لأول مرة منذ 2003... تطابق وتفهم بين بغداد وأربيل

عبد المهدي بحث مع قادة إقليم كردستان قضايا خلافية حساسة

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مستقبلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي في مطار أربيل أمس (أ.ف.ب)
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مستقبلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي في مطار أربيل أمس (أ.ف.ب)
TT

لأول مرة منذ 2003... تطابق وتفهم بين بغداد وأربيل

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مستقبلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي في مطار أربيل أمس (أ.ف.ب)
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مستقبلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي في مطار أربيل أمس (أ.ف.ب)

أكد رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي، أمس، أن بلاده لا تريد عداء مع الولايات المتحدة، وذلك خلال لقائه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، في أول زيارة له إلى أربيل، كبرى مدن كردستان العراق، منذ تسلمه منصبه قبل نحو 15 شهراً.
وأشار بيان صادر عن مكتب عبد المهدي إلى أن الأخير ناقش مع بارزاني مختلف القضايا المتعلقة بالعلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم «وحق التظاهر السلمي، وتداعيات الأزمة الحالية في المنطقة، ومسألة وجود القوات الأجنبية».
وأكد البيان الذي أوردته وكالة الصحافة الفرنسية أن رئيس الوزراء لفت إلى أن «الأزمة الحالية خطيرة، وتتطلب التعاون والتنسيق وسد كل الثغرات التي يمكن أن يستغلها (داعش) في هذه الظروف».
وصوت البرلمان العراقي، الأحد الماضي، على قرار يفوّض الحكومة بالعمل على إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، وذلك في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني في بغداد.
وشدد عبد المهدي على «أننا منذ البدء، قررنا إقامة علاقات متوازنة، وعدم الدخول في سياسة المحاور والعقوبات، وأقمنا علاقات تعاون جيدة مع جميع دول الجوار، ولا نريد عداءً مع أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة، وحفظ مصالح وسيادة بلدنا، وعدم التدخل بشؤونه الداخلية».
ورغم أن ذلك الحدث وضع الجميع على أهبة الاستعداد، من الفصائل الموالية لإيران وصولاً إلى السلطات الاتحادية، بقي إقليم كردستان الذي يدين بحكمه الذاتي للولايات المتحدة بموقع المراقب.
وقال بارزاني، بحسب البيان نفسه، إن الأكراد «مع أي قرار يحفظ مصلحة واستقرار وأمن وسيادة العراق، وتجنيبه المخاطر المستقبلية». وشدد بدوره على ضرورة أن يكون العراق «نقطة سلام، وفي منأى عن الصراعات، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية».
وقال مصدر حكومي عراقي قريب من جو المباحثات التي أجراها عبد المهدي إن «جو المباحثات كان جيداً مريحاً، وقد فوجئ الوفد الحكومي بموقف الإقليم الذي بدا بين متطابق مع وجهة نظر الحكومة في كثير من المسائل المهمة، أو متفهم لها، حتى مع وجود ملاحظات».
وقال المصدر الحكومي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إن «القيادة الكردية أبدت تفهماً حيال أمور أساسية، مثل الانسحاب الأميركي، أو غيرها من النقاط التي تبدو خلافية، لكن هناك شعوراً لدى الجميع بأهمية النظر إلى مستقبل العراق».
وحول الهدف الرئيسي للزيارة، يقول المصدر الحكومي إنه «بعد الأحداث الداخلية والإقليمية، كان من الضروري أن يجري التشاور مع القيادات الكردية في الملفات الحساسة المشتركة، ومن بينها الأمن والوضع الداخلي، والأزمة الإقليمية وتداعياتها، وقرار الانسحاب الأميركي الذي اتخذه البرلمان العراقي».
