«قوات سوريا الديمقراطية» تطالب بمحاكمات دولية لعناصر «داعش» المسجونين لديها

قالت: الأحكام القضائية الأوروبية في قضايا الإرهاب تعرقل إعادتهم إلى أوروبا

TT

«قوات سوريا الديمقراطية» تطالب بمحاكمات دولية لعناصر «داعش» المسجونين لديها

في الوقت الذي تشهد فيه بلجيكا جدلاً حاداً حول إعادة توطين من انخرطوا في صفوف الدواعش في الدول الأوروبية التي تحدروا منها، يظهر موقف جديد من الأكراد، الذين يسيطرون على مناطق شمال شرقي سوريا، التي توجد فيها معسكرات وسجون المسلحين الذين تم القبض عليهم. ويقول هؤلاء إنهم لن يقوموا بتسليم عناصر «داعش» إلى بلجيكا بشكل تلقائي، بسبب الأنظمة القضائية الضعيفة التي تتعامل مع جرائم الإرهاب.
ونقلت صحيفة «دي مورغن» البلجيكية اليومية عن صلاح جميل، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية ومسؤول العلاقات الخارجية في التحالف الكردي السوري قوله: «يجب أن تتم محاكمة عناصر داعش، الذين ألقي القبض عليهم هنا وجرى إيداع الرجال منهم في سجوننا، والنساء والأطفال في المعسكرات التي نشرف عليها، في محكمة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة».
وعن مصير هؤلاء بعد المحاكمة، قال جميل: «سوف يتم النظر في إمكانية إنشاء سجن خاص دولي مخصص لهم، أو إعادتهم إلى بلدهم الأصلي، لأننا لا نريد أن نحتفظ بهم هنا. نحن ندرك جيداً أن العقوبات ضعيفة جداً، التي يعاقب بها من يعود من مناطق الصراعات إلى بلجيكا أو دول أخرى، ولهذا من الأفضل محاكمتهم هنا وتحدد المحكمة ما يجب أن يحدث».
وحذر جميل من أن الوضع، الذي عدّه مثل قنبلة الموقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، خصوصاً أن الوضع الإنساني يتفاقم، وعمليات الهروب من السجون تزداد، والجحيم الذي يعاني منه الأطفال والنساء أيضاً، لأن هذه المعسكرات ليست المكان المثالي، ولكن من الواضح أن المجتمع الدولي لم يتعلم شيئاً من دروس الماضي.
وعن هزيمة «داعش» نهائياً، قال إن من الممكن أن ينهض «داعش» من جديد، ربما تحت اسم آخر ولكن بالآيديولوجية نفسها، ولا تزال خلايا «داعش» نشطة وتشن هجمات بشكل شبه يومي، لا سيما في شرق البلاد، إذ نفذوا قبل بضعة أيام هجوماً في الشعلة قرب دير الزور.
وفي مايو (أيار) الماضي، اتخذت بلجيكا خطوة جديدة على طريق مواجهة المخاطر الإرهابية والتطرف، من خلال اعتماد مقترح تشريعي ينص على تشديد العقوبة في القضايا ذات صلة بالإرهاب، وجاءت هذه الخطوة بعد مرور أكثر من 3 سنوات على وقوع هجمات مارس (آذار) 2016 التي شملت مطار العاصمة ومحطة للقطارات الداخلية، وأسفرت عن مقتل 32 شخصاً وإصابة 300 آخرين.
ووفقاً لما جاء في نص المقترح التشريعي، أصبحت المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، تكفي لحصول المتورط في هذا الأمر على عقوبة سجن تتراوح بين 5 و10 سنوات، بينما ستكون عقوبة الشخص الذي يقود مجموعة إرهابية، تتراوح ما بين 15 و20 عاماً في السجن.
وقالت عضوة البرلمان البلجيكي صوفيا ديويت صاحبة المقترح التشريعي، إنه بناء على الموافقة على هذا المقترح، أصبحت للسلطة القضائية القدرة على معاقبة المتورطين في قضايا الإرهاب بشكل أقوى، لأن الأحكام التي كانت موجودة في القوانين السابقة كانت أحكاماً ضعيفة. وإلى جانب ذلك، كانت هناك تعديلات على عقوبات تتعلق بجرائم أخرى؛ منها ما يتصل بالعنف الأسري وأيضاً إعطاء الحق لتقديم اعتراض أو استئناف قانوني ضد أحكام تتعلق بإمكانية التنصت على الهاتف، على الأشخاص المفرج عنهم بشكل مؤقت من السجن وغيره.
وكان البرلماني فيليب ديونتر قد علق على الأحكام البلجيكية في قضايا الإرهاب بأنها أحكام ضعيفة. وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الأمر لا يقتصر على بلجيكا فحسب، بل دول أوروبية أخرى، منوهاً بأن عناصر «داعش» يستفيدون من اعتماد الأحكام القضائية على المبادئ والقيم الأوروبية، ويخرجون من السجن ويعود هؤلاء إلى أنشطتهم من جديد، سواء عبر نشر خطاب التطرف أو القيام بأعمال لصالح تنظيم «داعش». وأطلقت السلطات البلجيكية العام قبل الماضي 76 شخصاً، ممن أدينوا بقضايا الإرهاب، وأطلق سراح 28 شخصاً العام الماضي بعد انقضاء فترة العقوبة في السجن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.