الذهب في السودان... التهريب يذري أحلام الثراء

متوسط الإنتاج بين 100 و250 طناً سنوياً... ونافذون يسيطرون على تجارته

شركات تستخدم أجهزة متطورة للتنقيب عن الذهب
شركات تستخدم أجهزة متطورة للتنقيب عن الذهب
TT

الذهب في السودان... التهريب يذري أحلام الثراء

شركات تستخدم أجهزة متطورة للتنقيب عن الذهب
شركات تستخدم أجهزة متطورة للتنقيب عن الذهب

عرف السودان القديم بـ«بلاد النوبة»، ونوبة مفردة هيروغليفية تعني الذهب، أي «أرض الذهب»، وهذا الصيت شجع الغزاة على مر التاريخ لمحاولة غزو المنطقة للحصول على ذهبها الوفير، الذي تحدثت عنه الأساطير الفرعونية، لكن السودان لم يتحول إلى دولة «ذهبية» إلا في العشرية الأولى من القرن الواحد وعشرين.
ففي عام 2008 تقريباً، ومن دون مقدمات، انتشر مئات الآلاف من الباحثين عن الثراء السريع والمغامرين في صحاري ووديان وسهول السودان، وتزايد الرقم تدريجياً ليبلغ أكثر من مليوني معدني أهلي، يبحث عن «المعدن الأصفر» الذي يقال إنه مخبوء في التراب، بل وعلى سطح الرمال، وانتشروا كأنهم نهضوا من التاريخ وعهد الحاكم التركي محمد علي باشا، الذي احتل السودان؛ «بحثاً عن الذهب والرجال»، فوجد الرجال، لكن مهمته في البحث عن الذهب باءت بفشل ذريع.
وسريعاً دوّن السودان اسمه بين المنتجين الكبار للذهب حول العالم، ليبلغ إنتاجه خلال سنوات قليلة أكثر من مائة طن، وليحتل المركز الثاني بين الدول المنتجة للذهب في أفريقيا بعد دولة جنوب أفريقيا.
وأكد ملايين الدهّابة – وهو اسم محلي يطلق على المنقبين التقليديين عن الذهب، أسطورة «أرض الذهب» وكذبوا «العلماء» والمنقبين عن الذهب في القرن الثامن عشر، الذين أتى بهم الحاكم التركي لإثراء دولته، وأكدوا أن رمال و«أطيان» السودان تخبئ أطناناً من الذهب تكفي لجعله بلداً ثرياً، وأن «حفرة صغيرة» وشيئاً من الحظ، يمكن أن ينقل الفقير فجأة إلى ثري تتحدث عن ثرائه النجوع والمدن.
جهود «الدهّابة» كشفت عن أن الأرض السودانية تخبئ الكثير من الذهب، على أعماق سطحية، وسرعان ما لحق بهم رجال المال والأعمال الذين جلبوا أجهزة كشف المعادن السطحية، ونشروها في مساحات واسعة من السودان، قبل أن تلحق بهم الشركات الأجنبية والمحلية الكبيرة، وسريعاً أصبح السودان أحد المنتجين الرئيسيين للذهب في أفريقيا، وخلال سنوات قليلة أصبح يحتل المركز الثاني بعد جنوب أفريقيا في إنتاج المعدن النفيس في القارة السمراء.
وبحسب آخر تقرير صادر عن وزارة المعادن السودانية، بلغ إنتاج الذهب خلال النصف الأول من العام الحالي 30 طناً مترياً، في وقت يقدر أن يزيد فيه الإنتاج من الذهب على 60 طناً بنهاية العام. ويقول التقرير، إن الإنتاج المتوقع للنصف الأول من العام في حدود 59.898 طن، ليبلغ الإنتاج المتوقع ضعف هذه الكمية بنهاية العام زهاء 120 طناً. ويعمل ملايين المعدنيين التقليديين «الدهابة» في التنقيب اليدوي عن الذهب، وينتجون ما نسبته 80 في المائة، بينما تنتج شركات الإنتاج النسبة المتبقية.
وبلغ إنتاج الذهب في السودان ذروته في عام 2017، الذي بلغ 107 أطنان، وفي العام قبل الماضي (2018) أنتج السودان 93.6 طن من الذهب، بمتوسط سنوي في حدود 100 طن، لكن تسريبات غير رسمية تتحدث عن إنتاج سنوي يتراوح بين 200 و250 طناً من الذهب سنوياً، وذهب آخرون إلى حد 500 طن سنوياً.

