لوحات الإيطالي سيمافرا تصوّر الطبيعة كائناً يحزن ويفرح

تستضيفها غاليري «آرت بلفيدير» في بيروت

في غاليري «آرت بلفيدير» رسوم ولوحات لسيمافرا الإيطالي
في غاليري «آرت بلفيدير» رسوم ولوحات لسيمافرا الإيطالي
TT

لوحات الإيطالي سيمافرا تصوّر الطبيعة كائناً يحزن ويفرح

في غاليري «آرت بلفيدير» رسوم ولوحات لسيمافرا الإيطالي
في غاليري «آرت بلفيدير» رسوم ولوحات لسيمافرا الإيطالي

ضمن لوحات عملاقة تحاكي ناظرها بلغات مختلفة كلما اقترب من تفاصيلها الصغيرة، يطل علينا الفنان التشكيلي الإيطالي الجنسية سيمافرا.
فلقد اختارته غاليري «آرت بلفيدير» في وسط بيروت ليكون ضيفها ضمن معرض جماعي تقيمه حتى نهاية فبراير (شباط) المقبل.
ويعد سيمافرا من الفنانين المشهورين بتناولهم صوراً من الطبيعة، بعد أن يشكلها في خياله، ويترجمها على أرض الواقع، ضمن تقنية «ميكس ميديا». وفي «آرت بلفيدير» نستطلع أعمال سيمافرا في لوحات «الذهول» و«العائلة الكبرى» و«من دون عنوان» وغيرها. فهو يقود مشاهدها إلى حلم طبيعة تقف مشدوهة أمام مواسمها، فتتعرى كاشفة عن تفاصيلها الصغيرة الزاهية بألوان نافرة، استخدمها ضمن تقنية الطبقات المتراكمة، لتؤلّف مشهدية فنية تمتزج فيها ملامح نساء وعناصر طبيعية.
«إنّه لا يستعمل الطبيعة فقط في إطار كلاسيكي كما في لوحات فنانين آخرين. فهي تأخذه إلى عالم يشغله بصورة مستمرة، فيرسم حوله علامات استفهام كثيرة». توضح دزوفيك، المشرفة على المعرض. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنه يتناولها بأسلوبه الخاص كي يدفعنا إلى التفكير في حياتنا وبيئتنا من خلال الطبيعة وجماليتها».
تقتني لوحات سيمافرا في منازلها شخصيات شهيرة، أمثال كاميرون دييز، ويعرض قسم كبير منها في متاحف باريس وبرلين وإسطنبول وروما ولندن وغيرها. وهو يحاكي من خلالها الروحانية التي تغمر مشهديتها العامة، فتغذّي مشاهدها بالهدوء والسكينة. فيسرح معها نحو أفكار حديثة، وكأنها تطفو على غيوم كوكب من نوع آخر. وهذا الأمر يكوّن فلسفته حول علاقة الإنسان مع الطبيعة، والعكس صحيح.
تم اختيار سيمافرا من قبل المركز الفني الإيطالي «إكزي بارت» ومع 222 فناناً آخرين. فكان من بين الفنانين الحديثين الذين يصلحون لاستثمار لوحاتهم عالمياً. ويشرف على هذه المبادرة أرقى وأهم نقاد الرسم في العالم.
وفي لوحة «الذهول» تطالعنا ألوان دافئة مغمورة بأخرى فاتحة، يتدرج فيها الأحمر والأخضر، التي يعتبرها من أساسيات ألوان الطبيعة. وهو يستخدم أنامله لإرساء ركيزة سميكة هنا، يقابلها أخرى خفيفة تعتمد على إبراز ألوان كثيرة هناك، لتبدو لماعة مرات وجافة مرات أخرى، تضفي الحياة على موضوعها. فالتناقض البارز في لوحاته بين الضوء والعتمة واستخدام الألوان القاتمة والفاتحة معاً، هي برأيه وسائل تترجم أفكاره بسهولة، وحقيقة انعكاسات تمارسها علينا الطبيعة، وكأنّها كائن بشري يتنفس يحزن ويفرح.
وفي لوحة أخرى يعنونها «العائلة الكبرى» يستخدم سيمافرا ورق الذهب لإبراز القيمة الكبيرة التي تمثلها الطبيعة على الإنسانية بشكل عام. ونلاحظ فيها مدى تأثره بالطاووس الذهبي الذي يعتبره من أجمل الطيور. فيقدمه في صورة مجازية من خلال ألوان وأشكال تشبه أقسام جسم هذا الطير المتألّق دائماً كالطبيعة. وبريشة فنية حديثة وتلقائية تعتمد على الفن التجريدي غير المكتمل، يطالعنا سيمافرا بحالة الحلم النابعة من الفن الإيطالي العريق. فجمال الطبيعة لا يمكن تحديده حسب رأيه بوقت معين، لأنّه بمثابة استمرارية دائمة. وضمن رسوم الزهور والحيوانات والغابات وينابيع المياه يتسلق سيمافرا حبال الطبيعة ليتوقف عند كل محطة فيها ويستخرج مشهدية عامة تتراءى له بمنظار الفنان المتفوق على نفسه. فحلمه المترجم على مساحة مسطحة يصبح مكتملاً بعد أن يجمع ما بين الروح والمادة.
ومن خلال الأضداد والتناقضات في الألوان التي يستعملها سيمافرا في لوحة أخرى «سينزا تيتولو» ينقل لنا هذا الصراع الدائم بين الخير والشر الذي يتخبط به الإنسان، فيقدمه في قالب شفاف يبرز انعكاسه على الطبيعة أيضاً.
رحلة هادئة عبر الفنون الإيطالية يقدمها لنا غاليري «آرت بلفيدير» في وسط بيروت. وننغمس في مشهدية فنون تشكيلية تعرفنا إلى الإيطالي سيمافرا عن كثب وتدخلنا عالمه الخاص من باب الطبيعة التي يعشقها.



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض