«المرونة المناخية»... الأولوية للبشر لا للحجر

البراعة البشرية سوف تسهم في تنظيم استهلاك رشيد لموارد البيئة كما أسهمت في تدميرها

«المرونة المناخية»... الأولوية للبشر لا للحجر
TT

«المرونة المناخية»... الأولوية للبشر لا للحجر

«المرونة المناخية»... الأولوية للبشر لا للحجر

من بين ملايين الأجناس الحيّة التي تعيش على كوكب الأرض، يعتبر الإنسان العاقل أكثرها مرونة. ومنذ التطوّر الأوّل الذي شهدته البشرية في القارّة الأفريقية قبل نحو 200 ألف عام، بنى الإنسان لنفسه مساكن في كلّ زاوية في هذا العالم: من أعماق القطب الشمالي الكندي إلى الصحراء الأسترالية الملتهبة.
- نهب العالم الطبيعي
نجح البشر في التعايش مع هذه التغيرات الجامحة في مناخ الأرض بفضل مهارتهم العالية في تغيير محيطاتهم بما يتناسب مع حاجاتهم. ولكنّهم لتحقيق هذه الغاية، فإنهم نهبوا العالم الطبيعي. ففي السنوات الـ250 الماضية، تسارعت وتيرة النهب بعد أن عمد البشر إلى استخراج المزيد من موارد الطاقة على الكوكب واستغلّوها بشكل متزايد لتلبية احتياجات أساليب حياتهم المريحة.
وبسبب هذا الاستغلال، ساهم البشر في تغيير وجه الكوكب أكثر بكثير مما تخيّل أجدادهم يوماً. وفي حال بقيت معضلة التغيّر المناخي الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري دون حلّ، ستصبح مواطن ملايين البشر غير قابلة للحياة. وأخيراً، بدأ البشر يكتشفون حدود مرونتهم، وللخروج من أزمة المناخ التي نعيشها، نحتاج إلى رسم مشهد جديد للتعامل مع التهديدات الكبرى التي تضع استمرار العرق البشري على المحكّ.
- التكيّف لا يكفي
عندما يواجه البشر تهديداً آنياً، فإنهم يسارعون غالباً إلى حماية أغلى ما يملكون. فعندما يشتعل منزل إحدى العائلات، يسارع مالكوه إلى إنقاذ أغلى ممتلكاتهم. هذا الأمر يسري على مدننا ومجتمعاتنا البشرية التي بنيناها والتي باتت اليوم معرّضة للفيضانات، والجفاف، والأعاصير المدمّرة، كنتيجة للتغيّر المناخي.
في أعقاب إعصار «ساندي»، الذي شلّ جزءا من مترو الأنفاق في مدينة نيويورك عام 2012 اقترح قادة المدينة استثماراً بقيمة 20 مليار دولار لبناء جدار بحري حول أطراف الجزيرة. وفي قلب الحرائق المتفاقمة، تخطّط منشأة «بي جي آند إي». المفلسة للطاقة في كاليفورنيا لدفن (بدل رفع) 322 كلم من الأسلاك الكهربائية في أحياءٍ أعيد بناؤها على رماد حريق «بارادايز» القاتل.
وفي ظلّ الاستعدادات القائمة للتغيّر المناخي، تدخل هذه الأفعال في إطار التكيّف أي أنها مساع لإنقاذ المجتمعات البشرية والبنى التحتية من تأثيرات التغيّر المناخي.
صحيح أنّ هذه الإجراءات التكيّفية قد تساهم في تهدئة المخاوف في الوقت الحالي، ولكنّها لا تعالج جذور المشكلة. وقد يحمي الجدار البحري منطقة صغيرة من ارتفاع مستوى مياه البحر، ولكنّه لن يغيّر الاحتمال المتنامي لحصول فيضانات ضخمة حول العالم. وقد يساهم دفن الأسلاك الكهربائية في تقليص خطر اشتعال خطوط الطاقة خلال الحرائق، ولكنّ المحيط لن ينجو من خطر الاشتعال الناتج عن الجفاف المستمرّ.
ولن تتغيّر هذه الوقائع إلّا في حال اتفقنا جميعنا على تخفيف الانبعاثات لتفادي أسوأ تأثيرات التغيّر المناخي. ويشدّد جون ستيرنمان، الأستاذ المحاضر في ديناميكيات النظم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنّ «المضي بالتكيّف دون تغيير لن يجدي نفعاً».
- البراعة البشرية
> تنظيم الموارد. وبدل تطويع بيئاتنا بما يتناسب مع حاجاتنا، حان الوقت لقلب الطاولة واستغلال البراعة البشرية التي أدّت إلى التغيّر المناخي في تنظيم استهلاكنا بناءً على ما تستطيع بيئاتنا المحيطة توفيره على المدى البعيد والمستدام.
يستخدم ستيرنمان مثال المنزل المحترق، فيقول إنّ الناس سيرون غالباً صورة رجل إطفاء ينقذ صبياً صغيراً من بناء محترق على الصفحة الأولى لإحدى الصحف، ولكنّهم لن يروا بالطبع صورة مهندس وضع قوانين بناء تقي مئات الأبنية من نيران الحرائق. يعتبر الأستاذ المحاضر بديناميكيات النظم أنّ «شجاعة رجل الإطفاء تستحقّ التهليل، ولكنّ الأكيد أنّ المهندس أنقذ عدداً أكبر من الأرواح».