- نافذون يسيطرون على ذهب السودان
تعمل الكثير من الشركات المملوكة لعدد من النافذين في التنقيب عن الذهب في معظم أنحاء السودان، وتملك الكثير من المناجم في مناطق مختلفة بما في ذلك شركات أمنية وعسكرية، لكن أشهر مناطق إنتاج الذهب قاطبة فهو منجم «جبل عامر» في ولاية شمال دارفور. في عام 2012 اكتشفت كميات كبيرة من الذهب في تلال جبل عامر، تقول التقارير، إن كل 50 كيلوغراماً من التربة تحتوي كيلوغراماً واحداً من الذهب؛ ما دفع الكثير من المعدنين للتوجه إلى هناك، بل ومن بعض بلدان الجوار.
كميات الذهب الوفيرة أغرت «حملة السلاح» بالقدوم إلى المنطقة، ليتحول ذهب جبل عامر، لمأساة ومنطقة صراع عرقي راح ضحيته عدد كبير من المواطنين، ودارت حوله معارك طاحنة بين القبائل المحلية وقبائل البدو، قبل أن تسيطر عليه قوات الدعم السريع. ولعبت حكومة المعزول عمر البشير دوراً كبيراً في حروب الذهب في تلك المنطقة؛ إذ إنها سلحت قبائل حليفة لها في حربها ضد التمرد، استخدم لاحقاً في الاستيلاء على ذهب جبل عامر.
ومع تنامي سيطرة «قوات الدعم السريع» بقيادة عضو مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، وهي قوات شبه نظامية استخدمت في الحرب ضد المتمردين الدارفوريين، وأُلحقت بالقوات المسلحة لاحقاً، فقد آل معظم إنتاج الذهب في جبل عامر لتلك القوات، والتي أكملت سيطرتها عليه بعد حملة جمع السلاح التي نفذها نائب الرئيس المعزول حسبو عبد الرحمن، وإخراج قوات الزعيم القبلي المعتقل منذ قبل سقوط نظام البشير «موسى هلال».
وكان هلال يقود قوات «حرس الحدود» المتهمة بانتهاكات في دارفور، وتعمل لصالح الحكومة المركزية، قبل أن يتمرد زعيمها هلال على حكومة البشير؛ ما دفع قوات الدعم السريع لإلقاء القبض عليه، وإيداعه السجن، ليخلو لها ذهب المنجم الغني.

