليرة. وكتبت مؤخراً: «لا تزال الحكومة تلتزم الصمت الكامل تجاه تقلبات سعر الصرف. وبات من الصعب تقدير السعر الحقيقي لليرة وسط مضاربات داخلية وخارجية نتيجة العوامل السياسية وما يتعرض له لبنان».

الأموال المهاجرة
حسب دراسة أعدها رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، علي كنعان، ونشرتها صحيفة «الوطن» المقربة من السلطات، فإن إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية قُدّرت بنحو 45 مليار دولار حالياً. ووفق البيانات الواردة في الدراسة، فإن إيداعات السوريين تزيد على 25.4 في المائة من إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية البالغة نحو 177 مليار دولار.
وتؤكد الدراسة، أن تلك التقديرات تخص إيداعات السوريين الأفراد، المستثمرين ورجال الأعمال خاصة، من دون احتساب إيداعات بعض المصارف وشركات التأمين، وعند وضع هذه الهيئات في الحسبان فإن إجمالي الإيداعات يتخطى 50 مليار دولار.
وحسب الدراسة، بدأت الآثار النقدية والمالية للأزمة اللبنانية مؤخراً في الظهور بشكل سريع، لم يسبق له مثيل، على الاقتصاد السوري، كما أن المصرف المركزي اللبناني اتخذ عدداً من الإجراءات النقدية التي من شأنها تخفيض حجم المضاربة وتهدئة السوق اللبنانية، لكنّ هذه الإجراءات انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد السوري.
ومن أبرز تلك الإجراءات دفع الحوالات الواردة من الخارج للسوريين في لبنان بالليرة اللبنانية بدلاً من دفعها بالدولار، وهذا ما حرم الاقتصاد السوري قرابة 4 ملايين دولار يومياً تأتي من لبنان إلى سوريا لتمويل وإعالة الأسر السورية.
ورفع «المركزي» اللبناني سعر الفائدة على الودائع بالعملة الأجنبية وبالليرة اللبنانية؛ مما دفع المودعين السوريين للتوجه ثانية إلى الإيداع في المصارف اللبنانية وجذب السيولة من سوريا إلى لبنان.
ووفق دراسة لـ«البنك الدولي» حول أثر الصراع على النتائج الاقتصادية والاجتماعية في سوريا حتى أوائل عام 2017، أدت التعطيلات الناتجة من الصراع والعقوبات الدولية إلى خفض الصادرات السورية بنسبة 92 في المائة بين عامي 2011 و2015، كما أن التقديرات تشير إلى أن العجز في الحساب الجاري بلغ 28 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2016 بعد أن سجل 0.7 في المائة عام 2010، حيث كان تمويل هذا العجز يجري على نحو متزايد بالسحب من احتياطيات النقد الأجنبي التي انخفضت بشدة من نحو 21 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من مليار دولار عام 2015، بينما انخفضت إيرادات الموازنة من 23 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2010 إلى أقل من 3 في المائة عام 2015، یرجع ذلك أساساً إلى تراجع عائدات النفط والضرائب، وانهیار التجارة مع بلدان العالم بسبب العقوبات، ونمو الاقتصاد غیر الرسمي، وضعف قدرة الإدارة على الجبایة، ونتيجة لذلك، ارتفع الدین العام الإجمالي من 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2010 إلى 150 في المائة عام 2015.
دراسة لـ«البنك الدولي» التي أجريت في مدن «حلب، والرقة، ودرعا، ودوما، ودیر الزور، وحمص، وحماة، وإدلب، وكوباني (عين العرب)، وتدمر»، ذكرت أن 27 في المائة من المساكن تأثرت في تلك المدن؛ إذ دُمر 7 في المائة منها، وتضررت 20 في المائة أخرى جزئياً، حيث وقع أكبر دمار كامل في دیر الزور (في المائة 10) وأكبر ضرر جزئي في تدمر (8.32 في المائة)، بينما كانت حلب من بين أكثر المدن تضرراً مع وجود 8 في المائة من الوحدات السكنية المدمرة و23 في المائة من المتضررة جزئياً.
وبحسب الدراسة، فإن الأضرار المادیة التي لحقت بالبنیة التحتیة للكهرباء كانت شدیدة، لكنها لم تكن مدمرة؛ فجمیع سدود الطاقة المائیة في البلاد وست محطات من 18 محطة لتولید الكهرباء لا تزال تعمل، في حین أصیبت أربع محطات كهرباء أخرى بأضرار جزئیة ودُمرت محطة واحدة، غیر أن نقص الوقود والقیود الناجمة عن الصراع على عملیات التشغیل والصیانة أدت إلى انخفاض حاد في إمدادات الكهرباء الحكومیة، وانخفض تولید الكهرباء إلى 16208 غیغاواط ساعة عام 2015 مقابل 43164 غیغاواط ساعة عام 2010، أي بانخفاض قدره 62 في المائة.

