مصر تسعى للاستفادة عقارياً من ثروة «الساحل الغربي»

عبر تنفيذ مشروعات سكنية وصناعية ولوجيستية

شريط الساحل الغربي يعد ثروة عقارية وتنموية كبيرة في مصر
شريط الساحل الغربي يعد ثروة عقارية وتنموية كبيرة في مصر
TT

مصر تسعى للاستفادة عقارياً من ثروة «الساحل الغربي»

شريط الساحل الغربي يعد ثروة عقارية وتنموية كبيرة في مصر
شريط الساحل الغربي يعد ثروة عقارية وتنموية كبيرة في مصر

عبر مخطط عمراني وتنموي شامل، تسعى مصر للاستفادة من الثروة العقارية لـ«الساحل الشمالي الغربي» بالبلاد، ضمن المخطط الاستراتيجي القومي لمصر 2052، واستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، والتي تهدف إلى استغلال مقومات المناطق الساحلية، وتنميتها عقارياً وسياحياً، والاستفادة منها استثمارياً.
ويعمل المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة، حالياً، على حصر التصرفات بمنطقة الساحل الشمالي الغربي، وتذليل المعوقات كافة التي تواجه مشروعات التنمية وفي مقدمتها تعدد جهات الولاية. ووفق اللواء ناصر فوزي، رئيس المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة، فإن «المنطقة التي تعاملت معها (لجنة حصر التصرفات)، بلغت 2018 مليون متر مربع، بواجهة شاطئية تصل لنحو 470 كيلومتراً».
الدكتورة مها فهيم، نائب رئيس هيئة التخطيط العمراني، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تنمية الساحل الشمالي الغربي عقارياً وسياحياً كان هدفاً لهيئة التخطيط العمراني منذ فترة طويلة، لأنها منطقة بكر وبها مقومات كثيرة، وهي أرض سهلة على عكس الأرض الوعرة شرق النيل، لكن رغم هذه الإمكانيات لم يكن من السهل التعامل مع مخططات التنمية لصعوبة الوصول إلى المنطقة».
في عام 2015 تم وضع خطة لتنمية محافظة مطروح ودراسة أوجه الاستفادة من الساحل وظهيره الصحراوي عبر الأراضي التي تم وضع مخطط لاستغلالها وفقاً لطبيعة الموارد في كل منطقة، حسب فهيم، التي أضافت أنه «مع البدء في إنشاء الشبكة القومية للطرق، وإنشاء محور الضبعة، أصبح الوصول للساحل سهلاً جداً، كما أن إنشاء مدينة العلمين الجديدة بقرار جمهوري عام 2017 غيّر ملامح الساحل الشمالي الغربي»، مشيرةً إلى أن «هذه المنطقة واعدة، وأصبح الوصول إليها سهلاً، وهي منطقة مليئة بالخيرات والموارد».
ومشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي هو المشروع القومي الثالث من سلسلة المشروعات القومية للتنمية على مستوى الجمهورية التي حددها المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية 2052، والذي يضم إلى جانب الساحل الشمالي الغربي، كلاً من مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، والمثلث الذهبي للتعدين في الصحراء الشرقية، حسب استراتيجية التنمية العمرانية للواجهات الساحلية التي أعدتها الهيئة العامة للتخطيط العمراني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017. ويمتد نطاق الساحل الشمالي الغربي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، بدءاً من حدود محافظة الإسكندرية، وانتهاءً بحدود محافظة مطروح، بطول 550 كيلومتراً، وبعمق يتراوح ما بين 5 كيلومترات و20 كيلومتراً، ويشغل نحو 168.8 ألف كيلومتر مربع، أي 16.7% من مساحة الجمهورية.
الدكتور شريف الدمرداش، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المفهوم الشامل للتنمية لا يرتبط بالتنمية السياحية فقط، فلا بد من تحقيق تنمية صناعية وزراعية وبنية أساسية ومياه، لتحقيق الهدف المرجوّ من الخطة»، مشيراً إلى أنه «بالنسبة إلى التنمية السياحية فلا توجد معوقات، ومدينة العلمين الجديدة، وسرعة الإنجاز فيها أكبر دليل على ذلك».
وقال الدمرداش إن «أحد المعوقات المرتبطة بخطة تنمية الشريط الساحلي الغربي تكمن في أن حجم المياه في الخزان الأرضي الذي بنيت عليه الخطة، ليس كافياً، ومن هنا واجهت شركات مثل الريف المصري معوقات في تنفيذ مشروعاتها الزراعية، أما على الجانب الصناعي، فلا بد أن تتضمن الخطة تحديداً دقيقاً لنوعية المشروعات التي تريدها الدولة، مع وجود المستثمر الذي يرغب في الاستثمار في هذه الصناعات، إضافة إلى توفير الطرق والبنية الأساسية».
ووفق فهيم فإن «الهيئة عملت على تدقيق الدراسات السابقة ودراسة صلاحية الأراضي بعد التغير الذي طرأ عليها، وأظهرت الدراسات صلاحية المنطقة لكثير من المشروعات التنموية من زراعة وتعدين وصناعة، وعمران»، مشيرة إلى أن «هناك مخططاً لإنشاء 4 أو 5 مدن أخرى على غرار العلمين الجديدة في سيدي براني والنجيلة ورأس الحكمة، حيث أصبح من السهل التعامل مع المنطقة والوصول إليها».