- مافيا مدعومة حكومياً تهرب الذهب السوداني
تقول التقارير، إن معظم ذهب السودان يهرب عبر الحدود، ولا تستفيد منه البلاد، ويستخدم المهربون بحسب تقارير صحافية حيل كثيرة لتهريبه عبر الحدود، مستخدمين طرقاً سرية في الصحراء، وتخزينه في بطون الإبل، أو علناً عبر مطار الخرطوم بتواطؤ من مسؤولين في المطار وخارجه.
ولعب التواطؤ الرسمي بمستويات الدولة العليا، وضعف الرقابة في المطارات، دوراً مهماً في تهريب الذهب خارج البلاد، بل ووفقاً لتصريحات سابقة لمسؤولين حكوميين، فإن هناك شركات وشخصيات نافذة «جداً» تساعد على تهريب الذهب، بل تحصل على تراخيص رسمية تسهل عليها عمليات التهريب، بل وأن التهريب كان يتم عبر صالة كبار الزوار الذين لا يخضعون للتفتيش. على الرغم من المفارقات الكبيرة في حجم الإنتاج بين التقارير الرسمية وتقارير الخبراء، فإن تقدير وزارة المعادن تقول إن الفرق بين الإنتاج والصادر كبيرة جداً، ويتراوح الفاقد بين 2 و4 مليارات دولار سنوياً، بنسبة 37 في المائة من إجمالي صادرات البلاد.
الأمين العام للجنة التمهيدية لاتحاد الصاغة والمتحدث باسمها محمد إبراهيم حاج حامد يقول، إن أكثر من 70 في المائة من إنتاج الذهب يتم تهريبه بطرق غير رسمية. ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية باحتياطي الذهب في السودان، فإن وزير المعادن الأسبق هاشم على سالم يقدره بنحو 500 طن من الاحتياطي المؤكد، وآلاف الأطنان من الاحتياطي غير المؤكد، في حين ذكر وزير المعادن الأسبق أحمد محمد صادق الكاروري لـ«الشرق الأوسط» في مقابلة عام 2017، أن احتياطي السودان المؤكد من الذهب يبلغ 1550 طناً.
وتصنف التقارير الدولية لإنتاج الذهب حول العالم السودان الدولة رقم 13 بين الدول المنتجة للذهب حول العالم والثالثة بين الدول الأفريقية، بعد غانا وجنوب أفريقيا بإنتاج بلغ 76.6 طن في عام 2018، «غانا أنتجت 130.5 طن، وجنوب أفريقيا 129.8 طن» في العام ذاته، وذلك بحسب تقرير مجلس الذهب العالمي الصادر في أبريل (نيسان) 2019. وتعمل في التنقيب عن الذهب في السودان، بحسب تقرير وزارة المعادن، 444 شركة بين محلية ودولية، تعمل في مجالات الاستكشاف والإنتاج وغيرها، وأكبرها شركة «أرياب» الفرنسية أولى الشركات العاملة في إنتاج الذهب.
يقول عضو المجلس الاستشاري لوزير المعادن السابق، الدكتور محمد الناير، في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، إن التعدين التقليدي ينتج 80 في المائة من الذهب، في حين تأتي النسبة المتبقية 20 في المائة من الإنتاج المنظم، وهي معلومة يشكك فيها الأمين العام للجنة التمهيدية لاتحاد الصاغة والمتحدث محمد إبراهيم حاج حامد، ويصفها بأنها غير صحيحة، ويقول: «إذا كان الدهابة ينتجون هذه الكميات، بأدواتهم البسيطة وتنقيبهم السطحي، فكم ستنتج الشركات ذات المقدرات الفنية العالية، وبينها