مستقبل الصراع في شرق المتوسط والحسابات المصرية

TT

مستقبل الصراع في شرق المتوسط والحسابات المصرية

دخل الصراع في شرق المتوسط مرحلة جديدة من المواجهات، إثر توقيع الاتفاق التركي - الليبي، وموافقة برلمان أنقرة على إرسال قوات إلى طرابلس، وهو ما سيفتح الباب على مصراعيه أمام مشاهد سياسية واستراتيجية وعسكرية جديدة، خصوصاً أن تباين الأهداف التركية مع دول شرق المتوسط سيخلق نمطاً جديداً من الصراع الذي ظل منضبطاً غير ظاهر لسنوات، لكنه سيتحول إلى صراع حقيقي متصاعد بين دول الإقليم، فضلاً عن أنه سيشمل دولاً مجاورة، وأخرى خارج الإقليم، مثل روسيا والولايات المتحدة.
وتشمل المعادلة الراهنة كلاً من: اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل وسوريا ولبنان، والسلطة الفلسطينية، وفي المقابل تقف تركيا وقبرص التركية، إضافة إلى إيطاليا وفرنسا كطرف مركزي، ودول أخرى مُلحقة بالتطورات الليبية لاعتبارات الجوار الإقليمي، وهي: تونس والجزائر. وبالتالي، فإن الصراع على الموارد الطبيعية يكاد يشمل جميع أطراف المنطقة، وسيكون دخول الجانب التركي على خط المواجهة في الإقليم من البوابة الليبية سبباً مباشراً في تأجيج الصراع، ودخوله مرحلة جديدة على المستوى السياسي والعسكري معاً.
والواقع أن دول الإقليم سعت لإنشاء «منتدى غاز المتوسط» (مقره القاهرة)، ويضم كلاً من: مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وفلسطين وإسرائيل، فيما استبعدت منه تركيا لحسابات سياسية واستراتيجية، رغم تشابك علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي الذي يسعى من خلال المشاركة في المنتدى إلى نقل الغاز عبر خط أنابيب مباشرة إلى أوروبا. ومن ثم، فإن هناك مصالح تركية - إسرائيلية مباشرة مدعومة من روسيا، فضلاً عن مصالح الجانب التركي المتنامية في الإقليم، ووجوده كطرف فاعل في الملف السوري، بينما تظل حسابات إسرائيل الخاصة البعيدة عن المنتدى مع الجانبين القبرصي واليوناني واضحة، وتجري وفق سياق اتفاقيات حاكمة للمشهد الراهن (اتفاق خط الغاز المشترك مثالاً).
وفي المقابل، لا تعترف تركيا بجزيرة كريت أو قبرص أصلاً. ومن ثم، فإن وجودها في ليبيا سيمنحها حضوراً كبيراً يتجاوز 412 ميلاً بحرياً (مائتا ميل من الجانب الليبي، ومثلها بطول سواحلها الرئيسية)، وذلك بالتغافل عن وجود كريت أو قبرص، رغم عدم وجود حدود بحرية أصلاً بين تركيا وليبيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيا لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وبالتالي، ذهبت إلى ليبيا أولاً لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، وثانياً للبحث عن مصالحها المتعددة في ليبيا، ودعماً للتنظيمات «الإرهابية» الموجودة وقوات السراج، وثالثاً مناكفة مصر وحجز دور مركزي من الآن فصاعداً في أي تطورات جارية في شرق المتوسط.
وبالنظر إلى أن الأطراف الرئيسية في الإقليم أدارت المشهد عبر آليات سياسية واستراتيجية، بل وعسكرية، ظهرت في مجمل المناورات العسكرية المشتركة، فإن ذلك عكس «استعدادات استباقية» حظيت بمراقبة غير مباشرة من قبل روسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تقف في مواجهة التمدد التركي.
ولكن، ووفقاً للمطروح، فإن دول الاتحاد الأوروبي ستتعامل مع الموقف التركي في ليبيا، وتجاه الإقليم، مثلما تفاعلت مع الموقف السوري سابقاً، قبل وفي أثناء عملية «نبع السلام».
وفي هذه الأجواء المعقدة، فإن الموقف المصري، بصفته طرفاً أصيلاً في المشهد، سيمضي في عدة مسارات محتملة:
