المستشفيات... ضحية أخرى للحرب في طرابلس

TT

المستشفيات... ضحية أخرى للحرب في طرابلس

منذ تصاعد القتال في العاصمة الليبية طرابلس، في أبريل (نيسان) الماضي، لم تتوقف مأساة الأهالي، بداية من تحول كثير من أحيائهم السكنية لمسرح للعمليات واضطرارهم للنزوح منها، وافتراش الشوارع والمدارس والمساكن المهجورة، في ظل شتاء قاسٍ لمن لم تسعفه إمكاناته الاقتصادية للحصول على سكن بديل، إلا أن كثيراً من الأسر يؤكدون أن النزوح ليس الوجه الوحيد للظروف الصعبة التي يمرون بها، وأن هناك أوجهاً أخرى، في مقدمتها قدرة المستشفيات الطبية على الصمود، مع تزايد الضغط عليها من قبل جرحى المعارك. «لجوءنا لسكن بديل لا يقل عن 1400 دينار، يعني أننا لم يعد بمقدورنا العلاج بالمستشفيات الخاصة عالية التكلفة... كنا نأمل أن تتحسن الخدمة بالمستشفيات الحكومية، لكن الحال ظل كما هو بتلك المستشفيات التي ينقصها أطباء مدربون وبعض الأدوية»، تقول إيمان أبو سليم (اسم مستعار)، وهي ربة منزل، أربعينية، اضطررت للنزوح مع عائلتها من حي صلاح الدين، جنوب العاصمة، قبل عدة أشهر.
ولا تبتعد الصحافية ربيعة عمار، وهي أيضاً من سكان طرابلس، عن الرأي السابق، وتأكيد أن «الصدام العسكري الراهن عمّق أزمة الوضع الصحي بالبلاد، وبطرابلس تحديداً». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «المستشفيات العامة ينقصها فعلياً كثير من الأطباء ذوي الخبرة، نظراً لتدني الرواتب بها، وأيضاً نقص بعض الأدوية أحياناً، وعدم الحرص على التأكد من تعقيم المعدات الطبية كافة، بينما المستشفيات الخاصة أسعارها فلكية، ربما يكون العلاج بدول الجوار خياراً أقل تكلفة». وتضيف: «للأسف، لا يمكن للقطاعين (العام والخاص) حالياً تقديم الخدمة الطبية على النحو المطلوب، مع صعوبة الظروف الأمنية، ونقص الكوادر الطبية، نظراً لتخوفهم من الخروج من منازلهم أو العمل لساعات الليل المتأخرة، فضلاً عن زيادة عدد المحتاجين للعلاج، سواء مصابو القذائف العشوائية، وأصحاب الحالات المرضية المزمنة التي زادت حالتهم سوءاً بفعل النزوح والمبيت بأماكن مفتوحة». وتابعت عمار: «الصراع أدى إلى توقف كثير من الخدمات العامة كجمع القمامة، ما أدى إلى انتشار الجراثيم والفيروسات، وبالتالي نسبة الأمراض الصدرية».
ولم ينفِ الناطق باسم فرع الهلال الأحمر الليبي بطرابلس، أسعد جعفر، «ضعف الوضع الصحي بعموم البلاد، بما في ذلك العاصمة»، مشدداً على أن ذلك «لا يعني توقف المستشفيات عن العمل واستقبال المرضى». وأوضح جعفر لـ«الشرق الأوسط»: «أغلب المستشفيات تعمل ولديها جاهزية لاستقبال المرضى، لكن هناك حالات حرجة كثيرة جرى تسفيرها لدول الجوار، تحديداً تونس، لعدم توافر إمكانات علاجها بالداخل... هناك مستشفى واحد خرج عن الخدمة، هو ابن النفيس لعلاج السكري والغدد الصماء بطرابلس، بعدما تعرض للقصف بداية العام، وهناك مراكز صحية تتبع مركز الطب الميداني تم استهدافها أكثر من مرة، رغم تقديم بعثة الأمم المتحدة إحداثيات بمواقع تلك المستشفيات». ونوّه إلى أن «فرق الهلال الأحمر تجد صعوبة في استجابة طرفي الصراع لدعوات فتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين العالقين أو لسحب الجثث... أول من أمس، وبعد مرور 5 أيام، تمكننا من سحب جثة طفل ووالده من إحدى ضواحي جنوب العاصمة».
وفي إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن، أوائل الشهر الحالي، أشار المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، إلى وقوع عشرات الهجمات على مرافق الرعاية الصحية بالطائرات المسيّرة، ووثقت بعثة الأمم المتحدة ما لا يقل عن 58 هجوماً على الطواقم الطبية والمرافق الصحية خلال 2019.
حديث المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة الوفاق، فوزي ونيس، جاء مختلفاً، فقد شدد على أنه رغم صعوبة الأوضاع يمكن وصف الوضع الصحي بالعاصمة بأنه «جيد»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «نظراً للعدوان المستمر منذ 9 أشهر تم تجهيز غرف الطوارئ، وباتت الأطقم الطبية تعمل على مدار 24 ساعة، ويوجد مخزون كافٍ من مختلف أنواع الأدوية والمستلزمات الطبية، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة... بالطبع قد تحدث مشكلات يومية، خاصة بفصائل الدم النادرة، لكن الأمر بالعموم تحت السيطرة».
وعدّد ونيس الأضرار التي لحقت بالمراكز الطبية خلال الحرب، مشيراً إلى أنه «لم يخرج عن الخدمة بالقطاع الحكومي سوى مستشفى ابن النفيس و10 مراكز صحية تم قصفها من قبل القوات المعادية، فضلاً عن تضرر الجهة الجنوبية لمستشفى معيتيقة؛ حيث تم تدمير مخازن الأدوية بالكامل... إلى جانب استهداف كل من المستشفى الميداني بضاحية السواني، جنوب طرابلس، وكذلك المستشفى الميداني بمنطقة صلاح الدين، ودمر خلال تلك الأحداث أكثر من 15 سيارة إسعاف». وفي القطاع الخاص، ذكر أن «هناك مراكز وعيادات خاصة كثيرة خرجت عن الخدمة في مناطق عين زارة وصلاح الدين وطريق المطار بسبب القصف... أما المستشفى الإيطالي بمصراته فلا توجد به خدمات حالياً، بعد استهداف مقر الكلية الجوية المجاورة له». وتابع: «الخسائر امتدت للبشر، وقتل عدد كبير من الأطقم الطبية منذ أبريل الماضي، منهم أكثر من 10 أطباء، و7 من الممرضين، ومثلهم من المسعفين». ونفى المسؤول أي تقصير بالخدمة الطبية المقدمة لسكان طرابلس ومدن الغرب عموماً جراء تزايد طالبي الخدمة ما بين مدنيين ومقاتلين، موضحاً: «هذا ليس صحيحاً، وهناك مستشفيات تم تخصيصها بطرابلس ومصراتة لاستقبال المقاتلين... وكثير من المستشفيات الحكومية بدأ يعمل على مدار اليوم». وأضاف: «لدينا تعاون وتنسيق متميز مع كل من تونس وتركيا وألمانيا وإيطاليا... وكذلك مع منظمة الهلال الأحمر».
وطبقاً لتقرير صدر حديثاً عن «مكتب الشؤون الإنسانية» التابع للأمم المتحدة، فقد نزح أكثر من 140 ألف شخص منذ بدء الاشتباكات في أبريل الماضي.



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».