شركات تابعة للأجهزة الأمنية، بحوزتها الإمكانات والمعلومات». ويقود التناقض بين نسب الإنتاج المعلنة رسمية (في حدود 100 طن)، والنسب التي يتناقلها المعدون والخبراء (200 - 250 طناً)، والفارق الكبير في الإنتاج بين التعدين التقليدي والتعدين المنظم، إلى ظاهرة «تهريب الذهب». ويقول مستشار المعادن السابق الدكتور عبد الله الرمادي، إن إنتاج الشركات الكبيرة، يمكن إحصاؤه بوجود رقابة دقيقة، ويضيف: «لكن في ظل استشراء الفساد، فإن الضوابط ليست محكمة».
ويقطع الرمادي بأن الأرقام الأقرب للدقة حول إنتاج الذهب تتراوح بين 200 و250 طناً سنوياً من الإنتاج الأهلي وحده، ويتابع: «كنت مستشاراً لوزير المعادن، رجعت لمختصين في مجال الذهب، فأكدوا لي أن الإنتاج يتراوح بين 200 و250 طناً سنوياً». وبحسب الرمادي، ينتج هذه الكميات من الذهب أكثر من مليونَي شاب يعملون في التنقيب الأهلي، وتعد مؤشراً من المؤشرات التي يمكن اعتمادها في تقدير الإنتاج الحقيقي للذهب في البلاد. وتبلغ عائدات الذهب الفعلية سنوياً نحو 8 مليارات دولار، إذا اعتمد الحد الأدنى للإنتاج، أي 200 طن سنوياً، ويتابع الرمادي: «لو تم تصدير هذه الكمية عبر الطرق الرسمية، وعاد عائدها لخزينة البنك المركزي، لحدث فائض في ميزان المدفوعات السوداني».
وبشأن التهريب، يقول الرمادي، إن وزير المعادن الأسبق ذكر أن النسبة الأكبر من الذهب تهرب عبر مطار الخرطوم، وتقدر لنحو 200 طن سنوياً، ويضيف: «وزير المعادن الأسبق صرح بأن المنتج هو 250 طناً سنوياً تهرب منها 200 طن»، ويتابع: «هذا وضع مخل للغاية، اكتفت الحكومة لمواجهته بفصل مدير جمارك مطار الخرطوم ومدير مكتبه، دون أن تبحث عن المجرمين الكبار لتعاقبهم»، ويستطرد: «أين المهربون الحقيقيون، ولماذا لم يقدّموا لمحاكمات؛ لأن مثل هذا الفساد، حرم البلاد من عائدات في حدها الأدنى 8 مليارات دولار سنوياً».
ويرى مستشار وزير المعادن في الأرقام الرسمية لحجم الإنتاج السنوي بمتوسط 100 طن، نوعاً من أنواع المداراة الرسمية للمهربين الحقيقيين، ويقول: «الحكومة كانت تعلم أن ما ينتج بتقديرات وزارة المعادن في التعدين الأهلي وحده لا يقل عن 200 طن». ويوضح الرمادي، أن الغرض الأساسي من تهريب الذهب هو الحصول على عملات أجنبية خارج السودان ليستخدمها المستوردون في تمويل عملياتهم، ويضيف: «السياسات الخاطئة للبنك المركزي دفعت المنتجين التقليدين في القطاع الأهلي للارتماء في أحضان التهريب»، ويستطرد: «كان على البنك المركزي وضع سعر مجزٍ للمنتج، يحول بينه والوقوع فريسة لإغراءات المهربين»، ويصف الرمادي سياسات بنك السودان المركزية بأنها ناتجة إما من عدم دراية، أو تخلف في العقلية التسويقية للبنك، أو عدم اهتمام قياداته بالأمر، يقول: «هم موظفون يحصلون على رواتبهم، اشتروا الذهب أو لم يشتروه، الأمر بالنسبة لهم بلا فرق».

