مقتدى الصدر في مرمى الانتقادات بعد دعوته إلى «مليونية» ضد الأميركيين

تحالف مع فصائل مسلحة كان يتهمها بالخروج على القانون

شعارات أمس رفعتها فصائل عراقية في موقع الغارة الأميركية التي قتلت قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني  ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس على أطراف مطار بغداد (رويترز)
شعارات أمس رفعتها فصائل عراقية في موقع الغارة الأميركية التي قتلت قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس على أطراف مطار بغداد (رويترز)
TT

مقتدى الصدر في مرمى الانتقادات بعد دعوته إلى «مليونية» ضد الأميركيين

شعارات أمس رفعتها فصائل عراقية في موقع الغارة الأميركية التي قتلت قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني  ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس على أطراف مطار بغداد (رويترز)
شعارات أمس رفعتها فصائل عراقية في موقع الغارة الأميركية التي قتلت قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس على أطراف مطار بغداد (رويترز)

يواجه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، هذه الأيام انتقادات غير مسبوقة من اتجاهات احتجاجية وثقافية كانت حتى وقت قريب ترى في المواقف التي اتخذها؛ سواء من الطبقة السياسية بشكل عام وفصائلها المسلحة، أو من التدخلات الأجنبية في الشؤون العراقية عموماً، مواقف إيجابية يحب بها الشعب على نطاق واسع.
غير أن «بوصلة» الاتجاهات المؤيدة للصدر من خارج تياره ومريديه، اتخذت مؤخراً أشكالاً جديدة لا تتردد، بمعظمها، في توجيه النقد إليه بعد الدعوات المثيرة للجدل التي أطلقها أخيراً والتي تتمثل في إعلانه أولاً عزمه على تشكيل «مقاومة دولية» لإخراج الأميركيين من العراق، ثم اجتماعه بزعماء ميليشيات عراقية مسلحة في إيران للاتفاق معها على الهدف ذاته (إخراج الأميركيين)، في حين كان حتى وقت قريب يوجّه انتقادات علنية لهذه الميليشيات نفسها ويصفها بـ«الوقحة» ويتهمها بالخروج على القانون، وأخيراً دعوته إلى الخروج في مظاهرات «مليونية» ضد الوجود الأميركي في العراق.
وأصدر المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، أمس، مجموعة تعليمات بشأن المظاهرات «المليونية» المزمع القيام بها، وحدد تاريخ 24 يناير (كانون الثاني) الحالي موعداً لانطلاقها.
وتعددت وجهات النظر بخصوص تحركات الصدر الأخيرة التي تلت قيام الطيران الأميركي بشن غارة قتلت قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس مطلع الشهر الحالي. فهناك من رأى أنه بدا أكثر انحيازاً لإيران رغم اتهامها بالتدخل السافر في الشأن العراقي وهو أمر أثار انتقادات وسط الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد وأدى إلى قيام متظاهرين بحرق قنصلياتها في كربلاء والنجف والبصرة.
في المقابل، هناك من رأى أن دعوة الصدر لمظاهرة مليونية، بمشاركة الفصائل «الولائية» المتهمة هي الأخرى بقتل المتظاهرين، ربما هدفها الإجهاز على ساحات التظاهر وفض الاعتصامات المطلبية المتواصلة منذ 3 أشهر. ويعزز من هذا الرأي الهجوم العلني الذي شنه مسؤول «الحشد التركماني» في كركوك علي الحسيني ضد المتظاهرين؛ إذ وعد بالقضاء عليهم وطردهم من الساحات خلال المظاهرة المليونية. ويؤكد هذا الرأي أيضاً التأييد الواسع للمظاهرات من غالبية الشخصيات والفصائل المسلحة الموالية لإيران، فقد أعلن رئيس «تحالف الفتح» هادي العامري، أول من أمس، تأييده دعوة الصدر للتظاهر ضد الوجود الأميركي. وقال مكتبه في بيان: «أعلن عن تأييدي للمظاهرة المليونية التي دعا إليها السيد الصدر».
