الأزمة المالية في لبنان تعزز سوق المتاجرة بالشيكات المصرفية

TT

الأزمة المالية في لبنان تعزز سوق المتاجرة بالشيكات المصرفية

ينتظر رجل خمسيني في صالة استقبال مكتب للعقارات في منطقة بيروت التحقّق من شيك مصرفي تبلغ قيمته 58 ألف دولار، قبل مبادلته بالأوراق النقدية. طال الانتظار لنحو نصف ساعة، قبل أن يستدعيه صاحب المكتب لتنفيذ العملية، والاستحصال على صورة لهويته وتوقيعه على تسلم قيمة الشيك نقداً، مقابل حسم 25 في المائة من قيمته.
عملية الصرف هذه هي نموذج من تجارة الشيكات المصرفية التي ازدهرت في السوق السوداء في لبنان بفعل الأزمة المالية والقيود التي تفرضها المصارف على سحوبات الودائع وتحويلها، حيث نشط متمولون يمتلكون قدراً من النقود بالعملة الصعبة، في صرف شيكات مصرفية مقابل نسبة أرباح تتخطى الـ25 في المائة.
وتوقف عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، الاثنين الماضي، عند هذه القضية، متسائلاً خلال تقديم اقتراح قانون في مجلس النواب: «يأتي أحد بشيك قيمته مائة ألف دولار يسحب منه نقداً 70 ألف دولار، فمن أين هذا النقد؟».
ولم تُسجل سحوبات كبيرة وضخمة لهذا الشكل من مبادلة الشيكات في السوق السوداء، بالنظر إلى أن وجود العملة الصعبة في يد المواطنين ليس متوافراً بمبالغ كبيرة. ويقول صاحب مكتب العقارات الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إنه «مجرد وسيط بين أشخاص يمتلكون الأموال وينوون كسب ربح عليها، وبين آخرين يرغبون في إخراج أموالهم من المصارف لتفعيل أنشطتهم الاقتصادية»، مشيراً إلى أن الإقبال على صرف الشيكات «أكبر بكثير من قدرة حاملي الأموال على صرفها».
ويوضح، أن المبادلات لم تتخطَّ قيمتها المائة ألف دولار «وهو رقم مقبول يتواجد في المنازل عادة، ويستفيد منه صاحبه بكسب نسبة 25 في المائة من أمواله لقاء صرف الشيكات». ويقول: «عادة لا يحتاج إلى تلك المبالغ نقداً، فيستثمرها بصرف الشيكات، ويضع الشيك المصرفي في حسابه في البنك، رغم علمه أنه لن يستطيع تحريك تلك الأموال لفترة غير معروفة».
وتنفي مصادر مصرفية أن يكون الصرافون يدخلون في تلك العملية، بالنظر إلى أن الصرافين «لا يملكون حسابات مصرفية، وبالتالي لا يستطيعون إدخال الشيكات إلى المصارف»، فضلاً عن أن تلك العملية «تعني تجميد أموالهم، في وقت يعتبر هذا الوقت مثالياً لتفعيل عملهم في مبادلة العملات يومياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار».
وتضاعفت نسبة الأرباح خلال شهرين بمستوى قياسي؛ إذ ارتفعت من 6 في المائة مقابل المبالغ التي يتم صرفها، إلى 25 في المائة في الأسبوع الأخير، وزادت عن هذه النسبة خلال اليومين الماضيين إلى 27 في المائة. ويقول صاحب المكتب، إن ارتفاع قيمة النسبة عائد إلى أمرين، أولهما يتمثل في ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية بنسبة 50 في المائة في السوق الموازية؛ وهو ما يدفع أصحاب المال النقدي لرفع النسبة، والآخر عائد إلى تقلّص حجم النقد في السوق الموازية مع إحجام المصارف عن تسليم الودائع لأصحابها. ويشير إلى أنه مع ارتفاع النسبة على الأرباح إزاء صرف الشيكات، «بدأ الاتجاه إلى شراء العقارات مقابل الشيكات المصرفية؛ منعاً لأن تبقى الأموال في المصارف إلى أجل غير معلوم».
ورغم ارتفاع نسبة الأرباح، يبرر أصحاب الودائع التي لا يمكن سحبها من المصارف لهذا الشكل من العمليات النقدية، بالقول إن أشغالهم توقفت بفعل القيود التي فرضتها المصارف على أموالهم، ولم يبقَ أمامهم إلا هذه الطريقة لإخراج أموالهم من البنوك، وتفعيل مصالحهم وتجاراتهم بعد تأثرها إلى حد كبير بالإجراءات المصرفية المتخذة منذ ثلاثة أشهر.
ويقول وليد، وهو تاجر ملابس، إن القيود التي فرضها المصرف على سحب أمواله «دفعتني للجوء إلى هذه المبادلة»، موضحاً أن دفع نسبة 25 في المائة من قيمة الشيك كعمولة «تنقذ مهنتي، وتوفر استمرارية لعملي، حتى لو كانت الخسائر تعادل نسبة كبيرة من أرباحي، لكنها توفر الاستمرار بالعمل».
ويشير إلى أن هذا المخرَج الاستثنائي يلجأ إليه كثيرون من أصحاب الأموال؛ بغية إعادة تنشيط عملهم وتحويل الأموال إلى الخارج لاستيراد السلع.
ووسط مخاوف من أن تخترق تلك الإجراءات قانون مكافحة تبييض الأموال، لجهة إدخال شيكات مصرفية بمبالغ تفوق الـ10 آلاف دولار إلى حسابات أشخاص، أكد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ«الشرق الأوسط»، أن هيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان هي الجهة المخولة التحقق من الامتثال، لافتاً إلى أن التحقق يكون عادة في مرحلة لاحقة. وأوضح عجاقة أن الهيئة تتحرك بناءً على شكوى من مدير الامتثال في المصرف لتقصي تلك العمليات أو الودائع في حال حامت شكوك حولها، فيستدعي «هيئة التحقيق الخاصة» التي لا تسري عليها السرية المصرفية، وفي حال مخاطبتها، ستكون ملزمة بالتحقيق بالشكوى وتخاطب سائر المصارف للكشف عن الحسابات المنوي التحقيق فيها. ويشير إلى أن المساءلة في المصرف تتم على الودائع النقدية التي تفوق الـ10 آلاف دولار قبل إيداعها، وتلحظ الشيكات أيضاً في حال كانت هناك شكوك حولها.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».