- سياسات بنك السودان المركزي تشجع التهريب
يقطع الخبراء بأن سياسات بنك السودان، وتأثير النافذين والشخصيات السياسية، تلعب دوراً مهماً في تشجيع تهريب الذهب، بما يفقد البلاد توازنها الاقتصادي، يقول الدكتور الناير، إن وقف تهريب الذهب يستلزم إنشاء «بورصة ذهب»، اكتملت دراساتها بانتظار اعتمادها من مجلس الوزراء، ويضيف: «البورصة تتعامل بسعر الذهب العالمي في الوقت المحدد، ما يحفز المنتجين لبيعه للدولة، بما يحقق المصالح المتبادلة».
ونقلت صحيفة «التغيير» السودانية، في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن بنك السودان يشتري الذهب من التعدين الأهلي بسعر 40 ألف دولار للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي يقارب فيه سعر الكيلوغرام من الذهب 50 ألف دولار؛ ما يشجع على التهريب.

- الحفاظ على البيئة من التلوث
تسبب انتشار تعدين الذهب في أنحاء واسعة من السودان، بمشاكل بيئية وصحية كثيرة أثرت في حياة الكثير من المواطنين، في مناطق كثيرة من البلاد، وأدى إلى عدد من الاضطرابات الصحية والبيئة، ظهرت في شكل رد فعل قوي في ولاية جنوب كردفان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبحسب تقرير لـ«الديمقراطية أولاً»، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني التي أنشئت حديثاً، فإن ولاية جنوب كردفان، الأغنى بالذهب في السودان، يوجد بها أكثر من 58 منجماً للذهب، وأكثر من 3 آلاف بئر تعدين؛ ما أفزر كميات كبيرة من مخلفات التربة المعالجة بالزئبق، وأغرى مستثمرين لإنشاء مصانع لمعالجة المخلفات باستخدام مادة «السيانيد» شديدة السمية، واستخلاص ما تبقى من ذهب في المخلفات.
وتملك شركات «الأشقر، والتواصل، والاعتماد، ولحا للتعدين، والهدف»، وهي شركات أغلبها مملوكة لنافذين في النظام السابق، بمن فيهم والي الولاية المعزول، عدداً من مناجم الذهب، إضافة إلى مصانع غير معروفة.
ووجدت المصانع التي تستخدم السيانيد مقاومة ورفضاً كبيرين من السكان المحليين؛ بسبب الأضرار البالغة التي سببتها المادة شديدة السمية على الإنسان والحيوان والنبات والبيئة والتربة؛ ما أدى إلى تشكل لجان مقاومة قادت حملات مقاومة كبيرة، وحدثت مواجهات عنيفة بين المواطنين نتج منها إحراق عدد من مصانع استخلاص الذهب في ولاية جنوب كردفان.
ونقل التقرير عن ناشطين، أن حالات الإجهاض في الولاية زادت بنسبة 40 في المائة، إضافة إلى تزايد أعداد المواليد الذين يولدون متوفين أو يفارقون الحياة بعد الولادة مباشرة، وانتشار التشوهات الخلقية للأجنة، وارتفاع نسب الوفاة بسبب التسمم بمادتي الزئبق والسيانيد، وارتفاع نسبة المواطنين المتأثرين باستنشاق السيانيد، ونفوق أعداد كبيرة من الماشية والحيوانات والطيور البرية، بما في ذلك بعض الطيور النادرة مثل «صقر الجديان»، وهو رمز الحكومة السودانية، إضافة إلى حالات التوتر الأمني بسبب انتشار أعداد كبيرة من المعدنين التقليديين.
وبحسب الباحث عز الدين فضل آدم، الذي نشر دراسة عن تلوث التربة والهواء والماء بسبب تعدين الذهب، فإن عمليات التنقيب تؤثر على طبوغرافية الأرض عن طريق الحفر والتخلص من النفايات؛ ما يؤدي إلى تعرية التربة وتغيير معالمها وتعرضها للانجراف والتصحر، أو تلويث التربة والمياه الجوفية بالزئبق وتلويث هواء المنطقة أثناء حرقه، وانتقاله عن طريق السلسلة الغذائية، أو انجرافه عبر مياه الأمطار، أو امتصاصه من المزروعات والخضراوات أو الأعشاب التي ترعاها الحيوانات، وإمكانية إفرازه عن طريق لحومها وألبانها.
وأحرق المواطنون الغاضبون عدداً من مصانع تعدين الذهب باستخدام السيانيد، وبعضها مملوك لنافذين في الحكومة المعزولة، بل والحكومة الحالية؛ ما اضطر مجلس الوزراء إلى إصدار قرار بوقف استخدام الزئبق والسيانيد في استخلاص الذهب، وتعديل الاتفاقيات مع الشركات العاملة في استخلاص الذهب لحين توفير بدائل.
وأثار قرار وقف استخدام الزئبق والسيانيد غضباً بين المعدنيين، وقالوا إنه أدى إلى تراجع كبير في إنتاج الذهب تجاوز 50 في المائة، وهو القرار الذي وصفه الدكتور الرمادي بأنه «خاطئ مائة في المائة»؛ استناداً إلى تأثيره على إنتاج الذهب الذي تحتاج البلاد إلى عائداته لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، قبل توفير البدائل.
ويستخدم المعدنيون التقليديون معدن الزئبق في استخلاص ما نسبته 30 في المائة من الذهب الموجود في التربة، ويواجهون مخاطر التسمم، في حين يتم استخلاص النسبة المتبقية باستخدام السيانيد في مصانع كبيرة، دون الالتزام بالاشتراطات اللازمة للحفاظ على سلامة الإنسان والبيئة، وهو خطر يهدد معظم مناطق السودان التي ينتشر فيها تعدين الذهب.



