عودة جدل «الأقاليم» على وقع الخلافات الحادة بشأن الوجود الأميركي في العراق

رئيس البرلمان يوجه رسالة إلى «الخَرِفين»

TT

عودة جدل «الأقاليم» على وقع الخلافات الحادة بشأن الوجود الأميركي في العراق

رغم تخصيص باب كامل في الدستور العراقي (الباب الخامس) الذي تم التصويت عليه أواخر عام 2005، للأقاليم والفيدرالية، فإن الحديث عن الأقاليم تحول بعد سنوات إلى تهمة ترقى إلى «الخيانة والتآمر» لمن يفكر؛ مجرد تفكير، في تحويل محافظة أو أكثر إلى إقليم ضمن الدولة العراقية.
المادة «116» من الدستور تنص: «يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية». هذا الدستور الذي كتبه الكرد والشيعة عام 2005 في ظل غياب شبه تام للعرب السنّة ومضى بالتصويت بنسبة تقترب من 80 في المائة، وهو ما يعني عدم تصويت السنّة عليه، تحول فيما بعد إلى مشكلة كبرى كان أحد تجلياتها «الكتلة الكبرى» التي لم تتمكن الكتل السياسية من حسمها لجهة اختيار مرشح لرئاسة الوزراء. العارفون ببواطن الأمور يرون أن الكرد والشيعة الذين كانوا يشعرون بالمظلومية قبل عام 2003 بخلاف السنّة الذين كانت السلطة بيدهم منذ عام 1921، هم من فصلوا الدستور حسب مقاسهم آخذين بنظر الاعتبار «مظلوميتهم» دون النظر إلى المستقبل البعيد وتداعياته. وفيما يتعلق بالفيدرالية، فإن المتابعين والمطلعين على معظم ما جرى آنذاك في الغرف المغلقة يرون أن الكرد وبما يتمتع به ممثلوهم من خبرة بالقياس إلى ممثلي القوى الشيعية آنذاك تمكنوا من تمرير الباب الخاص بالفيدرالية لأن إقليم كردستان كان يتمتع أصلاً بنوع من النظام الفيدرالي أمراً واقعاً منذ عام 1991 حين فرضت الولايات المتحدة الأميركية الحصار على العراق بعد غزو الكويت وإقامة خطوط الطول والعرض. العرب السنّة كانوا قد صوتوا ضد الدستور بسبب النظام الفيدرالي لأنهم يعدون أنفسهم تقليدياً من دعاة وحدة العراق.
اليوم وبعد 14 عاماً على إقرار الدستور وحصول تحولات سياسية كبيرة على صعيد مسار العملية السياسية وفشل منظومة الحكم بالطريقة التي ترضي المكونات التي بنيت عليها المحاصصة السياسية في البلاد، بدا السنّة في المحافظات الغربية هم من يشعر بالمظلومية في وقت باتت فيه منطقة كردستان إقليماً ناجحاً يرفل في الأمن والاستقرار.
من جهتها؛ فإن المحافظات الشيعية في الوسط والجنوب التي أيد ممثلوها النظام الفيدرالي عند كتابة الدستور، باتت اليوم من أشد مناوئيه؛ فمحافظة جنوبية مثل البصرة حاولت خلال السنوات الماضية مرات عدة إقامة إقليم فيدرالي لكنها كانت تواجه بالرفض. محافظتا صلاح الدين ونينوى الغربيتان حاولتا كذلك. المؤيدون لإقامة الأقاليم لم يعد يسعفهم الدستور في تبني هذه الفكرة. فالتهمة التي باتت جاهزة هي «تقسيم العراق».
واليوم حيث يتجدد الجدل العنيف بشأن الوجود الأميركي في العراق حيث تتركز القواعد التي يوجد فيها أميركيون في المحافظات الغربية وكردستان، تفجر الجدل من جديد حول مساعٍ يتهم فيها رئيس البرلمان وقيادات سنية في الأنبار وصلاح الدين بالتوجه نحو إقامة الإقليم الغربي السني بإرادة أميركية هذه المرة. سياسيون ومواقع إخبارية أو مواقع تواصل اجتماعي، بدأوا يتحدثون عن مؤامرة يجري ترتيبها لفصل المحافظات السنية تحت ذريعة الإقليم، وهو ما يمهد، من وجهة نظر هؤلاء المعارضين، لتثبيت الوجود الأميركي في العراق.
وفي هذا السياق؛ نفى رئيس البرلمان العراقي وزعيم «تحالف القوى العراقية» محمد الحلبوسي ما تم ترويجه مؤخراً من أنباء عن رعايته إقامة إقليم سنّي يشمل الأنبار وصلاح الدين في مرحلة أولى. ووجّه الحلبوسي رسالة عبر تغريدة على موقع «تويتر» أمس إلى ما سماها مخلفات العملية السياسية من «الخَرِفين»؛ قال فيها: «رسالتي إلى مخلفات العملية السياسية من (الخَرِفين)، لا تزودوا على المؤمنين بوحدة العراق وشعبه الذين يملكون من الوطنية ما لا تملكونه». وأضاف: «لا تحاولوا أن تجدوا لنفسكم شأناً بتصريحاتكم ورسائلكم»، مخاطباً إياهم بالقول: «لم يبقَ لكم قدر سوى روائح فشلكم التي أزكمت أنوف الشعب».
وكان جرى تداول أنباء في الآونة الأخيرة بأن الحلبوسي وعدداً من القيادات السنية البارزة التقوا مؤخراً في مدينة دبي من أجل الشروع في إعداد الخطط اللازمة لهذا الإقليم.
من جهته، نفى عضو البرلمان العراقي محمد الكربولي، وهو قيادي بارز في «تحالف القوى العراقية» لـ«الشرق الأوسط» أن «يكون هناك أي تحرك بهذا الاتجاه لا من قبل ولا الآن، والسنّة مثلما يعرف الجميع هم من وقف ضد تقسيم العراق والأقاليم حتى عند كتابة الدستور». وأضاف أن «هذه الأقاويل التي تصدر عن أناس أفلسوا من كل شيء لا تستحق حتى الرد عليها، علماً بأن الأقاليم لمن يريد إقامتها حق دستوري، علماً بأننا متمسكون بوحدة التراب العراقي».
النائب عن «تحالف القوى العراقية» أحمد مظهر الجبوري نفى هو الآخر مناقشة «الإقليم السني». وقال الجبوري إن «الأنباء التي نشرت عن طرح قضية الإقليم السني في اجتماع للقيادات السنية في دبي، عارية عن الصحة»، مبيناً أن «الأقاليم حق كفله الدستور الذي كتب بأيدي جميع القوى السياسية الممثلة لجميع المكونات، بالتالي فهو حق مشروع، ولا نحتاج للذهاب والاجتماع في دبي لمناقشة هذا الأمر». وأضاف أن «الموضوع لم يناقش في دبي أو في داخل العراق، ولم يطرح بشكل رسمي أو خلال الحوارات، رغم أنه حق مشروع»، لافتاً إلى «أننا لدينا شعور بالغبن نتيجة عدم الشعور بالشراكة الحقيقية، إضافة إلى أن مناطقنا ما زال أغلبها حتى اللحظة بعد تحريرها، دون إعمارها أو إعادة العوائل النازحة إليها».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.