مسلح أوتاوا كان يعتزم السفر إلى سوريا.. ولم يكن ضمن الـ93 شخصا المراقبين

تزايد المخاوف من وقوع هجمات بسبب الدور الكندي في دعم الحملة ضد «داعش»

مسلح أوتاوا
مسلح أوتاوا
TT

مسلح أوتاوا كان يعتزم السفر إلى سوريا.. ولم يكن ضمن الـ93 شخصا المراقبين

مسلح أوتاوا
مسلح أوتاوا

لم تحدد الشرطة الكندية، يوم الخميس، المسلح الذي أفزع العاصمة بإطلاق النار المميت، باعتباره يشكل تهديدا أمنيا رغم سجله الجنائي في 3 مدن واعتناقه الأفكار المتطرفة وعقده العزم على السفر إلى سوريا.
كما أقرت الشرطة أنها لم تكن على علم بوجود الرجل المسلح الذي يُدعى مايكل زيهاف بيبو، في العاصمة منذ نحو 3 أسابيع.
وجاء ذلك في المؤتمر الصحافي الذي انعقد بعد يوم من قيام المسلح بشل قلب العاصمة، وتسبب في مقتل جندي عند النصب التذكاري لضحايا الحرب قبل أن يسقط قتيلا داخل أروقة البرلمان. وساعدت المعلومات المفصلة الجديدة على سد الكثير من الثغرات بشأن هذا الهجوم المفاجئ، بما فيها لقطات فيديو تقشعر لها الأبدان يُبين لحظة وصوله للبرلمان.
وأوضح بوب بولسون، مفوض شرطة الخيالة الملكية الكندية أنه لا تزال دوافع الرجل المسلح لاقتراف ذلك الهجوم مجهولة إلى حد كبير، ولكنه كان واثقا من أن زيهاف بيبو شن هذا الهجوم من تلقاء نفسه ولم تكن لدية علاقات قوية مع متطرفين آخرين.
وقال المفوض (رئيس الشرطة الوطنية في كندا) إنه لا يزال هناك الكثير من الغموض بشأن حادث إطلاق النار الذي أدى إلى مقتل زيهاف، وجعل الآلاف من الناس محاصرين في وسط مدينة أوتاوا، وفي لحظة ما، أصبح رئيس الوزراء ستيفن هاربر دون حراسة ولا يفصل بينه وبين تبادل إطلاق النار سوى باب خشبي.
وقال المفوض بولسون، خلال مؤتمر صحافي مطول: «لم تكن شرطة الخيالة الملكية الكندية على علم بوجود السيد زيهاف في أوتاوا»، مضيفا: «إننا بحاجة للنظر في كل العمليات للتعامل مع هذا التهديد العويص الذي يصعب فهمه».
وأوضح أن الشرطة علمت فقط من والدته عقب وفاته أن زيهاف كان يعتزم السفر إلى سوريا. كما أنه لم يكن ضمن الـ93 شخصا التي تعمل الشرطة الوطنية على رصد تحركاتهم لاحتمالية سفرهم إلى الخارج بهدف الانضمام إلى المنظمات التي تعد إرهابية بموجب القانون الكندي.
وكان تفسير المفوض للعنف الذي وقع يوم الأربعاء عبارة عن مزيج من حالة إحباط متزايدة لدى زيهاف بسبب تأخير إجراءات الحصول على جواز للسفر، جنبا إلى جنب مع تعاطفه الواضح مع أعمال التطرف و«ظروفه الصعبة» التي تتضمن تعاطيه للمخدرات ومشاكل تتعلق بالبطالة والصحة العقلية.
وأوضحت الشرطة أن السيد زيهاف، الذي وُلد في مونتريال، قد وصل إلى أوتاوا في وقت مبكر منذ الثاني من أكتوبر (تشرين الأول). وعلى ما يبدو أنه جاء إلى العاصمة على أمل إسراع إجراءات الحصول على جواز السفر، وهي العملية التي لم توقفها الشرطة.
وأمضى أيامه الأخيرة في ملجأ للمشردين، يقع على بعد أقل من 10 دقائق سيرا على الأقدام من النصب التذكاري لضحايا الحرب؛ حيث قام بإطلاق النار وتسبب في مقتل الجندي ناثان سيريلو، الذي كان ابنا لطفل صغير من هاملتون، أونتاريو.
واستمرت المأساة وحالة التوتر لساعات بعد مقتل زيهاف خارج المدخل لمكتبة البرلمان، بينما واصلت الشرطة البحث عن مهاجمين آخرين محتملين. ومن جانبه، قال قائد شرطة أوتاوا تشارلز بورديلو، إن مكالمات الاستغاثة أدت إلى عمليات بحث مطولة من جانب الشرطة.
وعدّ السيد هاربر هذا الهجوم نتيجة أعمال التطرف التي يقترفها تنظيم داعش، والذي يواجه حملة جوية تقودها الولايات المتحدة ضده في العراق وسوريا.
ووقع حادث إطلاق النار عقب يومين فقط من هجوم مميت آخر على أحد عناصر القوات المسلحة الكندية، مما يعمق من حجم المخاوف بشأن وقوع هجمات قد تكون مرتبطة بالدور الكندي في دعم الحملة الموجهة ضد التنظيم. ويُذكر أن كندا أرسلت هذا الأسبوع 6 طائرات مقاتلة لمهاجمة أهداف «داعش» في العراق بناء على طلب الولايات المتحدة الأميركية بتقديم المساعدة.
ويعد السيد هاربر من المؤيدين بشدة لشن حملة ضد تنظيم داعش السني المسلح. وأكد السيد هاربر عندما استأنف البرلمان العمل يوم الخميس على عزمه استعادة الحياة الطبيعية، قائلا: «نحن لن نخاف»، مضيفا: «إننا سنكون يقظين، ولكننا لن يساورنا الخوف. سنكون حذرين ولكن لا داعي للذعر».
كان زيهاف بيبو في الأصل من ضاحية مونتريال بمدينة لافال، وغير والداه اسمه وهو في سن المراهقة، حيث كان يُدعى مايكل جوزيف. فيما ذكرت الشرطة أنه من أب ليبي، وربما كان زيهاف يحمل الجنسية الليبية. وعاش زيهاف في السنوات الأخيرة في فانكوفر وضواحيها، وكان في السابق من سكان كالغاري، ألبرتا. كما كان له سجل جنائي في 3 مدن لجرائم بسيطة تتعلق بالمخدرات.
وأشار المفوض بولسون إلى أنه لم تكن هناك صلة واضحة تربط بين زيهاف وإحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة في كالغاري. ولكن في الوقت الراهن، قال إن الصلة الوحيدة التي تربط بين زيهاف ومتطرفين آخرين هو أنه جرى العثور على عنوان بريده الإلكتروني على قرص صلب يعود لرجل مجهول الهوية أُلقي القبض عليه للاشتباه في ضلوعه بجريمة تتعلق بالإرهاب. وهنا تساءل المفوض: «ما الذي يعنيه ذلك؟»، وأقر بأنه كانت توجد صلة ضعيفة.
فيما قال والدا زيهاف في بيان لهما يوم الخميس إنهما صدما من الأفعال التي اقترفها زيهاف وحزنا لوفاة الجندي. وفي شأن مقتل الجندي، قالا في بيان لهما حصلت عليه وكالة الأسوشيتدبرس: «لقد فقد كل شيء وترك وراءه عائلة يغمرها الشعور بالألم والحزن»، وأضافا: «خالص تعازينا لعائلته، رغم أن الكلام يبدو عديم الجدوى الآن».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.