قلق إسرائيلي من «تطور التسليح المصري» يجدد حديثاً عن تعديل معاهدة السلام

مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)
مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)
TT

قلق إسرائيلي من «تطور التسليح المصري» يجدد حديثاً عن تعديل معاهدة السلام

مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)
مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)

جدّد قلق إسرائيلي من «تطور تسليح الجيش المصري» في سيناء الحديث عن تعديل معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، الصامدة منذ 1979، إلا أن مصدرين مطلعين بمصر قالا لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر ليست لديها أي نية أو دافع لإجراء تعديلات، وإن كل ما يهمها هو تأمين حدودها وفق مقتضيات الأمن القومي».

وبحسب المصدرين، فإن «مصر ترغب في زيادة تسليح القوات المصرية في سيناء، وخصوصاً القريبة من إسرائيل بأسلحة ووسائل تكنولوجية حديثة تمكنها من مراقبة الحدود وتحقيق المرونة اللازمة في حفظ الأمن القومي المصري بشكل دائم وتحت أي ظروف بالنظر للأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين، وشكلت تهديداً كبيراً لأمن مصر».

وشدّد المصدران على أن مصر تنتظر ما سيحدث في لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة نتنياهو للولايات المتحدة نهاية الشهر الحالي، مع «وجود اعتقاد لدى العديد من المسؤولين المصريين أن ترمب سيضغط بشدة على نتنياهو للتعاطي مع المطالب المصرية والعمل بشكل أكبر لتحقيق التهدئة اللازمة لإعادة العلاقات الطبيعية بين إسرائيل وجيرانها وبقية دول المنطقة».

ووفق المصدرين، فإن «الأنباء التي تتداول عن مطالب مصر بتعديل معاهدة السلام مع إسرائيل لزيادة القوات المصرية في سيناء غير دقيقة، لأن هناك ملاحق للاتفاقية تحقق المرونة اللازمة بشأن زيادة عدد القوات وقت الحاجة».

وكانت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية حذّرت من «نشر الجيش المصري مؤخراً منظومة الدفاع الجوي الصينية (HQ-9B) في شمال سيناء، وهي واحدة من أكثر الأنظمة تطوراً عالمياً». وسلّطت الصحيفة الضوء على ما تتميز به هذه المنظومة من قدرة على اعتراض الطائرات والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على مسافات تصل إلى 300 كيلومتراً وارتفاع 30 كيلومتراً، مع إمكانية تتبع أهداف متعددة في وقت واحد ومواجهة تهديدات متقدمة، مثل الصواريخ فرط الصوتية.

مصر وقّعت مع إسرائيل صفقة غاز كبرى مؤخراً (أ.ف.ب)

واعتبر التقرير العبري «نشر مصر لهذه المنظومة المتطورة جزءاً من جهود القاهرة لتعزيز أمنها الجوي أمام التهديدات الإقليمية، لكنه يجدد الشكوك حول الالتزام ببنود اتفاق السلام الذي يحدّ من التسليح في سيناء».

ويرى نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر لا تحتاج لتعديل اتفاقية السلام كما يتردد، لأنه تم تعديل ملحق الاتفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2021 بحجم القوات والمعدات الموجودة حالياً في سيناء، ولكن مصر قد تطلب في ذلك الشأن تطوير تسليح ومعدات قوات المنطقة (ج) القريبة لغزة وإسرائيل بوسائل وأجهزة مراقبة إلكترونية حديثة لمراقبة حدودها مع إسرائيل، التي يبلغ طولها نحو 220 كيلومتراً، وذلك لضبط الحدود أمنياً ومنع التهريب والتسلل بأنواعه المختلفة».

