مخاوف من تساهل المفوضية الأوروبية مع جنوح بولندا والمجر نحو التطرف

مخاوف من تساهل المفوضية الأوروبية مع جنوح بولندا والمجر نحو التطرف
TT

مخاوف من تساهل المفوضية الأوروبية مع جنوح بولندا والمجر نحو التطرف

مخاوف من تساهل المفوضية الأوروبية مع جنوح بولندا والمجر نحو التطرف

منذ أن تبيّنت استدامة صعود اليمين المتطرف في المشهد السياسي والاجتماعي الأوروبي، وترسّخت سيطرته على الحكم في بولندا والمجر، وبات قاب قوسين من التفرّد بالسلطة في إيطاليا، وبعد أن تعزّزت مواقعه في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا، بدعم مباشر أحياناً من القوى المحافظة في الولايات المتحدة وروسيا، تسعى الأحزاب والقوى التقدمية في بلدان الاتحاد الأوروبي إلى وضع استراتيجية لاحتواء هذا الصعود ومنعه من التقدّم نحو المزيد من مراكز القرار في مراكز الحكم والمؤسسات الأوروبية.
وبعد الاجتماع الذي عقده رؤساء بلديّات وارسو وبودابست وبراغ وبراتيسلافا مطلع الأسبوع الماضي في العاصمة المجرية، وأعلنوا في ختامه عن تشكيل «تحالف المدن الحرّة» ضد سياسة التطرّف وكره الأجانب ومناهضة المشروع الأوروبي التي تتبّعها حكومات بلدانهم، استضافت مدينة «ريميني» القريبة من روما ندوة موسّعة شارك فيها ممثلون عن الأحزاب والقوى التقدمية في أوروبا، إلى جانب عدد من المفكّرين الباحثين السياسيين الذين يحذّرون منذ أعوام من خطر رياح اليمين المتطرف التي عادت تهبّ من جديد على القارة الأوروبية.
في غضون ذلك، كان آلاف القضاة والمحامين يتظاهرون في أنحاء أوروبا تضامناً مع زملائهم البولنديين، دفاعاً عن استقلالية النظام القضائي الذي تحاصره التعديلات القانونية الأخيرة التي اعتمدتها حكومة وارسو، ومطالبين المفوضية الأوروبية بعدم غضّ النظر عن هذه الإجراءات أو التساهل إزاءها.
وتخشى الأوساط التقدمية الأوروبية، السياسية والاجتماعية والمهنية، من تداعيات الخطوات الأولى التي اتخذتها رئيسة المفوضية الجديدة أورسولا فون در لاين تجاه كلّ من بولندا والمجر، والتي ذهبت عكس الاتجاه المتشدد الذي اعتمدته المفوضية السابقة في التعاطي مع الحكومتين البولندية والمجرية عند اتخاذهما إجراءات تحدّ من استقلالية النظام القضائي وتتضارب مع الركائز الأساسية لسياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي.
يقول ماسيمو داليما، الرئيس الأسبق للحكومة الإيطالية إن «سياسة الغزل التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في السابق مع هاتين الحكومتين لم تثمر أي نتيجة، بل ربما أسهمت في جنوحهما أكثر نحو اعتماد المزيد من الإجراءات اليمينية المتشددة التي تشكّل انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها المشروع الأوروبي».
ويشير المحلل السياسي المجري تادوش بوشكا إلى تزايد القلق لدى القوى السياسية والاجتماعية التي تنشط في هذين البلدين، وفي بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي، من أجل الحفاظ على نظام يقوم على سيادة القانون واستقلالية القضاء وحرية الصحافة، ويضيف «لكن الفوز الساحق، والمتكرّر، الذي حققته القوى اليمينية المتطرفة في الانتخابات التي شهدتها بولندا والمجر مؤخراً، يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لاحتمالات تدخّل المفوضية الأوروبية».
ويذكر أن عشرات الأكاديميين والقانونيين وممثلين عن منظمات غير حكومية في بولندا، كانوا قد وجّهوا التماساً إلى رئيسة المفوضية يطلبون إليها التدخل لدى محكمة الاتحاد الأوروبي لتعليق العمل بالتعديلات القضائية الجديدة، على غرار ما قامت به، بنجاح كبير، المفوضية السابقة التي كان يرأسها جان كلود يونكر.
ويقول ألبرتو آليمانو، عميد كلّية الحقوق في معهد باريس العالي للدراسات الدولية: «تبدو المفوضية الجديدة أكثر خجلاً من سابقتها في الدفاع عن سيادة القانون في المجر وبولندا»، ثم يضيف: «من الصعب أن ننسى كيف أن موافقة البرلمان الأوروبي على تعيين فون در لاين، بفارق تسعة أصوات فحسب، تمّت بفضل دعم نواب الحزبين الحاكمين في وارسو وبودابست... هل هي مجرّد مصادفة ؟».
ويجدر التذكير هنا بأن وصول فون در لاين إلى رئاسة المفوضية جاء بفضل الاعتراض الشديد، من المجر وبولندا، على ترشيح الهولندي فرانز تيمرمان الذي كان من أشد المتحمسين لتفعيل المادة السابعة من معاهدة الاتحاد، التي تنصّ على معاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي.
الأوساط التقدمية القلقة من الأسلوب الذي تتعامل به رئيسة المفوضية الجديدة مع الحكومتين البولندية والمجرية، تخشى ألا يكون ذلك سوى بداية لسلسلة طويلة من التنازلات، خاصة أن فون در لاين تراهن بقوة على إنجاح مشروع «الميثاق الأخضر» الذي يشكّل العنوان الرئيسي لولايتها، والذي يبدأ البرلمان الأوروبي بمناقشته اليوم في ستراسبورغ.
وتعرف رئيسة المفوضية أن موافقة وارسو وبودابست حيويّة لضمان الموازنة اللازمة لتمويل هذا المشروع، والتي تقدّر بألف مليار يورو على عشر سنوات.
وكان لافتاً في مستهل مناقشات البرلمان الأوروبي أن الانتقاد الأقسى لم يأتِ من الكتلة الاشتراكية، بل على لسان النائبة الليبرالية صوفي فيلد التي قالت: «الديمقراطية تحتضر في بولندا والمجر، والداء يتفشّى في الجسم الأوروبي، والتباطؤ في معالجته هو أقرب ما يكون إلى التواطؤ على هدم القيم الأوروبية».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».