ويضم المخطط تنفيذ مجموعة متنوعة من المشروعات بينها مناطق صناعية، وموانئ، ومناطق خدمات لوجيستية، ومراكز للحرف والخدمات والصناعات اليدوية، ومدينة أولمبية، إلى جانب مناطق سكنية تناسب مختلف طبقات المجتمع، وتتضمن الخطة تنفيذ مجموعة متنوعة من المشروعات حسب كل منطقة، ففي العلمين تركز الخطة على إنشاء مدينة العملين الجديدة، ومركز سياحي وترفيهي في سيدي عبد الرحمن، وحديقة دولية، ومحمية طبيعية، ومشروعات صناعية تكنولوجية وبتروكيماويات، وصناعات زراعية.
أما في مطروح فتركز الخطة على مشروعات إنتاج مواد البناء، والملح، والصناعات الصغيرة، وإنشاء ميناء النجيلة، ومنطقة سياحية وصناعية، وقرى سياحية في سيوة، إضافة إلى تجمع سكني في مطروح الجديدة، بينما تعتمد الخطة على استصلاح الأراضي في منطقة سيدي براني، وإنشاء صناعات زراعية، ونظراً إلى أهمية سيوة السياحية، فإن الخطة وضعت مجموعة من المشروعات لتنميتها سياحياً، تعتمد على الحرف التقليدية، والصناعات العطرية، إضافةً إلى وضعها ضمن مخطط استصلاح المليون ونصف فدان.
ويرى الدمرداش أن «خطة تنمية الساحل الشمالي الغربي هي أحد الحلول المهمة لتحقيق التنمية الشاملة، سياحياً وصناعياً وعقارياً، فالحل الوحيد أمام مصر هو الخروج من الوادي الضيق، حيث إن المساحة المأهولة بالسكان لم تتجاوز حتى الآن الـ7% من المساحة الكلية لمصر، مما أدي إلى تكدس سكاني وانهيار في مرافق الدولة»، مشيراً إلى أن «مخططات التنمية هدفها الانتشار خارج الوادي الضيق، وتوفير فرص عمل، ومساكن وتعليم وصحة وخدمات».
وحسب الخطة الجديدة، فإن التعامل مع الأراضي الساحلية له اشتراطات حددتها الهيئة، بشأن الواجهات الساحلية للمدن، فلا يشترط أن تكون المدينة على ساحل البحر المتوسط، كما اقترحت الخطة عمل طريق ساحلي جديد في العمق، موازٍ للطريق الحالي، لتحقيق التنمية»، وفق فهيم التي أشارت إلى أن «تنمية الساحل الشمالي الغربي ستسهم في استيعاب الزيادة السكانية، وخلق فرص عمل دائمة بدلاً من فرص العمل الموسمية الموجودة حالياً».
وتستهدف مصر من مشروع تطوير الشريط الساحلي الغربي استيعاب الزيادة السكانية خلال الـ40 عاماً المقبلة، والتي تقدر بنحو 34 مليون نسمة، إضافةً إلى تنفيذ مجموعة من المشروعات التنموية توفر نحو 11 مليون فرصة عمل بحلول 2052.
لكن يبدو أن هذا المخطط الذي أُعلن عنه في نهاية عام 2017، وتمت مناقشة تفاصيله منتصف العام الماضي، ما زال يواجه عقبة رئيسية، تُعرف باسم «تسقيع الأراضي»، وهي ظاهرة متعارف عليها منذ عقود في السوق العقارية المصرية، حيث يسعى المستثمرون لشراء الأراضي بهدف الاستثمار، ويتركونها دون تنفيذ أي مشروعات عليها على أمل أن يرتفع سعرها ليتم بيعها من جديد.
وقال الدمرداش إن «مشكلة تسقيع الأراضي، هي مشكلة قديمة عانت مصر منها في كل المدن الجديدة، على مدار فترات زمنية مختلفة، بسبب خلل في أداء الجهاز الإداري للدولة فيما يختص بعقود التخصيص للأراضي، التي من المفترض أنه تم تخصيصها لإقامة مشروعات معينة لكن أصحابها لم يلتزموا بتنفيذ هذه المشروعات»، مشيراً إلى «أهمية مراجعة شروط العقود المبرمة في هذا النوع من الأراضي».
وعلى مدى سنوات حاولت الحكومة المصرية مكافحة هذه الظاهرة، بوضع إجراءات واشتراطات، والإعلان عن سحب الأراضي ممن لم يلتزم بتنفيذ مشروعه، فعلى سبيل المثال أعلنت وزارة الإسكان في عام 2008 عن سحب أكثر من 1700 فدان في المدن الجديدة لعدم قيام أصحابها بتنفيذ المشروعات المتفق عليها، لكن يبدو أن هذه المحاولات لم تسفر عن وضع حد للمشكلة، فوفقاً لتصريحات المهندس مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، الأسبوع الماضي، فإن «هناك أراضي تم بيعها منذ 40 عاماً أو أكثر في منطقة الساحل الشمالي، وغيرها من المناطق، ولم تتم تنميتها، حيث يتم (تسقيع) تلك الأراضي بهدف المتاجرة بها».
تطرُّق الحكومة المصرية لأزمة «تسقيع الأراضي» ليس جديداً، فقد سبق أن أثارها مدبولي في اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة مخطط تطوير الساحل الشمالي الغربي منتصف العام الماضي، لكنه أصدر أخيراً توجيهات صارمة للحد منها، تقضي بتضمين جميع عقود بيع الأراضي نصاً صريحاً يحدد مدة زمنية لتنفيذ المشروعات، على أن يتم فسخ العقد في حال عدم الالتزام بالتنفيذ في المدة المتفق عليها، واسترداد الأرض بما عليها، دون تنبيه أو إنذار، أو اتخاذ أي إجراءات قضائية، مشدداً على أن «هدف الدولة الرئيس هو التنمية وليس بيع الأراضي».


مقالات ذات صلة

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».