وصف مديرو العقارات التنفيذيون على طول كوستا برافا الأمر بأنه يشبه انهيار علاقة حب، أي الرومانسية التي وصلت إلى مستويات هائلة، ثم توترت بطريقة مثيرة للدهشة.
كانت العلاقة ما بين شركة طيران «ريان إير» منخفض التكلفة وجيرونا، العاصمة الإقليمية شمال برشلونة، التي أصبحت ثاني مدينة مزدهرة بالمنازل الثانية، بعد أن اختارتها شركة الطيران منخفض التكلفة مركزا إقليميا عام 2003، وبدأ المشترون يتوافدون عليها من مختلف أنحاء أوروبا وخارجها.
ثم جاءت بعد ذلك الأزمة المالية العالمية عام 2008. والآن، عقب سلسة من المشاحنات بشأن رسوم المطار والدعم الحكومي، خفضت «ريان إير» من رحلاتها إلى جيرونا لأكثر من النصف.
ويخشى وكلاء العقارات المحلية، الذين كانوا شهدوا تزايد في الأسعار لأكثر من الضعف على مدى السنوات الأخيرة، تخفيض المزيد من الرحلات في المستقبل.
ومن جهته، قال هكتور راميريز صاحب «سويت هوم كوستا برافا»، المؤسسة العقارية التي أنشئت منذ عام: «سيكون لذلك أثر سلبي». وأضاف: «ما نسبته 90 إلى 95 في المائة من عملائنا ليسوا من الإسبان».
تواجه كثير من أسواق المنازل الثانية في مختلف أنحاء أوروبا سيناريوهات مشابهة تنطوي على مجموعة متنوعة من شركات الطيران منخفض التكلفة، بيد أن شركة «ريان إير»، التي أنشئت منذ 29 عاما، تصدرت معظم عناوين الصحف الرئيسة.
ومحاولة منها لإعادة ترتيب أعمالها، أضافت شركة الطيران الآيرلندية العام الماضي بعض الرحلات، ولكنها خفضت 222 رحلة تتعلق بالأساس بأصغر المطارات في إسبانيا وإيطاليا والنرويج والسويد، وفقا لمعلومات جمعتها شركة «انوفاتا» للأبحاث في قطاع الطيران.
وفى الوقت ذاته، أشار محللون في هذا المجال إلى تزايد مشتري المنازل الثانية بشكل أكثر تحفظا، من خلال تركيز اهتمامهم على الأسواق المستقرة، مثل كوستا ديل سول في إسبانيا، وريفيرا الفرنسية، وليس المناطق النائية التي أصبح يمكن الوصول إليها عن طريق السفر الجوي الرخيص.
وقال ماثيو هودر ويليامز، بشركة «نايت فرانك للاستشارات العقارية»: «نرى الآن أن نموذج (ريان إير) بدأ طريقه إلى الانهيار»، مضيفا: «ينصب اهتمام الأشخاص على مناطق التي كان من المعتاد الإقبال عليها».
وفي عام 2002، وقبل تزايد نشاط «ريان إير»، كان مطار جيرونا أكثر قليلا من مجرد محطة صغيرة وساحة يغمرها التراب مخصصة لوقوف السيارات.
ومن جانبه، قال فيلومينا فليمينغ، وهو مواطن من مقاطعة ويكسفورد، آيرلندا، وهو الآن صاحب كوستا برافا كونيكشنز (شركة عقارات محلية): «الأمر كاد يشبه موقفا للسيارات في ملعب لكرة القدم»، مضيفا: «كان مطارا ريفيا وصغيرا للغاية».
جرى تحسين مرافق مبنى الركاب، وسريعا ما استبدلت ساحة انتظار السيارات لتحل محلها «ريان إير»، وجذبها للمسافرين من خلال تقديم تذاكر بتكلفة قليلة تصل إلى 4 يوروات (نحو ما يعادل 5 دولارات). وبحلول عام 2009، كانت تدير أكثر من 35 ألف رحلة حول العالم داخل وخارج جيرونا، لترتفع بذلك عما كانت عليه عام 2002، حيث كانت تدير 100 رحلة.
بدأ المشترون الأجانب يستفيدون من الأسعار المنخفضة لثمن التذاكر من أجل تعزيز مبيعات العقارات، الظاهرة المعروفة على نطاق واسع في هذا القطاع باسم «تأثر ريان إير». وتجدر الإشارة إلى بيع فيلا مميزة مكونة من 3 غرف نوم كانت تبلغ قيمتها 220 ألف جنيه إسترليني في عام 2004، بنحو 350 ألف جنيه إسترليني بعد مرور 5 سنوات.
في حين قالت السيدة فليمنج، التي تدير الشركة العقارية بالتعاون مع زوجها ديفيد (61 عاما): «كانت (ريان إير) تتجه إلى تحقيق تقدم كبير». وأضافت: «اشترينا هنا بالأساس حتى يكون بمقدورنا العودة إلى آيرلندا إذا رغبنا في ذلك».
وفي حين لا توجد وسيلة لقياس تأثير «ريان إير» بنحو دقيق، أفاد مسؤولون تنفيذيون في مجال العقارات بالأسواق في مختلف أنحاء أوروبا بأن هناك علاقة مباشرة بين توافر الرحلات الجوية منخفضة التكلفة ومبيعات المنازل الثانية.