> هندسة استمرار العرق البشري. في مواجهة التغيّر المناخي، يجب وضع الجهود الهندسية في الطليعة لنتمكّن من إنقاذ عدد أكبر من الأرواح من خلال نظم طاقة تحدّ من الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري وتخفّف (وحتّى تلغي) انبعاثات الكربون في الجوّ.
لنتحدّث مثلاً عن جزيرة بورتوريكو التي وصلت إلى حالة يرثى لها بعد إعصار ماريا الذي ضربها قبل عامين. غرقت الجزيرة في الظلام بسبب انقطاع في الكهرباء صُنّف كثاني أسوأ حالة انقطاع للطاقة في العالم. وعند إعادة إعمار البنى التحتية في الجزيرة، فضّل الكثيرون اعتماد خيارات أكثر نظافة ومرونة كالطاقة الشمسية والبطاريات.
يؤكد الوضع الحالي للتغيّر المناخي أنّ بورتوريكو ستبقى معرّضة للأعاصير المدمّرة التي لا تقلّ قوّة عن «ماريا». لذا، فإنّ الشبكات المصغّرة الجديدة لن تساهم في تخفيف انبعاثات الكربون فحسب، بل ستضمن أيضاً استمرارية تأمين الأنظمة الغذائية والصحية في مواجهة الكوارث الطبيعية.
يعتبر التغيير الذي شهدته بورتوريكو صورة عن ما وصفه ستيرنمان بـ«الحلّ المتعدّد». فبينما تحقّق نظم الطاقة الجديدة في الجزيرة الهدف الأساسي المتمثّل بخفض انبعاثات الكربون، تساهم أيضاً في التكيّف مع التهديد المستمرّ للتغيّر المناخي.
> أولوية الإنسان. من جهته، يقول فريديريكي أوتّو، مدير معهد التغيّر البيئي التابع لجامعة أكسفورد، إنّ «الطريقة الوحيدة لوضع معالجة حقيقية للتغيّر المناخي هي وضع الناس في الأولوية، وليس الممتلكات والبنى التحتية ورأس المال. ففي حال كان معيار النجاح يتمحور حول سلامة واستمرار البشرية، سيسهل علينا أن نخرج بحلول رابحة على جميع الصعد، أي تلك الحلول التي تجمع التكيّف والتخفيف».
- الاقتصاد بالطاقة
تشير إحصاءات منظّمة الصحة العالمية إلى أنّ تلوّث الهواء يتسبب بوفاة ملايين الأشخاص سنوياً، ما يعني أنّ تخفيفه سيساهم في تحسين صحّة الناس وتقليص تكاليف الصحة العامّة. ولكنّ تخفيف تلوّث الهواء يتطلّب أيضاً تقليص استهلاك الوقود الأحفوري، الذي يؤدي بدوره إلى تخفيف انبعاث غازات الدفيئة.
توجد أمثلة أخرى تطرحها مبادرات حكومية وخيرية في المملكة المتّحدة والولايات المتحدة ونيوزيلندا. في هذه البلاد، لا يستطيع الناس تحمّل تكاليف التدفئة المطلوبة في فصول الشتاء الباردة. لذا، تساهم هذه المبادرات في تحديث منازل هؤلاء الأشخاص عبر تزويدها بوسائل فعّالة على صعيد الطاقة كعزل الأسقف وتعزيز سمك النوافذ. والنتيجة: تكلفة التحديثات أقلّ بكثير من الأموال التي يدفعها السكان على فواتير أنظمة التدفئة التقليدية.
تبدو هذه الإجراءات التكيّفية مختلفة عن التغييرات التي تطال البنى التحتية كالجدران البحرية وخطوط الطاقة المدفونة في الأرض، لأنّها تلبّي حاجات متعدّدة في وقت واحد. يقول أوتّو إنّه «لا يمكننا معالجة مشاكل حياتية حقيقية كالتغيّر المناخي من خلال حلّ أجزاء وقطع من المشكلة». وفي مواجهة أزمة المناخ الطارئة والمتنامية، تتطلّب المرونة الحقيقية، والتي تتجلّى في استمرارية الكائنات الحيّة، خيارات صعبة تتراوح بين قصيرة الأمد كالتكيّف وأخرى طويلة الأمد كالتخفيف، أو البراعة البشرية في تطبيقهما مع بعضهما.
أمّا في حال فشلت جهودنا، فيبقى للبشرية اللجوء إلى أقصى أنواع التكيّف تطرّفاً، أي التراجع المنظّم.
في الوقت الحالي، ستعيد بورتوريكو بناء ما تهدّم رغم علمها بأنّ الأعاصير ستستمرّ في ضرب سواحلها. ولكنّ في مواجهة بعض الكوارث المناخية، قد نضطرّ إلى كبح نزعتنا لحماية المباني التي بنيناها والمدن التي نعيش فيها. بمعنى آخر، قد نضطرّ إلى التنازل عن إعادة إعمار بلدة تهدّمت جرّاء حريق عنيف لأنّ المنطقة معرّضة لحرائق أخرى مماثلة، أو التخلّي عن خطط بناء الجدران البحرية وترك بعض المدن تنغمر لصالح بناء مجتمعات مستدامة في الداخل.
على المدى البعيد، لن تتمحور المرونة في مواجهة التغيّر المناخي حول قدرة منازلنا ومدننا على الصمود في وجه التغيرات الجويّة، بل حولنا نحن: مرونة البشر في مواجهة هذا التغيير. وكما فعل أجدادنا، يمكننا أن نتعلّم من جديد كيفية إدارة حاجاتنا بالتوافق مع محيطنا، أو ببساطة، المضي قدماً في حال اضطررنا لذلك.
- «كوارتز»
خدمات «ميديا تريبيون»


