مع دخول حزب «الخضر» في النمسا إلى الحكومة الاتحادية، أصبح الحزب البيئي الرابع في الدول الأوروبية المشارك بحكم دولها. ولقد سبقته أحزاب «الخضر» في كل من لوكسمبورغ والسويد وفنلندا خلال الأشهر الماضية. والآمال معلقة حالياً في ألمانيا على وصول حزب «الخضر» الألماني بدوره إلى السلطة في الانتخابات المقبلة المفترض إجراؤها عام 2021.
حزب «الخضر» في ألمانيا يستفيد راهناً من تدهور شعبية الحزبين الرئيسيين في الائتلاف الحاكم؛ أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي في يمين الوسط، والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) في يسار الوسط. وفي حين كسب حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف أصواتاً من الناخبين الناقمين على سياسات الهجرة للحكومة الألمانية، فإن «الخضر» يحصدون كذلك أصواتاً كثيرة من هؤلاء الناخبين، خصوصاً الشباب منهم.
من جهة ثانية، أظهر استطلاع أجري أخيراً في ألمانيا أن التغيّر المناخي بات على رأس أولويات الناخبين، وأن السياسات البيئية الحالية غير كافية. وما يساعد في رفع شعبية «الخضر» الألمان زعيم الحزب روبرت هابيك، وهو شاب وسيم كاريزماتي، يتكلّم كثيرون هذه الأيام عن أنه قد يصبح المستشار القادم. ذلك أن بعض الاستطلاعات تضع «الخضر» في المرتبة الأولى، متقدماً على الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، وقبل اشتراكيي الحزب الديمقراطي الاجتماعي أقدم حزب في ألمانيا.
- المشهد الأوروبي
في الانتخابات الأوروبية الأخيرة التي أجريت في مايو (أيار) الماضي، أثبت «الخضر» في مختلف أنحاء أوروبا أنهم باتوا قوة سياسية لا يستهان بها. فلقد حققت هذه الأحزاب نتائج إيجابية غير متوقعة، وشكلت المفاجأة، بعدما كانت هناك مخاوف من توسع كتلة اليمين المتطرف التي بقيت بالحجم نفسه.
«الخضر» حصلوا على ما يقارب 10 في المائة من أصوات الناخبين الأوروبيين في تلك الانتخابات، ومع أن كتلتهم تظل أصغر من كتلة اليمين المتطرّف في البرلمان الأوروبي، فإنها تتميز بأنها كتلة موحّدة من حيث الأجندة والتصويت، مقابل تشرذم اليمينيين المتطرفين الذين تسودهم الخلافات حول مقاربة ملف اللجوء.
في فنلندا، حقق حزب «الخضر» فيها أفضل نتائجه الانتخابية العام الماضي، وهو الآن الحزب الثالث من حيث الحجم في حكومة ائتلافية يسارية تضم 5 أحزاب. وكان «الخضر» في فنلندا من أشد المنتقدين للحكومة اليمينية المتطرفة التي حكمت من عام 2015 حتى عام 2019.
وفي السويد يشارك حزب «الخضر» في الحكومة الائتلافية اليسارية، مع أنه لم يحصل على كثير من الأصوات. بل حل في المرتبة الأخيرة خلال الانتخابات النيابية عام 2018 بكتلة لا يزيد أعضاؤها على 16 نائباً، ومع ذلك نجح بدخول الحكومة وفرض أجندة بيئية.
وفي لوكسمبورغ يشارك حزب «الخضر» منذ عام 2013 في حكومة يسارية تضم 3 أحزاب، مع أنهم لم يحصلوا على نسبة أكبر من 10 في المائة من أصوات الناخبين.
وفي حين دخل «الخضر» في كل فنلندا والسويد ولوكسمبورغ حكومات ائتلافية يسارية، فإن الحزب البيئي في النمسا هو الوحيد المشارك في حكومة يمينية. ورغم الانتقادات التي يواجهها هذا الحزب لموافقته على أجندة لجوء تتعارض مع مبادئه، فإن هذه قد تتكرّر في ألمانيا في الانتخابات المقبلة بين حزب الخضر وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وللعلم، ما زال الحزب الأخير يعتبر «وسطياً» إلى حد ما، ولكن شكوكاً كثيرة حول مستقبله بدأت تطرح في ألمانيا بعد تقاعد المستشارة ميركل، التي تخدم عهدها الأخير، وتنازلت بالفعل عن الزعامة.
ويتخوّف البعض من أن يجنح حزب ميركل إلى اليمين أكثر بعد ابتعاد زعيمته التي تقوده منذ 15 سنة، مستفيداً من تجربة حزب الشعب اليميني في النمسا، أملاً في كسب مزيد من الأصوات. وفي حال حصل هذا، قد يتكرر «السيناريو» النمساوي نفسه في ألمانيا مع الانتخابات المقبلة عام 2021.