الاقتصاد الإيراني المنهار قد يمنع طهران من التصعيد

TT

الاقتصاد الإيراني المنهار قد يمنع طهران من التصعيد

تواجه إيران أزمة اقتصادية حادة، في ظل ندرة الوظائف وارتفاع أسعار الغذاء وسلع أساسية أخرى على نحو هائل. ويشهد الاقتصاد انكماشاً سريعاً، بينما يبدو السخط على الإيرانيين بصورة متزايدة.
وأدت العقوبات الأميركية إلى إبعاد إيران من الأسواق عالمية، وإصابة اقتصادها بالشلل، ما أدى إلى انكماشه حالياً بمعدل سنوي مقلق للغاية يبلغ 9.5%، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. ووصلت صادرات النفط فعلياً في ديسمبر (كانون الأول) إلى الصفر، طبقاً لما أعلنته مؤسسة «أكسفورد إكونوميكس»، رغم تهريب كميات غير معلومة في محاولة للالتفاف على العقوبات.
ويبدو أن هذا المشهد الاقتصادي قلص استعداد إيران تجاه تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة، ويبدو قادتها اليوم مدركين أن الحرب ستزيد الوضع على الصعيد الوطني سوءاً. وخلال الشهور الأخيرة، ظهر الغضب العام إزاء البطالة والمخاوف الاقتصادية والفساد بوصفه مصدر تهديد محتمل لوجود النظام.
وسرعات ما اشتعلت الاحتجاجات من جديد خلال عطلة نهاية الأسبوع في طهران، واستمرت حتى أول من أمس (الاثنين)، بعد اعتراف الحكومة الصادم بإسقاط الطائرة الأوكرانية -رغم استمرارها في إنكار مسؤوليتها طيلة ثلاثة أيام.
وعبّرت المظاهرات عن ازدراء عميق تجاه محاولات التعتيم التي مارسها النظام في أعقاب سقوط الطائرة، والذي أسفر عن مقتل جميع الـ176 شخصاً الذين كانوا على متنها، إلى جانب الغضب تجاه تراجع الأوضاع الاقتصادية والمخاوف المالية والشعور بأن النظام -على أفضل تقدير- يبدو عاجزاً أمام مشكلات ضخمة.
اليوم، تقترب معدلات التضخم من 40%، بينما يواجه المستهلكون ارتفاعاً حاداً في أسعار الطعام والسلع الأساسية الأخرى. في الوقت ذاته، يعاني واحد من كل أربعة إيرانيين من البطالة، مع تركز البطالة في صفوف خريجي الجامعات.
وتبدو الهجمات الصاروخية التي أطلقتها إيران ضد قواعد داخل العراق الأسبوع الماضي رداً على مقتل سليماني، مصممة على تمكين قادة إيران من إعلان الثأر دون استفزاز استجابة حادة من جانب الرئيس دونالد ترمب.
والمؤكد أن اشتعال حرب مع القوة العسكرية الأكبر على وجه الأرض سيزيد الأوضاع المعيشية صعوبة على الإيرانيين العاديين، ومن المحتمل أن يُضعف العملة الإيرانية ويفاقم معدلات التضخم، ويهدد ما تبقى من الصناعة والوظائف ويؤجج الاستياء الشعبي. ويمكن أن تتسبب الحرب في خلق ضغوط هائلة على البنوك مع تعرض مزيد من الشركات لأزمات مالية طاحنة، رغم أن بعضها نجا من الانهيار بفضل تعزيز الاعتمادات التي توفرها البنوك.
وتسيطر الحكومة على نحو 70% من الأصول البنكية، وفقاً للدراسات. أما البرلمان الإيراني، فتشير تقديراته إلى أن نصف القروض البنكية في حالة تخلف عن الدفع.
وتعتمد الشركات الإيرانية على السلع الواردة لتصنيع وبيع منتجات لها، من آلات حتى الصلب والحبوب. وإذا تراجعت العملة أكثر عن ذلك، ستضطر هذه الشركات لدفع المزيد مقابل هذه السلع. وسيتعين على البنوك في هذه الحالة تقديم مزيد من القروض، وإلا ستنهار الشركات، لتزداد أعداد العاطلين تضخماً.
وعمل البنك المركزي على تمويل الإنفاق الحكومي وسد الثغرات في ميزانية مهترئة من أجل تقليص الغضب الشعبي. ويستلزم ذلك طبع مزيد من الأموال الإيرانية، ما يزيد الضغوط على العملة الوطنية.
واشتعال حرب، سيدفع مزيداً من الإيرانيين الأكثر ثراءً إلى نقل ثرواتهم إلى خارج البلاد، الأمر الذي يحمل خطر حدوث مزيد من التراجع في العملة وتفاقم التضخم على نحو خطير.
باختصار، هذا هو الاختيار الصعب أمام القيادة الإيرانية: فبإمكانها الإبقاء على حركة الاقتصاد عبر استمرارها في ضخ الاعتمادات في البنوك والصناعة، ما يزيد مخاطر كارثة مصرفية نهاية المطاف وحالة تضخم هائلة. أو يمكنها اختيار سبيل التقشف الذي يهدد بإشعال الغضب العام.
ورغم أن هذا الواقع يقلص على ما يبدو ميل إيران نحو التصعيد، يعتقد بعض الخبراء أن أوساطاً متنفذة داخل النظام ربما تختار في نهاية الأمر الدخول في حرب مع الولايات المتحدة كوسيلة لتحفيز الاقتصاد الهزيل.