مقالات ذات صلة

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

الاقتصاد استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، الذي اختتم أعماله مؤخراً بالرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
بيئة بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

بعد 30 عاماً من السكون... أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك نحو الشمال

يتحرك أكبر جبل جليدي في العالم مرة أخرى بعد أن حوصر في دوامة طوال معظم العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

لا تزال المداولات مستمرة في الساعات الأخيرة قبل اختتام مؤتمر «كوب 16» المنعقد بالرياض.

عبير حمدي (الرياض)
العالم «النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

«الشرق الأوسط» (جنيف )

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا
TT

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

تطبيقات طب الأسنان عن بُعد: مستقبل واعد للتكنولوجيا

أوجد التطور الهائل في السنوات العشر الأخيرة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الكثير من الفرص التي توفر فرصة رائعة لتحويل مجال طب الأسنان بشكل كامل.

طب الأسنان عن بُعد

«طب الأسنان عن بُعد» هو مصطلح جديد نسبياً يربط بشكل كبير بين مجالي الاتصالات وطب الأسنان. وبفضل التطور الهائل في التكنولوجيا، يمتلك طب الأسنان عن بُعد القدرة على تغيير عمليات رعاية الأسنان بشكل جذري. وإذا ما تم إدخال الذكاء الاصطناعي مع هذا التطور فإنه سيكون نقلة هائلة في مجال خدمات طب الأسنان.

