روسيا فرضت شروطها... ودول غربية تراجعت

TT

روسيا فرضت شروطها... ودول غربية تراجعت

عكس تصويت مجلس الأمن الدولي، الجمعة، على تمديد التفويض لعملية تسليم مساعدات إنسانيّة للسوريين، عبر الحدود، تعزيز روسيا لموقفها وشروطها على حساب الدول الغربية التي قدمت سلسلة تنازلات، منذ نهاية العام الماضي، وصولاً إلى إقرار القرار مساء أول من أمس.
ومع انتهاء مدّة هذا التفويض ساري المفعول منذ عام 2014، من دون موافقة دمشق، مساء الجمعة، جرى اعتماد نص يمدد التفويض لـ6 أشهر، حتى 10 يوليو (تموز)، على أن تمر المساعدات عبر منفذين عند الحدود التركية. وهذا ما طالبت به موسكو منذ نهاية العام الماضي.
وفي 20 ديسمبر (كانون الأول)، انتهى اجتماع مجلس الأمن على خلافٍ بين أعضائه الـ15 بعد «فيتو» مزدوج من جانب الصين وروسيا، اللتين رفضتا اقتراحاً أوروبياً يقضي بتمديد عمليّة تسليم المساعدات، لمدّة عام، عبرَ 3 نقاط دخول؛ اثنتان في تركيا وواحدة في العراق.
حينذاك، قدّمت روسيا - التي أرادت أن يتمّ الاعتراف باستعادة دمشق السيطرة على الأراضي السورية - نصاً لم يحصل على غالبيّة الأصوات الـ9 اللازمة من أصل 15، لكي يتمّ اعتماده. ولم ينصّ الاقتراح الروسي سوى على نقطتَي دخول مِن الحدود التركيّة، وعلى تفويضٍ محدّد لمدّة 6 أشهر.
وبعد أسبوع من التفاوض، الذي لم يُحقّق تقدّماً، اقترحت ألمانيا وبلجيكا على مجلس الأمن نصّاً يقترب من الموقف الروسي، من دون أن يتطابق معه.
وهدف الاقتراح إلى الحفاظ على 3 نقاط عبور حدوديّة؛ اثنتان منها مع تركيا، وواحدة مع العراق. وتراجعت الدولتان المعدّتان للنص عن طلبٍ بتحديد مدّة التفويض بعام، واكتفتا بتمديد لـ6 أشهر حتّى 10 يوليو.
وعلى غرار ما حصل ديسمبر (كانون الأول)، طرحت روسيا على طاولة المجلس اقتراحاً مضاداً، مكرّرة طلبها عدم السماح سوى بنقطتَين فقط مع تركيا، ولمدّة 6 أشهر حصراً.
ويجدّد النصّ الروسي الترتيبات التي اتُّخِذت عام 2014 «مع استثناء معبرَي اليعربية (العراق) والرمثا (الأردن) لمدة 6 أشهر، حتّى 10 يوليو 2020».
وفي حين أنّ معبر الرمثا لم تعد الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تستخدمه منذ فترة طويلة، فإنّ لمعبر اليعربيّة مع العراق أهمية خاصّة، حسب دبلوماسيين غربيين، من أجل توصيل مساعدات طبية إلى السوريين، في وقت ما زالت السلطات السورية ترفض حتّى الآن دخول قوافل طبية عبر دمشق.
وتقع نقطتا العبور مع تركيا في باب السلام وباب الهوى.
وقال عدد من الدبلوماسيين إنّ الأمر مع روسيا «معقَّد»، مشيرين إلى المفاوضات المكثّفة التي جرت في ديسمبر (كانون الأول)، وتلك التي جرت منذ أسبوع. وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين، إن الروس، المؤيّدين الرئيسيين للنظام السوري، هم «في موقع قوّة»، ويعتبرون أنّ التفويض عبر الحدود هو «اعتداء على السيادة، وهذا واقع».
وتولّى 5 أعضاء جدد غير دائمين (فيتنام وسانت فِنسنت وجزر غرينادين وتونس والنيجر وإستونيا) مهمّاتهم في الأوّل من يناير (كانون الثاني). وبوجود عدد من هذه الدول، تتمتّع روسيا بفرصة أفضل للحصول على 9 أصوات لتمرير نصّها.
والخميس، تساءل العديد من الدبلوماسيين ما إذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا، وحتى فرنسا، ستذهب إلى حدّ استخدام حقها في النقض لمواجهة موسكو بشأن نصّ ذي طابع إنساني، الأمر الذي لم يحصل.
ويستفيد من المساعدات عبر الحدود ملايين السوريين، بينهم نحو 3 ملايين في منطقة إدلب بشمال غربي سوريا، آخر معقل للمعارضة والمجموعات الجهادية، وحيث اشتدت المعارك والقصف خلال الأسابيع الأخيرة.
وبعد سلسلة من التنازلات من دول غربيّة، منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول)، تمّت المصادقة على تمديد تسليم المساعدات بغالبيّة 11 صوتاً وامتناع روسيا والصين والولايات المتّحدة وبريطانيا عن التصويت.
وأعربت بلجيكا وألمانيا وفرنسا عن أسفها لـ«تقليص نطاق» الترخيص. وقال سفير بلجيكا لدى الأمم المتّحدة مارك بيكتسين: «يحتاج 11 مليون سوري إلى مساعدة إنسانيّة». وكي تُبّرر قرار بلادها الامتناع عن التصويت، قالت نظيرته الأميركيّة كيلي كرافت، إنّه مع هذا القرار الذي تبنّاه مجلس الأمن، فإنّ هناك «سوريين سيموتون»، فيما قالت السفيرة البريطانية كارين بيرس، «إنّ هذه استجابة غير كافية بالنسبة إلى الشعب السوريّ».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».