النفط
يُقدِّر تقرير للطاقة العالمية احتياطات سوريا من النفط بمليارين ونصف المليار برميل، بينما تؤكد تقارير صحافية توقّف إنتاج النظام من النفط الخفيف منذ النصف الثاني لعام 2012، في حين توقّف إنتاج النفط الثقيل اعتباراً من الشهر الثالث من عام 2013.
وفي حين كان إنتاج الحكومة السورية من النفط في فترة ما قبل الحرب نحو 385 ألف برميل يومياً، ذكر وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم أخيراً، أن إنتاج النفط بلغ 20 ألف برميل يومياً، علماً بأن تقرير الطاقة العالمية، ذكر أن استهلاك سوريا من النفط قبل الحرب كان بين 240 و250 ألف برميل يومياً.
ومع التطورات الميدانية المتسارعة، استعادت دمشق السيطرة على حقول نفط وغاز صغيرة في المنطقة الوسطى، وأبرزها «شاعر» و«الهيل» و«آراك» و«حيان» و«جحار» و«المهر» و«أبو رباح» في منطقة تدمر، بينما واصلت «قوات سوريا الديمقراطية» وهي عبارة عن تحالف كردي - عربي مدعوم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، السيطرة على حقول النفط والغاز في المنطقتين الشرقية والشمالية الشرقية، ومن أبرزها «الرميلان» و«الجبيسة» في الحسكة، و«العمر» و«التنك» و«كونيكو» شرق محافظة دير الزور.
وسبق أن أكد مصدر قيادي في «قوات سوريا الديمقراطية» لـ«الشرق الأوسط»، أن «القوات» تسيطر على نحو 1000 بئر، منها ما بحالة جيدة وتجري بسهولة عملية الإنتاج منها، ومنها ما هو متوقف، وأخرى يصعب الإنتاج منها بسبب عدم توفر آليات متطورة. وأكد المصدر أن عملية الإنتاج تشرف عليها الإدارة الذاتية الكردية التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» ذراعها العسكرية، حيث تشكل الأخيرة المكون الأبرز في «قوات سوريا الديمقراطية»، إضافة إلى مشاركة القطاع الخاص بعملية الإنتاج، بناءً على رخصة رسمية من «الإدارة الذاتية».
وبينما لم يفصح المصدر عن كميات الإنتاج، يلفت إلى أن عمليات التكرير تهدف إلى «توفير احتياجات السوق المحلية والمناطق المجاورة في سوريا»، من دون أن يذكر إن كان من بين المناطق المجاورة، مناطق سيطرة النظام.
ويؤكد المصدر، أنه تم تأمين مستلزمات السوق المحلية من مادة «المازوت»، بأسعار تدرجت من 35 ليرة إلى 50 ليرة وصولاً إلى 60 ليرة للتر الواحد، على حين يبلغ سعره في مناطق سيطرة الحكومة 180 ليرة بعد أن كان قبل الحرب بنحو 7 ليرات.
وقال خبير اقتصادي سوري لـ«الشرق الأوسط»، الشهر الماضي، إن «قوات سوريا الديمقراطية» ومن قبلها تنظيم «داعش» كانا يضطران إلى بيع النفط السوري للحكومة السورية ليعاد تكريره في مصفاتي حمص وبانياس، لأنه الأجدى مادياً، في ظل التكاليف العالية لنقله وتكريره في دول أخرى. وتفيد معلومات أوردها موقع «أويل برايسز» (المختص في أخبار النفط والطاقة ومقره بريطانيا)، بأن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، تبيع برميل النفط الخام بـ30 دولاراً، وتؤمّن نحو 10 ملايين دولار شهرياً.
وبينما كان النظام السوري مدعوماً بالحليف الروسي يتهيأ للسيطرة على حقول النفط في المنطقة الشمالية الشرقية إثر عملية «نبع السلام» التركية في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد انسحاب «قوات سوريا الديمقراطية»، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجميع بالتصريح يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) بأنه يعتزم إبقاء قوات بلاده في المناطق التي تقع فيها حقول النفط وعقد صفقة مع شركة (إكسون موبيل)، إحدى أكبر الشركات الأميركية، للذهاب إلى سوريا والقيام بذلك «بشكل صحيح، وتوزيع الثروة النفطية»، مشيراً إلى أن حماية آبار النفط «تحرم تنظيم (داعش) مِن عوائده، في حين سيستفيد منه الأكراد، ويمكن أن تستفيد الولايات المتحدة منه أيضاً».