في عام 1997، قدم الدكتور جيمس كوك (استشاري تقويم الأسنان من مستشفى برستول في بريطانيا) مفهوم «طب الأسنان عن بُعد» الذي عرَّفه على أنه «ممارسة استخدام تقنيات الفيديو للتشخيص وتقديم النصائح بشأن العلاج عن بُعد». ويتيح هذا التخصص الجديد لأطباء الأسنان تقديم نوع جديد من الرعاية لمرضاهم من خلال وسائل الاتصال والتكنولوجيا الإلكترونية، مما يتيح الوصول التفاعلي إلى آراء المتخصصين دون أن تكون المسافات عائقاً.

وقد شهدت فترة جائحة كورونا ما بين عامي 2020 و2022 ازدهار مثل هذه التقنية بسبب التباعد الاجتماعي وإغلاق عيادات طب الأسنان، إذ كانت تقريباً 90 في المائة من خدمات طب الأسنان تقدَّم من خلال طب الأسنان عن بعد باستعمال وسائل الاتصال الفيديو التصويري.

استشارة الاختصاصيين في المستشفيات

مكَّن التطور الهائل في الاتصالات المرئية والفيديو من أن تقوم عيادات طب الأسنان المختلفة بالتعاقد مع كبرى مستشفيات طب الأسنان وكليات ومعاهد طب الأسنان لعرض بعض حالات أمراض الفم والأسنان المعقدة عبر طب الأسنان عن بُعد على كبار أساتذة طب الأسنان في العالم لأخذ المشورة والرأي السديد في صياغة خطة العلاج بحيث يضمن أفضل خدمة طب أسنان لمرضى هذه العيادات.

نجاحات في المناطق النائية

في المناطق النائية، يعاني السكان من نقص في أطباء الأسنان المتخصصين والرعاية الشاملة للأسنان، إذ أثبت تقرير وضع صحة الفم في العالم لعام 2022 الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية أن العالم العربي يعاني من نقص شديد في خدمات طب الأسنان في المناطق الريفية والقرى، لذا يلعب طب الأسنان عن بُعد دوراً مهماً في توفير إمكانية الوصول إلى المتخصصين لأولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية مع توفر كل أنواع الاتصالات المرئية فيها، مما يقلل من الوقت والتكلفة للاستشارات. يمكن لتغيير طريقة تقديم الخدمة أن يؤثر بشكل إيجابي في جدوى الممارسة في المناطق الريفية، حيث يساعد على تقليل العزلة عن الأقران والمتخصصين. ويؤدي إلى رفع مستوى صحة الفم والتقليل من انتشار أمراضه خصوصاً تسوس الأسنان وأمراض اللثة التي تشهد ارتفاعات كبيرة في هذه المناطق النائية، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

تطبيقات في التعليم الطبي

لعب طب الأسنان عن بُعد، دوراً مهماً في التعليم الطبي من خلال وسائل التعليم الذاتي والمؤتمرات الفيديوية. ويوفر النظام التعليمي عبر الإنترنت معلومات خُزنت في الخوادم الإلكترونية حتى قبل وصول المستخدم إلى البرنامج. يتمتع المستخدم بسلطة التحكم في سرعة البرنامج ويمكنه مراجعة المادة التعليمية عدة مرات حسب رغبته. وقد ازدهرت هذه التطبيقات أكثر خلال جائحة كورونا وعندما جرى اكتشاف الفوائد الكبيرة لهذه التقنيات في تعميق التعليم الطبي عن بُعد واستفادة أضعاف الأعداد من طلبة طب الأسنان وأطباء الأسنان تم الاستمرار في تطوير هذه التطبيقات بشكل كبير. كما ازدهرت في تخصصات طب الأسنان، إذ يمكن أن يكون طب الأسنان عن بُعد أداة قوية لتعليم الطلاب الذين يواصلون دراساتهم العليا ومساعدتهم في الحصول على تحديثات مستمرة في مجال تخصصات طب الأسنان المختلفة، وهكذا جرى تطوير برامج الاتصال المرئي مثل «زووم» و«تيمس» و«مايت» لتكون قنوات مهمة للتطوير المهني لأطباء الأسنان لتخصصهم الدقيق في مختلف تخصصات طب الأسنان. ويمكن عقد جلسات الفيديو لمناقشة تفاصيل المرضى والتفاعل بين المعلم والطلاب، مما يوفر فرصاً جديدة للتعلم. هذا النوع من التعليم يتيح للطلاب الاستفادة من خبرات المتخصصين بغض النظر عن المسافات.

