روسيا تحصر قرار مساعدة ملايين السوريين بمعبرين لستة أشهر

الغرب وافق على شروط موسكو تجنباً لـ«فيتو» يعطل كل الجهود الإنسانية

TT

روسيا تحصر قرار مساعدة ملايين السوريين بمعبرين لستة أشهر

توصل أعضاء مجلس الأمن، بعد مفاوضات شاقة وطويلة، إلى تسوية على مشروع قرار معدل أعدته بلجيكا وألمانيا بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ولكنه يأخذ في الاعتبار شروط روسيا، من خلال تقليص عمليات إيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين المحتاجين إلى نقطتين حدوديتين بدلاً من أربع، بالإضافة إلى تقليص هذا التفويض من 12 شهراً إلى ستة أشهر.
وعقب جولات عدة من المفاوضات داخل أروقة الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن، وعبر العواصم، صوت أعضاء مجلس الأمن بغالبية 11 صوتاً مع امتناع 4 دول عن التصويت على القرار الذي أُعطي الرقم «2504»، ووافقت الدول الغربية على الشروط الروسية لأن «معبرين للمساعدات عبر الحدود التركية - السورية أفضل من لا شيء بالنسبة إلى ملايين السوريين الذي يعتمدون بشدة على هذه القنوات للحصول على الأغذية والمياه والأدوية والوقود الضرورية للبقاء على قيد الحياة في ظل أوضاع إنسانية بالغة السوء، وطقس شديد البرودة في موسم الشتاء»، وفقاً لما قاله دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» قبيل التصويت على مشروع القرار.
وجرى التوصل إلى الصيغة التوافقية، بعدما رفضت موسكو النص الأولي وتعديلات عدة لمشروع القرار الألماني - البلجيكي، الذي كان ينصّ على إدخال المساعدات عبر ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة: «باب السلام» و«باب الهوى» على الحدود التركية - السورية، و«اليعربية» على الحدود العراقية - السورية، ولمدة ستة أشهر تنتهي في 10 يوليو (تموز) المقبل. ولكنه لا يُسمح بمواصلة استخدام معبر الرمثا على الحدود السورية - الأردنية. ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يجري في غضون ستة أشهر مراجعة مكتوبة مستقلة حول عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود والجبهات، بما في ذلك الحاجة إلى السماح مجدداً باستخدام معبر الرمثا. ويغير النص مدة الولاية من 12 شهراً إلى ستة أشهر. وكان مشروع القرار السابق الذي أعدته ألمانيا وبلجيكا والكويت حصل في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2019 على 13 صوتاً مؤيداً، غير أن الصين وروسيا استخدمتا حق النقض (الفيتو) لإسقاطه.
وجرى تقديم مشروع القرار قبل ساعات فحسب من انتهاء التفويض السابق عند منتصف ليل الجمعة - السبت بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وأنشأت الأمم المتحدة آلية إيصال المساعدات عبر الحدود بقرار «2165» لعام 2014. ثم جرى تجديدها أخيراً حتى 10 يناير (كانون الثاني) 2020 بموجب قرار «2449» الذي اتخذ في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وقبل هذه التسوية، قدمت روسيا مشروع قرارها المضاد الذي يحصر إرسال المساعدات في معبري باب السلام وباب الهوى مع تركيا، ملوّحة في الوقت ذاته بأنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) مجدداً ضد مشروع القرار الغربي. وتشبه المسودة الروسية مشروع القرار الروسي الذي جرى التصويت عليه في 20 ديسمبر (كانون الأول) ولم ينل التأييد إلا من خمسة أعضاء فقط (الصين وساحل العاج وغينيا الاستوائية وروسيا وجنوب أفريقيا)، علماً بأن أي قرار في مجلس الأمن يحتاج إلى تسعة أصوات على الأقل، وإلى عدم استخدام حق «الفيتو».
وطوال العملية التفاوضية، كانت نقاط الخلاف الرئيسية هي عدد المعابر الحدودية التي يجب أن تظل مفتوحة، ومدة الآلية. وبينما أصرت روسيا على أن «معبر اليعربية» ينبغي ألا يكون جزءاً من آلية المساعدات، أكدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأعضاء آخرون أنه يجب إبقاء «معبر اليعربية» مفتوحاً للمساعدات الطبية والإمدادات الإنسانية عبر الحدود العراقية - السورية.
وحتى اللحظات الأخيرة من المفاوضات، ساد انطباع بأن روسيا ستمارس حق النقض (فيتو) للحيلولة دون إصدار القرار الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، علماً بأنه كان من المستبعَد أن يحصل مشروع القرار الروسي على دعم كافٍ من الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن.
وعقدت الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، أي الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا، أربعة اجتماعات خلال الأسبوع الحالي، من دون أن تتمكن من التوصل إلى حل وسط بشأن مشروع قرار موحد.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك أبلغ مجلس الأمن، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن أربعة ملايين شخص في كل أنحاء شمال سوريا يتلقون الدعم من المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة عبر الحدود. وقال إن الأمم المتحدة زودت 1.1 مليون شخص بالطعام من خلال عمليات التسليم عبر الحدود في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكشف أنه منذ عام 2014 أرسلت الأمم المتحدة ما يقرب من 30 ألف شاحنة من المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية الأربعة، مؤكداً أنه «لا بديل للعملية عبر الحدود (...) لا توجد خطة (باء)».
وكرر الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: «ببساطة، لا يوجد بديل للوصول للمحتاجين في شمال غربي وشمال شرقي (سوريا) دون عبور الحدود». وأوضح أن أكثر من ثلاثة ملايين مدني سوري يعتمدون على المساعدات اعتمادا تاماً. وقال إن الجمعة «آخر يوم عمل لآلية إيصال المساعدات، وكما تعلمون، فإن قوافل المساعدات لا تسير ليلاً، ولذلك فإننا سنتوقف عن العمل بتلك الآلية مع نهاية الجمعة».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.