المعارضة الراديكالية الجزائرية تعقد «هدنة» مع السلطة الجديدة

الحبس الاحتياطي لمسؤول ثقافي اتهم رمزاً تاريخياً بالخيانة

TT

المعارضة الراديكالية الجزائرية تعقد «هدنة» مع السلطة الجديدة

شملت المشاورات السياسية، التي يجريها الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، شخصيات في المعارضة كانت حتى وقت قريب ترفض الانتخابات التي أفرزت تبون رئيساً، وصرحت للإعلام بأنها لا تعترف به بحجة أنه «يمثل امتداداً» لحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
واستقبل تبون أمس سفيان جيلالي، رئيس الحزب النخبوي المعارض (جيل جديد)، ودار بينهما حديث عن الحوار مع الحراك الشعبي، الذي دعت إليه الرئاسة و«لجنة تعديل الدستور»، وعمل الخبراء الـ16 الأعضاء فيها، والإصلاحات السياسية والاقتصادية «الشاملة»، التي تعهد بها الرئيس خلال حملة انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حسب مصادر على صلة بالمشاورات.
وقال بيان للرئاسة بخصوص اللقاء إنه «يندرج في إطار المشاورات، التي يجريها رئيس الجمهورية مع الشخصيات الوطنية، وقادة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وتخص الوضع العام في البلاد، ومراجعة الدستور لإرساء أسس الجمهورية الجديدة، التي هي في صلب المطالب الشعبية».
وأكد البيان أن جيلالي «عرض آراء وتصورات حزبه، وقدم اقتراحات لتعزيز التشاور والحوار، اللذين باشرهما السيد الرئيس تنفيذاً لالتزاماته الانتخابية، التي أكدها مباشرة بعد أداء اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية».
ويرتقب خلال الأسبوع ترتيب لقاء مع عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي المعارض (حركة مجتمع السلم)، الذي قدم مؤشرات عن قبوله مسعى الحوار مع السلطة الجديدة.
ويصنف الإعلام المحلي جيلالي ضمن المعارضة الراديكالية، التي تتشكل من أحزاب درجت على رفض أي هدنة أو تقارب مع السلطة. وقاطع انتخابات الرئاسة الأخيرة بحجة أنها «تشكل امتداداً لنظام بوتفليقة»، كما اعتبر جيلالي الرئيس تبون «رئيسا غير توافقي»، وأعلن قبل إجراء الانتخابات أنه ينخرط في كل مطالب الحراك الشعبي، وعلى رأسها إلغاء الانتخابات، على أساس أنها لن تأتي بالتغيير الجذري، الذي أراده الجزائريون عندما انتفضوا في 22 من فبراير (شباط) 2019 ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
وتم مساء أول من أمس استقبال رئيس الوزراء السابق مولود حمروش، الذي كان من المغضوب عليهم في عهد الرئيس السابق لأنه من الشخصيات السياسية البارزة، التي لم يدعموها أبداً. ويقول مقربون منه إن قدمه لم تطأ مقر الرئاسة منذ أن غادر الوظيفة الحكومية عام 1991.
في سياق ذلك، تنقل تبون أول من أمس إلى بيت وزير الخارجية الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، غير البعيد عن قصر الرئاسة، وذلك بغرض زيارته وسماع رأيه في المشروعات السياسية، التي أعلن عنها. علماً بأن الإبراهيمي كان أيضاً من رافضي الانتخابات، وقد عبر عن ذلك في بيانات وقعها معها عدة شخصيات، دعوا فيها السلطة إلى التخلي عن مسعى الانتخاب، كما طالبوا الجيش بالابتعاد عن السياسة.
وتبرّر هذه الشخصيات تغير مواقفها من السلطة ومشاريعها بكونها «تؤمن بالواقعية السياسية»، وأن الحراك الشعبي «لم يطرح بديلا للانتخابات»، كما أن تبون بالنسبة لهم «أمر واقع» يجب التعامل معه.
ونشر ناشطون في الحراك بحساباتهم بشبكة التواصل الاجتماعي تصريحات لحمروش، تعود إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حينما التقى أشخاصاً جاؤوا إلى بيته لمناشدته الترشح للانتخابات، جاء فيها: «حتى لو انتخبت غداً، وصرت رئيسا فلن أستطيع فعل أي شيء». كما نشر مقالاً في صحيفة محلية، يصف فيه النظام بأنه «قاتل للحرية ومعادٍ للسياسة... معادٍ للنضال ومعادٍ للحكم الراشد... معادٍ للمؤسسات ومعادٍ للتنظيم ومعادٍ للوطن». مؤكدا أن الحراك «يمثل فرصة تاريخية لإنقاذ البلاد».
في هذا السياق، كتب أستاذ علم الاجتماع سعيد لوصيف بخصوص اللقاءات، التي جمعت تبون برموز المعارضة، بأنها «تؤكد أن النظام لا يرى في التوافق سيرورة مجتمعية، وإنما هي سيرورة توازنات أجهزة وهياكل وعصب، لا تعني المجتمع إطلاقا، وليست من شأنه العام. كما تبين هذه الاستقبالات أن إعادة ترتيب بيت النظام، والتوافق بين رموزه وامتداداتها، هي أولى من استشارة الأحزاب السياسية، وما يسمى عادة بالمجتمع المدني، حتى وإن كانت هذه الأحزاب والجمعيات تشكل امتداداً عضوياً للأجهزة ذاتها المكونة للنظام».
وأضاف لوصيف موضحاً: «يحاول تبون أن يلعب دور وسط الميدان المكلف بإعادة التوازن للنظام من خلال رموزه وعصبه، وأنه لا يملك خارطة طريق سياسية واضحة يمكن أن يقدمها للمجتمع، أو يعرضها عليه، وذلك قبل أن يضع لمساتها في شراكة مع رموز النظام بعينه، وبعد الحصول على التوافق داخل أجهزته».
من جهة أخرى، أودع قاضي التحقيق بمحكمة المسيلة (جنوب شرق)، أمس، مدير الثقافة المحلي رابح ظريف، الحبس الاحتياطي، بسبب الإساءة إلى رمز ثورة التحرير عبان رمضان، الذي اُغتيل عام 1957 في المغرب على أيدي رجال مخابرات الثورة.
وذكرت النيابة التابعة للمحكمة في بيان، أن ظريف متهم بـ«عرض منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية والمساس بسلامة ووحدة الوطن».
كان الرئيس عبد المجيد تبون، قد أمر بعزل ظريف من منصبه، على أثر اتهام عبان بـ«الخيانة» و«العمالة للمحتل الفرنسي»، في منشور على حسابه بـ«فيسبوك».
ويأتي حبسه بعد 24 ساعة من إعلان الرئاسة عن ترتيبات لإصدار قانون يجرَم العنصرية وخطاب الكراهية.
وتزامن ذلك مع مظاهرة قام بها نحو ألفي طالب في الجزائر العاصمة، للأسبوع الـ47 على التوالي، رافعين لائحة من 14 نقطة، تعبر عن «مطالب الحراك» للسلطة الحاكمة.
وبدأ الطلاب ومعهم الكثير من المواطنين مسيرتهم الأسبوعية من ساحة الشهداء، أسفل مدينة القصبة العتيقة نحو الجامعة المركزية بوسط العاصمة، وسط انتشار أمني خفيف، مقارنةً بالأسابيع الأولى للحراك الذي بدأ في 22 من فبراير (شباط) الماضي.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.