في المدارس ومراكز رعاية الأطفال

يجب إنشاء نماذج لاستخدام طب الأسنان عن بُعد في المدارس ومراكز رعاية الأطفال لزيادة الوصول إلى رعاية الأسنان للأطفال. وتلعب هذه المؤسسات دوراً حيوياً في ضمان صحة الفم المثلى للأطفال من خلال الكشف المبكر عن مشكلات الأسنان وإدارة الأمراض المزمنة وتوفير الرعاية العاجلة. وقد استخدم أطباء الأسنان في جامعة روتشستر صور الأطفال الصغار لتحديد حالات تسوس الأسنان المبكرة، مما يساعد على تجنب الألم والصدمة المالية والزيارات الطارئة للعيادات. ولعل مدارسنا ومعاهد الأطفال في عالمنا العربي في أمسّ الحاجة لمثل هذه التطبيقات حيث يعاني أكثر من 90 في المائة من الأطفال العرب من تسوس الأسنان، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2022.

دخول الذكاء الاصطناعي

في السنوات المقبلة، يُتوقع أن تُحدث التطورات في مجال الاتصالات تغييرات مثيرة تمكّن من الوصول إلى رعاية الأسنان للجميع. ومع ذلك، فإن نجاح طب الأسنان عن بُعد يتطلب حل كثير من القضايا مثل الترخيص بين الدول، والأخلاقيات، والأمان التكنولوجي. وقد تمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير هذه التقنية من خلال التطورات التالية:

- التشخيص: الذكاء الاصطناعي يحلل الصور الشعاعية بسرعة وبدقة.

- الرعاية الشخصية: الذكاء الاصطناعي يخلق خطط علاج مخصصة ويتنبأ بالمشكلات المستقبلية.

- المساعدات الافتراضية: الذكاء الاصطناعي يتعامل مع الاستفسارات الروتينية وجدولة المواعيد.

- التعليم: الذكاء الاصطناعي يوفر تدريباً متقدماً للمهنيين وتعليمات شخصية للمرضى.

- إدارة البيانات: الذكاء الاصطناعي ينظم السجلات ويؤمن البيانات.

- المراقبة عن بُعد: الذكاء الاصطناعي يتابع صحة الأسنان عن بُعد عبر الأجهزة.

الوصول: الذكاء الاصطناعي يُحسن الوصول إلى الرعاية السنية، خصوصاً في المناطق النائية.

قيود وتحديات طب الأسنان عن بُعدرغم الفوائد الكثيرة، يواجه طب الأسنان عن بُعد عدة تحديات تشمل:

- الترخيص بين الدول: تحتاج الممارسات التي تستخدم طب الأسنان عن بُعد إلى ترخيص لمزاولة المهنة في أي جزء من البلد.

- الأمان والخصوصية: يتعين على الأطباء اتخاذ جميع الإجراءات لحماية بيانات المرضى باستخدام تقنيات التشفير وكلمات المرور.

- التقبل العام: يحتاج طب الأسنان عن بُعد إلى قبول واسع من المرضى ومقدمي الخدمات الطبية ليصبح جزءاً من النظام الصحي.

وعلى الرغم من استخدام الطب عن بُعد منذ سنوات كثيرة، فإن استخدامه في مجال طب الأسنان في العالم العربي ما زال محدوداً رغم الحاجة الماسة إلى ذلك.

يُتوقع أن يصبح طب الأسنان عن بُعد جزءاً أساسياً من رعاية صحة الفم في المستقبل القريب، مما يوفر حلاً مشجعاً للسكان المعزولين الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى نظام الرعاية الصحية في صحة الفم بسبب بُعد المسافة أو عدم القدرة على السفر أو نقص مقدمي الرعاية الصحية.