الأول: الاستمرار بدعم قدرات الجيش الليبي، استناداً إلى أن مصر تدعو لوحدة الأراضي الليبية، ومواجهة سياسة الانفصال، وسيتواكب ذلك مع التعجيل بدعم التحركات العسكرية لقوات الجيش الليبي، في مواجهة «التنظيمات الإرهابية» الموجودة في غرب ليبيا، التي ستنشط من الآن فصاعداً بعد إرسال القوات التركية على محاور متعددة، مصحوبة بعناصر قتالية سورية وأجنبية، لتوسيع دائرة المواجهة وحسمها في المدى المتوسط.
الثاني: العمل مع الجانبين الفرنسي والروسي بالأساس، نظراً إلى أن مواقف هاتين الدولتين، إضافة لإيطاليا، ستكون حاسمة في دعم الموقف المصري المنطلق من اعتبارات استراتيجية متعددة، ودمج الخيار السياسي (مسار برلين) إلى جانب (مسار الصخيرات) الذي جرى تعطيل بنوده، واستثمره السراج في صورة دعم تركي ظل سرياً لعدة أشهر إلى أن ظهر في شكل الاتفاق الأمني أخيراً، كما أنه سيتم التنسيق العسكري واللوجيستي والاستراتيجي بين القاهرة وموسكو وباريس وروما، في حال تدهور المشهد الأمني، أو تمكن السراج -بعد الدعم التركي- من تحقيق تقدم حقيقي، وهو ما لن تسمح به الأطراف المباشرة في الإقليم، خصوصاً أن الذهاب إلى هذا المشهد قد يرتب تداعيات خطيرة على مصالح الدول المعنية، وأهمها مصر، وسينقل الصراع لاحقاً إلى مواجهات أخرى في شرق المتوسط.
الثالث: في ظل الموقف الأميركي المراوغ، والحسابات التركية - الأميركية المعقدة، فإن التعويل على دور حاسم لواشنطن يعمل في اتجاه الجانب الداعم للجيش الليبي سيكون عبثاً، خصوصاً أن الدول المعنية ستعتمد على الموقف الفرنسي – الروسي، إضافة للقدرات والخبرات المصرية المتقدمة بحرياً، بصفتها قوة ضاربة حاسمة سيتم استخدامها عند الضرورة، وهو ما يعلمه الجانب التركي جيداً؛ ومن ثم فإن الموقف المصري سيستمر متابعاً عن قرب كطرف مركزي متقدم، وسيكون قرار المشاركة المصرية المباشرة في حسم المشهد مرتبطاً بدعم عربي مباشر من الجامعة العربية، وقبول أوروبي - روسي، لكن هذا سيكون الخيار الأخير أو الصفري، إذ إن الانخراط في المواجهات المقبلة في الأراضي الليبية ستحكمه مواقف عدة، إقليمياً ودولياً، ولن يكون مرتبطاً فقط بعمل عسكري مباشر.
الرابع: مع التوقع بأن الجانب التركي لن يهدأ، ولن يرتدع عن خطواته في الإقليم وفي ليبيا، حفاظاً على ما يدعي أنها حقوقه ومكتسباته؛ فإن سرعة حركته بالاتجاه إلى تبني سياسات استباقية تجاه تونس والجزائر -بصرف النظر عن حقيقة الموقف التونسي- يجب أن يقابلها رد فعل مصري وأوروبي وروسي مباشر، بدلاً من بقاء المشهد على ما هو عليه، عبر استمرار دعم كل فريق لطرف إلى أن يُحسم الأمر. وبناءً على ذلك، فإنه يجب الانتباه إلى أن إطالة أمد المواجهة، مع وجود القوات التركية على الأرض، سيكون له تداعيات عسكرية خطيرة، في حال اتجاه أنقرة إلى بناء قاعدة مقيمة، والتنسيق مع دول عربية مجاورة، وهو مكمن الخطورة. ولذلك، فإن سرعة الحسم والتدخل المضاد، عبر استراتيجية مصرية - أوروبية – روسية، قد يكون هو الخيار الأنجح في التعامل الاستباقي، وليس وفق استراتيجية رد الفعل التقليدية التي ستصطدم بمخطط تركيا لإنهاك الأطراف المعنية استراتيجياً، قبل الانخراط الحقيقي في العمليات، عبر إرسال عناصر إرهابية للعمل مجدداً في ليبيا.
وفي المجمل، تستبق الخيارات العسكرية في ليبيا، وفي الإقليم، أي خيارات سياسية مطروحة، مما يشير إلى صدامات حقيقية ستبدأ في ليبيا، وتمر عبر إقليم شرق المتوسط، خصوصاً في ظل رهانات استراتيجية على عدم وجود خيارات حاسمة لمصالح الأطراف المعنية بصورة كاملة.

* أكاديمي مصري متخصص
في العلاقات الدولية



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.