وأوضح: «دائماً كانت ترفض إسرائيل مطلب التسليح الحديث للقوات المصرية في تلك المنطقة خلال محادثات لجنة التنسيق المشتركة لأجهزة الاتصال بين الجانبين».

كامل قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الطلب الرئيسي لمصر هو إعلان نتنياهو تنفيذ جميع بنود اتفاق شرم الشيخ الخاص بغزة، والانسحاب الكامل من قطاع غزه، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

خبير الأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد قال إن «العلاقات بين مصر وإسرائيل باردة حالياً، ولكن يتم احتواء الخلافات من خلال التنسيق المشترك والوساطة الأميركية، والخلافات تركز على غزة والأمن الحدودي».

وشرح عبد الواحد لـ«الشرق الأوسط» أن «اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية تحدد حدوداً صارمة للقوات المصرية في سيناء، مقسمة إلى مناطق (A ،B ،C ،D). وأي زيادة في القوات أو المعدات الثقيلة تتطلب موافقة إسرائيلية مسبقة».

أما الأستاذ المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، طارق فهمي، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إسرائيل تضغط عبر تسريبات لإعلامها من أجل عمل تعديلات جديدة، لأن آخر تعديل على الملحق الخاص بالاتفاقية تم في 2021، واتفقت اللجنة العسكرية المشتركة على زيادة عدد وقدرات قوات حرس الحدود المصرية بمنطقة رفح، وحالياً هناك محاولات إسرائيلية لتعديل هذا الملحق الأمني لضمان بقاء القوات الإسرائيلية في محور صلاح الدين، وهي المنطقة (د) لديهم، بينما مصر ترى ذلك انتهاكاً لمعاهدة السلام».

وفي تقدير فهمي، فإنه «ستتم مواءمات بين الطرفين بشكل أو بآخر دون حدوث مخالفات كبيرة للمعاهدة»، منوهاً إلى أنه «لا توجد أي خروقات من جانب مصر للمعاهدة، وأغلب الأمور التي تتم حالياً وسابقاً في سيناء تكون بالتنسيق، ومصر ليست في حاجة لاستئذان أحد لحفظ أمنها أو تسليح قواتها».

فهمي وهو محاضر في كلية الدفاع والأمن القومي بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر، شدّد على أنه «لن تكون هناك قمة بين السيسي ونتنياهو في هذا التوقيت، بصرف النظر عن أي لقاءات أخرى يمكن أن تتم، ونحن في انتظار نتائج القمة بين نتنياهو وترمب أولاً، وبعد ذلك تتم التوافقات، وحينما يتم الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وتكون هناك جدية في تنفيذه من جانب إسرائيل، يمكن عقد قمة عربية تشارك فيها عدة دول، بجانب الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر، ثم قمة رباعية بين مصر وإسرائيل وأميركا والأردن. وكل ذلك يتم في الولايات المتحدة، ولا توجد مخططات لقمم تعقد بالشرق الأوسط».


الحكومة المصرية تُمهد لـ«الدعم النقدي» بتحديث بيانات المستفيدين

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يناقش مع وزير التموين شريف فاروق تطوير منظومة الدعم مساء الاثنين (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يناقش مع وزير التموين شريف فاروق تطوير منظومة الدعم مساء الاثنين (مجلس الوزراء المصري)
TT

الحكومة المصرية تُمهد لـ«الدعم النقدي» بتحديث بيانات المستفيدين

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يناقش مع وزير التموين شريف فاروق تطوير منظومة الدعم مساء الاثنين (مجلس الوزراء المصري)
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يناقش مع وزير التموين شريف فاروق تطوير منظومة الدعم مساء الاثنين (مجلس الوزراء المصري)

تُمهد الحكومة المصرية لتنفيذ توجهها نحو التحول من «الدعم العيني» إلى «الدعم النقدي»، من خلال العمل على «تنقية بيانات المستفيدين وتحديثها»، وذلك قبل اجتماع مرتقب، هذا الأسبوع، للجنة «العدالة الاجتماعية»، التابعة لمجلس الوزراء.

