«قمة برلين» الليبية تواجه عقبات الهدنة والميليشيات و«المرتزقة»

TT

«قمة برلين» الليبية تواجه عقبات الهدنة والميليشيات و«المرتزقة»

تستضيف برلين نهاية هذا الأسبوع قمة مخصصة لبحث حل للأزمة الليبية، وسط تحركات «اللحظة الأخيرة»، قامت بها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل لتأمين حضور طرفي النزاع الأساسيين في المعادلة الليبية؛ فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» في طرابلس، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي.
وفي حين أعلن السراج موافقته على حضور القمة، انتقل وزير خارجية ألمانيا، هايكو ماس، إلى شرق ليبيا، لمحاولة إقناع المشير حفتر بالحضور أيضاً، كون غيابه يعطي فرصة ضئيلة في تحقيق اختراق في جدار الأزمة الليبية خلال أعمال قمة برلين، التي تدوم يوماً واحداً.
وتشير قراءة في مسودة البيان الختامي، المتوقع صدوره عن القمة (ما زال في صيغته غير النهائية)، إلى أن عقبات كثيرة ما زالت تعترض اتفاق الدول الكبرى والإقليمية على مسار واضح لتحقيق الحل في ليبيا. والحقيقة أن هذه العقبات مرتبطة أساساً بتفاصيل تطبيق أي اتفاق للحل، وليس بخطوطه العريضة، التي تلقى توافقاً عاماً، مثلما سيؤكد بيان قمة برلين في خصوص «التزامنا التام بسيادة واستقلال ووحدة ليبيا جغرافياً وقومياً»، والتأكيد أنه «يمكن فقط لعملية سياسية، تقودها ليبيا، وتملك زمامها، أن تنهي الصراع، وتحقق سلاماً دائماً».
لكن كيف يمكن تطبيق صيغة تؤدي إلى تحقيق هذا التوافق. سيكون هذا التحدي الأساسي، كما يبدو، أمام المجتمعين في برلين الأحد. ومن القضايا الشائكة أمام القمة بحسب ما تكشف مسودة البيان الختامي (تنشر نصه «الشرق الأوسط» أدناه)، القضايا الآتية...
- وقف النار؛ تدعو مسودة البيان الختامي إلى «اتخاذ خطوات ذات مصداقية قابلة للتحقق، ومتسلسلة ومتبادلة، تبدأ بهدنة تلتزم بها جميع الأطراف المعنية، وتؤدي إلى وقف شامل ودائم للأعمال العدائية كافة». وفي حين تتفق الأطراف المختلفة في ليبيا (حكومة الوفاق والجيش الوطني) على مبدأ الهدنة، فإن الخطوات المفترض أن تتلوها هي محور الجدل، كما ظهر قبل أيام عندما انهارت الجهود التي بذلتها موسكو، التي استضافت حفتر والسراج (من دون أن يلتقيا). والإشكالية الأساسية هنا هي أن حفتر سيرفض بالطبع أن تنسحب قواته من مواقعها على أبواب طرابلس، من دون تحقيق الهدف الأساسي الذي يسعى إليه، وهو طرد الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق، والتي يعتبرها فصائل مرتبطة بتنظيمات إسلامية مثل جماعة «الإخوان». وكانت هذه إحدى الإشكاليات الأساسية منذ البداية، إذ إن حكومة «الوفاق» تعتمد في معاركها وإلى درجة كبيرة على ميليشيات إسلامية ومناطقية، لا تدين بالولاء إلا صورياً إلى حكومة طرابلس. وسيكون تسريح أفراد هذه الميليشيات ونشر قوات تابعة للجيش تتولى الأمن على الأقل في العاصمة طرابلس موضوعاً رئيسياً، سيسهل إذا ما تم الاتفاق عليه الخطوات المقبلة لأي حل سياسي في ليبيا.
- مراقبة وقف النار؛ تدعو مسودة البيان الختامي الأمم المتحدة «إلى تيسير مفاوضات وقف إطلاق النار بين الأطراف، ويشمل ذلك إنشاء لجان فنية فوراً لمراقبة تنفيذ وقف النار، والتحقق من ذلك. إلى جانب تسريح أفراد الجماعات المسلحة، وتنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة». ولعل إشراك الأمم المتحدة في مراقبة وقف النار سيكون خطوة مهمة في هذا المجال، إذ إن رفض المشير حفتر توقيع الاتفاق، الذي حاولت روسيا أن ترعاه قبل أيام في موسكو، كان يرتبط جزئياً برفضه إشراك تركيا، التي يعتبرها جزءاً أساسياً من الأزمة، في أي إشراف على الهدنة. ودخول الأمم المتحدة على الخط هنا (كما تفعل في مراقبة اتفاق الحديدة في اليمن) قد يكون أحد المخارج لجذب حفتر إلى تأييد اتفاق برلين.
- عدم تدخل الأطراف الخارجية في الأزمة الليبية؛ تنص مسودة البيان الختامي على أن الأطراف الموقعة على البيان «تلتزم بالامتناع عن التدخل في الصراع المسلح، أو في الشأن الداخلي الليبي، ونحثّ جميع الأطراف الفاعلة الدولية على القيام بالمثل». لكن ترجمة هذا الالتزام سيكون صعباً في ظل الدعم الواضح، الذي تقدمه تركيا لحكومة «الوفاق» من خلال تزويدها بمساعدات عسكرية مباشرة من الجيش التركي، بما في ذلك الآليات المدرعة والعربات العسكرية باختلاف أنواعها والأسلحة الثقيلة وطائرات «الدرون» المسيرة، وأخيراً بما يصل إلى 2000 مسلح من فصائل سورية تعمل تحت إشراف تركي. في المقابل، يحصل الجيش الوطني الليبي على مساعدات من أكثر من دولة عربية وأجنبية، تخشى سيطرة جماعات إرهابية أو متطرفة على ليبيا، كما يحصل على دعم من مجموعة «فاغنر» الروسية التي تجنّد مرتزقة، علماً بأن الرئيس فلاديمير بوتين قال إنه في حال كان هؤلاء المرتزقة موجودين فعلاً في ليبيا فإنهم لم يذهبوا إلى هناك بطلب من حكومته. ويبدو أن قرار وقف إرسال «المرتزقة»، سواء الروس أو السوريون، سيكون مرتبطاً إلى حد كبير بتوافق مباشر بين موسكو وأنقرة، وهو أمر لم يحسم كما يبدو حتى الآن.
- الانتخابات؛ تحض مسودة بيان برلين «الأطراف الليبية على استئناف العملية السياسية الشاملة، التي يقودها ويملكها ليبيون، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، والمشاركة فيها على نحو بناء، وتمهيد الطريق نحو فترة انتقالية، من خلال عقد انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وعادلة وشاملة، وذات مصداقية من جانب لجنة وطنية عليا للانتخابات مستقلة وفاعلة». وستكون إشكالية أي انتخابات يتم إجراؤها مجدداً في ليبيا هي ضمان أن يلتزم الليبيون بنتائجها. فسلسلة الانتخابات السابقة التي شهدتها البلاد منذ إطاحة نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 أظهرت أن المؤسسات التي تم انتخابها لم تتمكن من ممارسة الحكم بسبب «فيتو» أطراف قوية على الأرض، «بما في ذلك الجماعات الإسلامية».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.