قلق مصري من «تسويف» إثيوبي في أزمة «سد النهضة»

أديس أبابا تقترح وساطة جنوب أفريقيا عشية اجتماع حاسم في واشنطن

TT

قلق مصري من «تسويف» إثيوبي في أزمة «سد النهضة»

وسط جو مشحون بالتوتر والخلافات المتصاعدة، يجتمع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا، اليوم، في مقر وزارة الخزانة الأميركية بواشنطن، بعدما فشلت الدول الثلاث في الاتفاق على آلية لملء خزان «سد النهضة» الإثيوبي.
وتعوّل مصر على انفراجة بوساطة أميركية، لتلافي الوصول إلى طريق مسدود يحمل معه مخاطر التصعيد واحتمالات الصدام، فيما سعت إثيوبيا أمس إلى الالتفاف على احتمالات تدخل واشنطن، باقتراحها وساطة أفريقية تقودها جنوب أفريقيا التي ستتولى رئاسة الاتحاد القاري العام المقبل.
وكثفت السفارة المصرية في واشنطن، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اتصالاتها مع الدوائر الأميركية والمؤسسات الدولية «لشرح خطورة الموقف، وتعنت الموقف الإثيوبي حيال المطالب العادلة التي تقدمت بها مصر في الاجتماعات السابقة»، بحسب مصادر مصرية.
وتستمر اجتماعات السد اليوم وغداً، قبل أن يلتقي وزير الخارجية المصري سامح شكري بعدد من المسؤولين الأميركيين والخبراء الدوليين للبحث عن سبل لتجنب الصدام مع إثيوبيا. وتتخوف مصر من التوصل خلال الاجتماع إلى «حلول رمادية»، مثل تمديد فترة المفاوضات أو الاضطرار إلى اللجوء إلى التحكيم أو وساطات دولية أو قارية، والعمل على إصدار قرار دولي بوقف بناء السد. وتعتقد القاهرة أن أديس أبابا ستستفيد من أي تسويف للاستمرار في استكمال مخططها لبناء السد، والسيطرة على مياه النيل الأزرق، وبالتالي تفرض الأمر الواقع، قبل أن تسفر الوساطات أو التحكيم الدولي عن نتائج حاسمة.
وخلف الأبواب المغلقة، لوحت القاهرة لواشنطن بأنها ستقوم بـ«رد قوي» إذا فشلت المفاوضات بشكل قاطع. وأشارت إلى الرأي العام المصري الغاضب، ومسؤولية الحكومة في الإصرار على الحصول على حقوق مصر المائية. وفي المقابل، أرسلت واشنطن رسائل طمأنة بإمكانية نزع فتيل الأزمة، والإصرار في هذه الاجتماعات على التوصل إلى حلول حاسمة. وقد يتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنفسه، في حال تعثر المفاوضات وتعذر التوصل إلى حلول، عبر دعوة رؤساء الدول الثلاث لاجتماع في واشنطن للتوصل إلى حل، وتجنب التصعيد.
وفي مقابل الموقف المصري، تشدد إثيوبيا خلال اتصالاتها مع الدوائر الأميركية على حاجتها الشديدة لتوليد الكهرباء من السد الذي يعد الأكبر في أفريقيا، لتنفيذ عدد من المشروعات التنموية. وبلغت كلفة السد الإثيوبي 4.6 مليار دولار، وقد اكتمل بناء نحو 70 في المائة منه.
كانت الجولة الرابعة (الأخيرة) ضمن آلية واشنطن، التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي، قد انتهت بالفشل، وبتبادل التصريحات الهجومية بين القاهرة وأديس أبابا، بعد اتهام إثيوبيا لمصر، في بيان رسمي الخميس الماضي، بتقديم تصور يقترح ملء خزان السد في فترة تتراوح بين 12 و21 عاماً.
وردت القاهرة ببيان شديد اللهجة، مساء الجمعة، اتهمت فيه إثيوبيا باتخاذ «موقف متعنت يحمل كثيراً من المغالطات والتضليل المتعمد والتشويه للحقائق، والاتجاه نحو بسط السيطرة على مياه النيل الأزرق، وملء وتشغيل سد النهضة من دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب، ومنها مصر». وقالت وزارة الخارجية المصرية إن نية إثيوبيا ملء خزان «سد النهضة» من دون قيد أو شرط، أو تطبيق قواعد تضمن حقوق دولة المصب «تخالف التزامات إثيوبيا القانونية، وفق الاتفاقات والمعاهدات الموقعة».
وطرح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمس، للمرة الأولى، مبدأ الوساطة مع مصر. وقال خلال مؤتمر صحافي مع رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، في بريتوريا: «يمكن لرئيس جنوب أفريقيا التوسط بيننا وبين مصر للوصول لحل، بصفته الرئيس المقبل للاتحاد الأفريقي». ورد رامافوزا بأن بلاده «مستعدة لأن تلعب دوراً لتسهيل الوصول لأي اتفاق. ويجب أن تكون هناك طريقة لحفظ المصالح».
وأثار مقترح إثيوبيا إدخال جنوب أفريقيا، واستبعاد واشنطن، الطرف المتداخل فعلياً في المفاوضات منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، علامات استفهام. وقال وزير الموارد المائية المصري الأسبق محمد نصر الدين علام لـ«الشرق الأوسط» إن «أديس أبابا تستهدف إطالة أمد المفاوضات، بإدخال طرف جديد لإهدار المزيد من الوقت، في حين أن الأولى هو الوساطة الأميركية».
وكانت الولايات المتحدة والبنك الدولي قد دخلا على خط المفاوضات كمراقبين، بعدما أعلنت مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي فشل المفاوضات الثلاثية الدائرة منذ نحو 9 سنوات في الوصول لحل. ووضع اجتماع في واشنطن، في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، جدولاً زمنياً للتوصل لاتفاق، ولكن فشلت 4 اجتماعات متتالية عقدت في القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، بحضور ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي، في الوصول إلى توافق حول قواعد ملء وتشغيل السد.
وفي حال فشل الدول الثلاث في الاتفاق، فمن المقرر «إحالة الأمر إلى الوساطة أو رؤساء الدول». وقال علام إن «واشنطن، باعتبارها قوة كبرى، تميل إلى وضع حد للأزمة، وعدم السماح لقوى أخرى بالتدخل»، متوقعاً «مد مهلة المفاوضات بطلب أميركي لبضعة أسابيع أخرى، أو إعلان فشلها، ودخول الولايات المتحدة كوسيط مباشر لحسم الأمر».
ونوه علام بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتأكيده حرص بلاده على حل الأزمة، وهو ما يتلاقى مع رغبة مصر بإسناد المهمة لواشنطن، بينما ترغب إثيوبيا في إدخال أطراف أخرى «لمزيد من التسويف والمماطلة»، بحسب الوزير المصري الأسبق.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.