وعمدت إيران خلال السنوات الأخيرة على التركيز على بناء ما سمته «الاقتصاد المقاوم» والذي ضخت فيه الدولة استثمارات ضخمة ووفّرت دعماً لصناعات استراتيجية، مع سعيها للدفع بإنتاج محلي محل السلع المستوردة من الخارج.
إلا أن خبراء اقتصاديين ذكروا أن هذه الاستراتيجية افتقرت إلى الفاعلية، ما أضاف الضغوط إلى الموازنة الإيرانية والنظام المصرفي بالبلاد.
في هذا الصدد، أوضحت ياسمين مظهر، خبيرة الاقتصاد السياسي بجامعة أكسفورد، أنه «سيكون هناك فريق يرى أن طهران ليس باستطاعتها المضي في الوضع القائم إذا لم تخض حرباً. ومن وجهة نظر الحكومة الإيرانية، يعد العيش في حالة أزمة أمر جيد. في الواقع، لطالما كان ذلك جيداً لأنه يصبح في مقدورها آنذاك تحويل كل اللوم عن المشكلات الاقتصادية إلى العقوبات، أو التهديد الأجنبي بحرب. وخلال العامين الماضيين، بحثت طهران عن مغامرات كوسيلة لتشتيت الأنظار عن المشكلات الاقتصادية».
وبغضّ النظر عن المسار الذي سيتخذه قادة إيران خلال الفترة المقبلة، يفترض خبراء أن المخاوف الاقتصادية لن تكون الأولوية الكبرى، ذلك أن قيادات إيران تمنح الأولوية لهدف واحد فوق جميع الأهداف الأخرى؛ بقاء النظام. وإذا بدت المواجهة مع قوى خارجية وسيلة واعدة لتعزيز قبضة النظام على السلطة، فإن القيادة ربما تقبل في هذه الحالة أن الألم الاقتصادي تكلفة ضرورية.
في هذا الصدد، أعرب صنم وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية في لندن، عن اعتقاده أن «المتشددين على استعداد لإفقار الناس كي يظلوا في السلطة، فالجمهورية الإسلامية لا تتخذ قراراتها بناءً على اعتبارات اقتصادية محضة».
ومع هذا، يتعين على قادة إيران إمعان النظر في منطقتهم كي يتعرفوا على الأخطار التي يمكن أن تخلقها المشكلات الاقتصادية أمام الأنظمة الحاكمة. في الشهور الأخيرة، شهد العراق ولبنان مظاهرات عارمة اشتعلت لأسباب بينها انحسار مستويات المعيشة في خضمّ حالات فساد وإساءة استغلال للسلطة.
في وقت قريب -تحديداً نوفمبر (تشرين الثاني)- بدا أن الوضع الخطير للاقتصاد الإيراني يشكل تهديداً جوهرياً للنظام. ومع سعي الحكومة حثيثاً لضمان الحصول على النقد اللازم لتمويل توفير مساعدات للفقراء والعاطلين، ألغت دعم الغازولين، ما أحدث ارتفاعاً هائلاً في أسعار الوقود. وأثار ذلك مظاهرات غاضبة عبر شوارع مدن إيرانية، مع دعوة المتظاهرين علانية لإسقاط الرئيس حسن روحاني.
وأشارت مايا سنوسي، خبيرة شؤون الشرق الأوسط لدى مؤسسة «أكسفورد إكونوميكس»، إلى أن «هذا مؤشر على حجم الضغوط التي يواجهها النظام».
وبإطلاقه هجوم «الدرون» الذي أسفر عن مقتل سليماني، أراح ترمب فعلياً القيادة من عبء هذه الضغوط، ووجه الأنظار نحو قوة العقوبات التي يفرضها، حسبما يرى خبراء.
في الوقت الحالي، يحاول النظام كبح المظاهرات بالاعتماد على شرطة مكافحة الشغب وحث المتظاهرين على العودة إلى ديارهم. إلا أنه حال استمرار الغضب الشعبي ربما يلجأ المتشددون إلى تحدي المصالح الأميركية على أمل إشعال مواجهة تجبر ترمب على التفاوض للتوصل إلى اتفاق يُنهي العقوبات.

* خدمة «نيويورك تايمز»



إسرائيل توافق على خطة لتوسيع المستوطنات في الجولان

آليات إسرئيلية عند هضبة الجولان قرب بلدة مجدل شمس (أ.ب)
آليات إسرئيلية عند هضبة الجولان قرب بلدة مجدل شمس (أ.ب)
TT

إسرائيل توافق على خطة لتوسيع المستوطنات في الجولان

آليات إسرئيلية عند هضبة الجولان قرب بلدة مجدل شمس (أ.ب)
آليات إسرئيلية عند هضبة الجولان قرب بلدة مجدل شمس (أ.ب)

وافقت الحكومة الإسرائيلية، اليوم (الأحد)، على خطة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة، قائلةً إنها تصرفت «في ضوء الحرب والجبهة الجديدة مع سوريا»، ورغبةً في مضاعفة عدد السكان الإسرائيليين في الجولان، وفق ما أوردته وكالة «رويترز».

وذكر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في البيان، أن «تقوية الجولان هي تقوية لدولة إسرائيل، وهي مهمة على نحو خاص في هذا التوقيت. سنواصل التمسك بها وسنجعلها تزدهر ونستقر فيها».