وفي حين يرى بعض المنتقدين لمظاهرات الصدر أن «مسألة التواجد الأجنبي والأميركي في العراق مسألة هامشية بالقياس إلى المشاكل التي تعاني منها البلاد وآلاف الضحايا الذين سقطوا خلال الاحتجاجات»، يستغرب آخرون قيام الصدر بالدعوة إلى «المليونية» أثناء وجوده في مدينة قم الإيرانية. وتعد هذه المسألة، في نظرهم، «تماهياً غير مفهوم» مع موقف إيران في صراعها مع الولايات المتحدة، ولا يتناسب مع مواقف الصدر السابقة ذات الطابع الوطني العراقي.
ورداً على تغريدات الصدر المناهضة للوجود الأميركي في العراق انطلاقاً من مدينة إيرانية، ردد متظاهرون غاضبون في محافظة واسط أهزوجة: «شلون (كيف) تريد نصدق... وانت تغرّد من طهران!». كما دعا ناشطون الصدر إلى اختيار أماكن وساحات أخرى غير التي توجد فيها حالياً جماعات الحراك الحالية لتلافي احتكاكات محتملة بينهم وبين المتظاهرين الموالين للفصائل المسلحة الذين يعتزمون التظاهر تلبية لدعوة الصدر. وقال المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، في رده على المنتقدين والرافضين للدعوة إلى التظاهر: «أوجّه كلامي للرافضين لدعوة السيد مقتدى الصدر... أنتم تطالبون برئيس وزراء مستقل والصدر يطالب بعراق مستقل، فأي مطلب أفضل؟». وأضاف: «أعتقد أن العمل على عراق مستقل هو أفضل من رفضكم للدعوة إلى التظاهر ضد الأميركان الذين أذاقوا العراق الويلات بسبب سياساتهم الخبيثة».
وفي أقوى إشارة فُهم منها أن المرجعية الدينية في النجف تقف بالضد من المظاهرات «المليونية» التي دعا إليها الصدر، أعاد موقع «العتبة العباسية» الإلكتروني، أمس، نشر ما قالته المرجعية في خطبة الجمعة في 9 ديسمبر (كانون الأول) الماضي التي حذّرت فيها بشدة من «الذين يتربّصون بالبلد ويسعون إلى استغلال الاحتجاجات، من أجل تحقيق مصالحهم وأهدافهم على حساب مصالح الشعب العراقيّ».
أما الروائي الفائز بجائزة «بوكر» العربية أحمد سعداوي فقد عدّ أن «التظاهر ضد الأميركيين هو بصراحة مجرد فلكلور واستعراضات شبعنا منها». وقال سعداوي عبر منشور على «فيسبوك»: «لا أعتقد أن المتظاهرين العراقيين بهذا الاسترخاء والرفاهية وقد نزفوا الدم على مدى ثلاثة أشهر وبذلوا الغالي والنفيس من أجل أن يقوموا بفعاليات فلكلورية اليوم؛ لا لشيء إلا ليدرأوا عن أنفسهم تهمة الخيانة» التي يروّج لها مؤيدون لـ«أحزاب السلطة الفاسدة وميليشياتها». وأضاف: «إن كنت متظاهراً حقيقياً، فإنك لن تضع المتظاهر في هذا الامتحان المزيّف. فمن وضع القواعد الأميركية في العراق ليس (المتظاهرون)؛ وإنما الطبقة السياسية التي يتظاهر الشباب ضدّها أصلاً، ويسعون إلى تغييرها».
وخاطب سعداوي السلطة ورجالها وفصائلها قائلاً: «استجيبوا لمطالب المتظاهرين، وأنتم في قلب السلطة ومن صنّاعها الداخليين، وامنحوا الفرصة لتشكيل واقع سياسي جديد أكثر حرية واستقلالية ويمثل مطامح الشعب وأحلامه. فهذا ما خرج الشباب من أجله منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى اليوم».
وغرّد النائب المستقل فائق الشيخ علي، عبر «توتير»، قائلاً إن «أعداء المظاهرات والمتظاهرين هم الذين يهددون الولايات المتحدة بالمرور على المتظاهرين، زاعمين بأن المظاهرات تخرجها سفارتهم، والمتظاهرين عملاء لهم. وأنا أرد عليهم بأن المتظاهرين عراقيون وطنيون مستقلون ليسوا عملاء، وأميركا ستقتل مهدديها!».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.