ركود في دمشق جراء تدهور صرف الليرة

مباحثات إيرانية ـ سورية في طهران بعد سليماني

TT

ركود في دمشق جراء تدهور صرف الليرة

تشهد الأسواق في سوريا حالة ركود كبيرة جداً جراء انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، وذلك حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية من دمشق.
وفي حالة غير مسبوقة، تجاوز سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، الاثنين، 1015 ليرة سورية، بحسب أسعار الصرف في بعض المحافظات السورية.
وعزا خبير اقتصادي سوري في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية «انخفاض قيمة الليرة وتخطي الدولار الأميركي حاجز ألف ليرة سورية، إلى قلة الناتج المحلي، إضافة إلى أحداث لبنان، والعقوبات الاقتصادية على سوريا».
وأعرب الخبير الاقتصادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن أمله في أن «تحدث خلال الساعات والأيام المقبلة انفراجة في الوضع الاقتصادي، بعد زيارة الوفد الحكومي السوري إلى طهران، وتقديم إيران دعماً مالياً للحكومة السورية».
وأكد الخبير الاقتصادي: «ما كنا نحذر منه حصل بأن يتجاوز سعر صرف الدولار ألف ليرة، ولكن السؤال الأصعب هو: ماذا بعد؟ هل يستمر الدولار في الصعود والليرة السورية في الانخفاض؟ وإلى أي مبلغ يصل؟ خصوصاً أن غالبية الشعب يعتمدون على رواتب يقبضونها بالليرة السورية؛ فكان متوسط راتب الموظف قبل عام 2011 نحو 25 ألف ليرة سورية؛ ما يعادل 500 دولار أميركي، واليوم يتراوح متوسط الراتب بين 50 و80 دولاراً».
يذكر أن صرف الدولار الأميركي؛ وفق نشرة البنك المركزي السوري، لا يزال يثبت عند 436 ليرة.
إلى ذلك، شهدت أسواق دمشق وعموم المدن السورية أمس حالة جمود كبيرة، حيث أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها بسبب ارتفاع الدولار الأميركي وتخطيه ألف ليرة سورية.
وقال أحد أصحاب المحال التجارية المختصة في بيع الملابس في حي الصالحية؛ أشهر أحياء دمشق: «منذ الصباح لم يدخل إلى المحل أي زبون (مشترٍ)، وهذا أغلب حال المحال التجارية. لم تعد الأولوية للملابس، بل الأهم هو تأمين الغذاء».
وأضاف: «كنا نتوقع حركة كبيرة في بداية العام الجديد، ولكن ارتفاع سعر الدولار أدى إلى ارتفاع أسعار الملابس بشكل كبير قياساً بسعر الصرف».
وفي حي الميدان الدمشقي، أبرز الأسواق الشعبية، قال رامز أحمد، وهو يعمل في شركة خاصة: «بعض المحال التجارية في (الميدان) وجرمانا، وغيرها، أغلقت أبوابها بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وأي محل تجاري تدخل إليه يحسب قيمة البضاعة على أساس سعر صرف الدولار، وأي سلعة يبيعها اليوم ربما يخسر بسعرها غداً في ظل ارتفاع الدولار».
ويضيف أحمد: «بعض المحال التجارية أغلقت أبوابها بحجة موجة البرد، ولكن في الواقع هم يريدون الحفاظ على بضاعتهم علّها تكون بسعر أعلى غداً».
وبموازاة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، ارتفعت قيمة الذهب في الأسواق السورية.
وقال شادي، وهو يعمل في محل مجوهرات بريف دمشق: «سعر غرام الذهب عيار 21 حسب لجنة الصاغة، هو نحو 41 ألف ليرة سورية، ما يعادل 42 دولاراً»، لافتاً إلى أنه منذ 3 أيام لم يتم بيع أو شراء أي قطعة ذهب. وأوضح: «من لديه قطع ذهب ويريد بيعها ويتابع حركة صعود الأسعار، ينتظر حتى تصل إلى سعر أعلى مما هي عليه اليوم».
وانتقدت صحيفة «الوطن» المقربة من النظام صمت الحكومة أمام التدهور الحاصل بقيمة الليرة. وكتبت أمس: «لا تزال الحكومة تلتزم الصمت الكامل تجاه تقلبات سعر الصرف. وبات من الصعب تقدير السعر الحقيقي لليرة وسط مضاربات داخلية وخارجية نتيجة العوامل السياسية وما يتعرض له لبنان». ونقلت عن عضو في غرفة تجارة دمشق قوله إن «الطلب التجاري على الدولار انخفض بشكل كبير من التجار والمستوردين لتمويل صفقاتهم وعقودهم الخارجية»، مبيناً أن «الحركة في الأسواق ضعيفة جداً، وقلة من التجار يشترون الدولار لتمويل المستوردات، في حين يشتريه آخرون لغايات أخرى».
ويترقب اقتصاديون موالون للنظام نتائج زيارة الوفد الحكومي السوري إلى طهران برئاسة رئيس مجلس الوزراء عماد خميس والحصول على دعم مالي، تعول عليه دمشق لمواجهة الانتكاسة الاقتصادية.
وبحث إسحاق جهانجيري النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني الاثنين مع وفد حكومي سوري برئاسة عماد خميس رئيس مجلس الوزراء العلاقات الثنائية بين إيران وسوريا، وأهم القضايا الثنائية والإقليمية، ذلك في أول محادثات من نوعها منذ اغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني.
وذكرت وكالة أنباء «إسنا» الإيرانية أن المباحثات التي جرت صباح أمس (الاثنين) بمجمع سعد آباد الثقافي الرئاسي في طهران، ركزت على العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، والتحولات الإقليمية والدولية، ومواضيع أخرى ذات اهتمام مشترك بين البلدين.
وحسب الوكالة، شارك في المباحثات أعضاء الوفد السوري نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم ووزير الدفاع العماد علي أيوب والسفير السوري في طهران عدنان محمود.
وكان خميس وصل مساء أول من أمس إلى العاصمة الإيرانية على رأس وفد حكومي يضم المعلم وأيوب.
وهذه أول زيارة منذ اغتيال سليماني. إذ قال الرئيس بشار الأسد الجمعة إن الشعب السوري «لن ينسى» وقوف سليماني، الذي قتل بضربة أميركية في بغداد، إلى جانب جيش بلاده في النزاع المستمر منذ نحو تسع سنوات.
إلى ذلك، أفادت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» أن خميس أبلغ جهانجيري أن الرئيس السوري بشار الأسد منح سليماني أرفع وسام في سوريا «تعبيراً عن مودته العميقة لسليماني وإخوانه في سوريا».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.