وشكل تصريح ترمب صدمة؛ إذ جاء بعد إعلانه في السادس من نوفمبر، عزم القوات الأميركية على الانسحاب من شمال شرقي سوريا، وعلى الضد من ذلك وصلت في نهاية نوفمبر 170 شاحنة عسكرية أميركية يرافقها 17 عربة مدرعة تحمل جنوداً أميركيين، قادمة من شمال العراق إلى القواعد الأميركية القريبة من حقول النفط والغاز في محافظتي دير الزور والحسكة شرقي البلاد؛ وذلك لتقوية ورقة حلفائها الأكراد، ولمنع أي سيطرة اقتصادية لروسيا وإيران على منابع النفط السورية؛ إمعاناً في تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران وسوريا، وحرمانهما من استغلال مناطق شرق سوريا للتحايل على العقوبات وتأمين طرق وموارد النفط.

الغاز
رغم إعلان النظام استعادة السيطرة على كثير من حقول الغاز في المنطقة الوسطى، بعد طرد تنظيم «داعش» من المنطقة، فإن أكبر الحقول هو حقل «كونوكو» في ريف دير الزور الشرقي، ويقع ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، ويقدر إنتاجه بنحو 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً.
وبينما تشير بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية في منتصف 2017 إلى أن «إنتاج سوريا من الغاز الطبيعي قبل الحرب كان نحو 21 مليون متر مكعب يومياً، وأصبح حالياً (2017) غير قادر سوى على إنتاج 8.7 مليون متر مكعب»، زعم غانم أخيراً، أن «الإنتاج اليوم ارتفع إلى 16.5 مليون متر مكعب من الغاز يومياً».
ويدحض مزاعم غائم، تكرار أزمات الغاز المنزلي الخانقة التي تحصل في معظم مناطق سيطرته على فترات متقاربة، حيث يشاهد حالياً في شوارع العاصمة طوابير طويلة من المواطنين ينتظرون لساعات للحصول على أسطوانة غاز منزلي، وكذلك في محافظات الساحل الغربية وحلب في شمال البلاد.
وأخيراً، ذكر رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، في صفحته على «فيسبوك»، أن «سوريا لديها احتياطي من الغاز يقدر بأكثر من 240 مليار متر مكعب».
وبحسب تقارير صحافية محلية، بلغ استهلاك سوريا اليومي من الغاز المنزلي قبل الحرب ما بين 3 آلاف و3500 طن، على حين وصل إجمالي الاستهلاك السنوي إلى 900 ألف طن استوردت سوريا منها 500 ألف طن، بعد توفير 400 ألف طن من المصادر المحلية.
وعلى حين كان سعر أسطوانة الغاز المنزلي سعة 9 كلغ قبل الحرب 250 ليرة، يبلغ اليوم 2700 ليرة ويصل خلال الأزمات إلى أكثر من 7500 ليرة.

الفوسفات
يُعتبر الفوسفات ثروة مهمة في سوريا التي تحتل المرتبة الخامسة عالمياً على قائمة الدول المصدِّرة له حتى عام 2011، ويقدر الاحتياطي الموثوق به بملياري طن، إلا أن كميات الإنتاج حتى سنوات ما قبل الحرب لم تتجاوز 3.5 مليون طن سنوياً، ويتوزع في السلسلة التدمرية (خنيفيس، والشرقية، والرخيم)، ومنطقة الحماد (الجفيفة، والثليثاوات، والسيجري، والحباري)، والمنطقة الساحلية (عين ليلون، وعين التينة، وقلعة المهالبة، وحمام القراحلة).
وتصدر الفوسفات قائمة الموارد التي يُمكن أن تشكِّل تعويضاً لحليفي دمشق (روسيا وإيران) عن تكاليف دعمهما له، وعزز التنافس بينهما للاستحواذ على احتياطياته، بحسب دراسة صدرت أخيراً.
وبعد تناوب تنظيم «داعش» من جهة، ودمشق وحلفائها من ميليشيات أجنبية لبنانية وعراقية، على السيطرة على مدينة تدمر ومناجم الفوسفات في خنيفيس والشرقية، انتهى الأمر بسيطرة دمشق وحلفائها بعد التدخل الروسي في مايو (أيار) 2017، على المدينة ومناجم الفوسفات التي حولها.