وأوضح بول مارتن، مدير إداري بمؤسسة غرناطة للعقارات، أن المبيعات انخفضت بشكل كبير في غرناطة، الواقعة جنوب إسبانيا، عام 2010، عندما خفضت «ريان إير» من رحلات الطيران المباشرة من بريطانيا، من خلال إرسال السياح والمشترين المحتملين إلى مطارات أخرى، بما فيها مطار ملقا، التي يبعد مسافة ساعتين بالسيارة.
وأضاف السيد مارتن: «كان لذلك أثر كبير على حجم المبيعات هنا، وبالأخص المبيعات الداخلية». وأردف: «اشترى كثير من البريطانيين عقارات في منطقة غرناطة، على أساس أنه بإمكانهم القيام برحلات جوية من مطار غرناطة، إلا أنهم قاموا ببيعها، وعادوا إلى بريطانيا».
وفقا لاستطلاع رأي لعدد 12 ألفا من مالكي المنازل الثانية، أجرته وكالة «سافيلس»، وموقع «Holidayrentals.co.uk» عام 2007، فإن العقارات التي تقع على مسافة 10 أميال من مطار يتبع شركة طيران منخفض التكلفة كانت نسبتها 39 في المائة، في زيادة عن المناطق النائية.
كما أن إيرادات العقارات المجاورة من المطار تجاوزت إيرادات الإيجار بما نسبته 30 في المائة.
ومن جانبه، قال يولاند بارنز، مدير الأبحاث العالمية في وكالة «سافيلس للاستشارات العقارية»: «عندما يتعلق الأمر بالمنازل الثانية، يعد هذا عاملا رئيسا».
لقد نمت أسواق مثل برجراك في جنوب فرنسا، وبيروجيا بشمال إيطاليا، وأصبحت رائجة بالنسبة لأصحاب منازل العطلة، في الفترة ما بين عامي 2000 إلى 2007، عقب شروع شركات طيران منخفض التكلفة مثل «ريان إير» و«إيزي جيت» في تقديم خدمات منتظمة. وعن ذلك، لفت بول بلتشر، المدير الإداري لـيولتيسيمو، المطور والمروج في شمال إيطاليا، إلى أن توافر رحلات رخيصة يساعد على إعطاء المشترين «الثقة» في السوق.
وقال السيد بليتشر: «واحد من الأسئلة الرئيسة التي عادة ما نسمع عنها من المشترين لمنازل العطلة، هو كيف يمكنني الحصول على منزل هناك بسهولة؟».
ولكن نما قطاع الخطوط الجوية، وأصبح أكثر قدرة على المنافسة في أوروبا. كما أضافت ونقلت «ريان إير» رحلات طيران إلى مطارات كبيرة، بينما تحاول جذب المزيد من المسافرين من رجال الأعمال.
وفي الوقت ذاته، فإن الحكومات التي تعاني من نقص الإيرادات هي الأكثر ترددا في دعم الخدمات المقدمة للمطارات الصغيرة مقارنة، بما كانت عليه في الماضي القريب. وتُعد المفوضية الأوروبية في خضم التحقيقات التي طال أمدها بشأن نزاهة الصفقات بين «ريان إير» وكثير من مشغلي المطارات في جميع أنحاء أوروبا.
وفي مملكة مونتينيغرو الصغيرة التابعة لدول البلقان، حيث يجري حاليا بناء كثير من المشاريع السكنية واسعة النطاق، يأمل المطورون في اجتذاب رحلات الطيران على حساب أماكن أخرى. ويسافر كثير من الزوار الآن إلى جنوب مدينة كرواتيا في دوبروفنيك ثم ينتقلون بالسيارة عبر مختلف الحدود.
ولكن أفادت التقارير بأن «ريان إير» تدرس مسألة إضافة رحلات جوية مباشرة إلى تيفات الواقعة غرب مونتينيغرو، وهو ما يضعها في موضع تنافس مع شركتي «إيزي جيت» و«مونارتش» للطيران، اللتين تقدمان مسارات طيران منتظمة إلى دوبروفنيك.
وعن ذلك، قال مواطن بريطاني اشترى شقة عام 2012 في إحدى المنازل الواقعة على الساحل بمدينة بركانج، في مونتينيغرو، كمنزل للعطلة والاستثمار، يُدعى «جيمس هيد» أنه حال تنفيذ «ريان إير» هذا الأمر، فهذا من شأنه أن يمثل «دفعة كبيرة»، مضيفا: «مع دخول 3 شركات طيران منخفض التكلفة إلى المنطقة، فمن المرجح أنه سيكون هناك شركة طيران واحدة عاملة على الأقل».
ومع ذلك، لم تتدخل شركات طيران أخرى منخفض التكلفة في جيرونا لتحل محل الجزء الأكبر من رحلات «ريان إير» المفقودة.
ولكن هناك مؤشرات تشير إلى أن سوق العقارات تتعافى، وفي هذا الصدد، أشارت السيدة فليمينغ إلى أن المشترين الروسيين، الذين يبحثون عادة عن العقارات الفاخرة تزيد قيمتها عن 500 ألف جنيه إسترليني، ساعدوا على تعزيز حجم المبيعات على الساحل، مشيرة إلى أن الأثرياء من الروس «لا يسافرون من خلال (ريان إير)».
* خدمة «نيويورك تايمز»