وأجرى عبد المهدي كذلك مباحثات وصفت بـ«البناءة» مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني.
وأعلنت حكومة إقليم كردستان تفاصيل اجتماع رئيسها مسرور بارزاني مع عبد المهدي. وقال بيان لحكومة الإقليم، أرسلت نسخة منه إلى «الشرق الأوسط»، إنه «خلال الاجتماع بين الجانبين، جرى تسليط الضوء على آخر المستجدات في العراق والمنطقة، والعلاقات بين الجانبين».
وقال عبد المهدي، خلال الاجتماع: «هناك أساس جيد للتفاهم ولحل المشكلات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، وثمة فرصة لحل المشكلات كافة، وبما يصب في مصلحة العراقيين جميعاً».
ومن جانبه، شدد رئيس حكومة إقليم كردستان على «ضرورة حسم جميع المشكلات العالقة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، عبر تطبيق الاتفاقات المبرمة بين الجانبين»، وأوضح أن «تنفيذ ذلك يحتاج إلى قرار وإرادة حازمة وجدية ليتم البت في جميع القضايا الخلافية»، مشيراً إلى أن تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديداً جدياً على العراق، ولا بد من زيادة التنسيق بين الجانبين، بمساعدة التحالف الدولي. وأكد الجانبان، بحسب البيان، أهمية النأي بالعراق عن الصراعات الخارجية، كما تم التشديد على ضرورة أن تكون للبلاد علاقات متوازنة مع الجميع.
وأكد جوتيار عادل، الناطق الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الزيارة التي قام بها الدكتور عادل عبد المهدي إلى الإقليم تعد زيارة مناسبة في وقت مناسب جداً لكلا الطرفين، وذلك لجهة الملفات التي ينبغي بحثها من قبل الطرفين»، مبيناً أن «الجانبين بحثا مختلف الجوانب التي تهم العلاقة الثنائية بين بغداد وأربيل، ومنها الموازنة، فضلاً عن أنها من جانب آخر استكمال لمباحثات سابقة جرى استكمالها، بالإضافة إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، وبالذات الأزمة الإقليمية الراهنة». وأضاف أن «المباحثات بشأن الموازنة تم اتخاذ خطوات جيدة بشأنها، حيث تم تأكيد أهمية التزام الحكومة، سواء كانت الحالية أم المقبلة، بالاتفاق الخاص بالموازنة، لما له من أهمية بالغة، من وجهة نظرنا».
وأوضح الناطق باسم حكومة الإقليم أنه «جرى تأكيد أهمية استقلالية القرار العراقي حيال كل القضايا المطروحة. وكان هناك تطابق في وجهات النظر حيالها، حيث تم التركيز على أن تكون العلاقة بين المركز والإقليم علاقة ثقة متبادلة لصالح الطرفين». ورداً على سؤال حول قرار الانسحاب الأميركي من العراق، يقول عادل إن «البرلمان العراقي أصدر قراراً بهذا الشأن، وكان لنا -وما زال- رأي في هذا الموضوع، حيث إننا نرى أن القرار تم اتخاذه تحت وطأة العواطف والتسرع، وقد ثبتنا ذلك بوضوح، لكنه في النهاية أصبح قراراً، ما دام قد صدر بالأغلبية»، مشيراً إلى أن «رؤية إقليم كردستان تقوم على أساس أن قرارات من هذا النوع تحتاج إلى وقت، فضلاً عن أننا نرى أن التحالف الدولي لا يزال يمثل حاجة لدينا لأن خطر (داعش) لا يزال قائماً».
وبشأن ملف اختيار الحكومة المقبلة، أكد الناطق باسم حكومة الإقليم أن «رئيس الوزراء الحالي لا يتحمل مسؤولية ما حصل، بصفته تراكم تركات، وأسبابه واضحة، وأبرزها عدم الالتزام بالدستور. وبالتالي، فإن وجهة نظرنا تقوم على أساس أن يكون رئيس الوزراء القادم يحظى بالمقبولية من قبل الجميع، وأن يلتزم بالدستور حتى لا تتكرر الأخطاء نفسها».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.