وشكلت تلك السيطرة مقدمة لتسليم إيران تلك المناجم تبعاً للاتفاق الذي عقده رئيس الحكومة عماد خميس، خلال زيارته طهران في مطلع عام 2017، القاضي بتسديد الديون الإيرانية الناجمة عن خطوط الائتمان الأربعة التي منحتها إيران للنظام، والتي تتجاوز قيمتها 5 مليارات دولار، عبر منح إيران جملة مشروعات وعلى رأسها استثمار الفوسفات السوري في منطقة خنيفيس، بعد تأسيس شركة مشتركة لهذا الغرض.
لكن دمشق لم تلبث أن بدأت بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقيات مع طهران، وسرَّعت من وتيرة التعاون الاقتصادي وتوقيع العقود مع موسكو في المجالات ذاتها التي تطمح إيران للاستحواذ عليها، ففي أبريل (نيسان) من عام 2017، أي قبل شهر من استعادة السيطرة على مناجم الفوسفات (خنيفيس والشرقية)، وقَّعت دمشق عقداً مع شركة روسية؛ بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة للمناجم وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرفأ التصدير «سلعاتا» بلبنان، حيث باشرت تلك الشركة عملها فعلياً في يونيو (حزيران) بعد أيام من استعادة السيطرة على المناجم.
وأوضحت مصادر مطلعة على النشاط الاستثماري الروسي في سوريا لـ«الشرق الأوسط»، بأن «روسيا بدأت بالفعل أخيراً في استثمار مناجم الفوسفات في سوريا لمصلحتها حصرياً».
وبعد أن كانت سوريا قبل الحرب تحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً بإنتاج الزيتون وزيت الزيتون، وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي، حيث قُدّر عدد أشجار الزيتون في سوريا بنحو 100 مليون شجرة، ومتوسط الإنتاج 1.2 مليون طن، تراجع الإنتاج تدريجياً إلى مستويات قياسية مع استمرار الحرب وسط تصريحات رسمية بانخفاضه بنسبة 300 في المائة.
وتتركز زراعة الزيتون في محافظة إدلب شمال غربي البلاد التي تسيطر على جزء كبير منها «هيئة تحرير الشام» بينما تسيطر فصائل مسلحة وإسلامية موالية لتركيا على أجزاء أخرى، وكذلك في محافظة حلب، حيث تتقاسم السيطرة في شمالها «قوات سوريا الديمقراطية» وفصائل مسلحة موالية لتركيا.
وعلى حين كانت سوريا قبل 2011 تنتج أربعة ملايين طن من القمح في العام، وكان بإمكانها تصدير 1.5 مليون طن، قدر تقرير أممي، إنتاج القمح في سوريا العام الماضي بنحو 1.2 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ 29 عاماً.وكانت محافظات الجزيرة (الحسكة، ودير الزور، والرقة) التي تسيطر على معظمها «قوات سوريا الديمقراطية»، إضافة إلى حلب، تشكل الخزّان الاستراتيجي للقمح لأكثر من 23 مليون سوري.
وبينما كانت دمشق تأمل بأن يشكل مطلع عام 2020 بداية الفرج وانتهاء الأزمة وإعادة الإعمار وتدفق الاستثمارات وتعافي الاقتصاد وعودة السفارات العربية والأجنبية للعمل في دمشق، جاء التدهور غير المسبوق في سعر صرف الليرة وتزايد تفاقم الوضع الاقتصادي ليبدد آمالها.
خبراء اقتصاديون يرون أنه إضافة إلى العقوبات الاقتصادية السابقة المفروضة على دمشق والأحداث الجارية في لبنان، فإن العامل الأبرز في التدهور غير المسبوق في سعر صرف الليرة الجديد، وتزايد تفاقم الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة الحكومة يعود إلى إقرار «قانون قيصر» الأميركي الذي ينص على فرض عقوبات مشددة على دمشق وعلى الدول والشركات التي تريد المساهمة في إعادة الإعمار، ويقول أحدهم: «القانون لم ينفذ بعد والدولار وصل إلى 1200، فكيف إذا بدأ تنفيذه؟!». ويختم الخبير: «كل الحديث عن إعادة الإعمار وتدفق الاستثمارات وتعافي الاقتصاد سيكون مجرد وهم إذا لم يتم السير بجدية في مسار الحل السياسي؛ لأن قانون قيصر سيكون بالمراصد وسيسوء الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس أكثر فأكثر».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.