ويستفيد من «الدعم العيني»، الذي يحصل عليه المواطنون من خلال «بطاقات التموين»، 64 مليون مواطن تقريباً، مع وجود 23 مليون بطاقة، بينما يستفيد عدد أكبر يصل إلى نحو 70 مليون مواطن من دعم «الخبز المدعم»، وفقاً لآخِر إحصاءات حكومية صادرة في عام 2022.

وتُطبِّق الحكومة، منذ عقود طويلة، منظومة تموينية لتوزيع السلع الأساسية بأسعار مدعومة، بينها: الخبز، والزيت، والسكر، تُصرَف شهرياً من خلال «بطاقات التموين». لكن حكومات متعاقبة شَكَت من الأعباء الاقتصادية لتلك المنظومة على الموازنة العامة.

وأشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الاثنين، إلى أن «أي توجهات مستقبلية نحو تطوير منظومة الدعم سوف تعتمد على توافر قواعد بيانات دقيقة ومتكاملة، وعلى دراسات فنية واقتصادية واجتماعية شاملة، بما يضمن اتخاذ قرارات مدروسة ومتوازنة تحقق مصلحة المواطن والدولة».

وناقش مدبولي، في اجتماع عقده مساء الاثنين، مع وزير التموين والتجارة الداخلية شريف فاروق، «تدقيق وتنقية البيانات وضبط قواعد البيانات الخاصة بالمستفيدين من منظومتي السلع التموينية والخبز، باعتبارها خطوة محورية وأساسية ضمن مسار التطوير».

وزير التموين المصري شريف فاروق خلال جولة بإحدى الأسواق (وزارة التموين المصرية)

وسبق أن أكد مدبولي، الأربعاء الماضي، أن هذا الأسبوع سيشهد «اجتماع لجنة العدالة الاجتماعية» لوضع اللمسات النهائية واتخاذ الإجراءات التنفيذية الخاصة بالتحول من «الدعم العيني» إلى «الدعم النقدي»، مؤكداً «حرص الحكومة على التأكد من آليات التنفيذ بنسبة 100 في المائة؛ لتفادي أي مشكلات أو اضطرابات قد تؤثر على المواطنين».

وبين الحين والآخر تُبدي الحكومة المصرية رغبتها في التحول إلى «الدعم النقدي»، وقبل عام تقريباً أعلنت تدشين «حوار مجتمعي» لمناقشة خطتها، وحظي الأمر بنقاشات واسعة داخل أروقة «الحوار الوطني»، العام الماضي، والذي أوصى بتوسيع دائرة الدعم، مع إمكانية التحول لإقرار «الدعم النقدي».

ولدى قطاعات من المواطنين حساسية من هذا التوجه، مع مخاوف من انحسار الدعم وعدم توفير الحماية للازمة للطبقات الفقيرة مع تراجع قيمة الجنيه خلال السنوات الماضية، وارتفاع معدلات التضخم وضعف الرقابة الحكومية على الأسواق.

الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أشار إلى أن تصريحات رئيس الوزراء تشي بأن الحكومة تستعد للتحول إلى «الدعم النقدي»، وهو إيجابي في حال أسهم في وصول الدعم إلى مستحقيه، شريطة أن يتم توفير السلع التموينية بأسعار تتماشى مع قيمة ما يحصل عليه الفرد الواحد عند حصوله على «الدعم العيني»، وأن المخاوف تبقى من ارتفاع أسعار السلع الرئيسية بما يفوق ما يتم صرفه نقداً.

وأوضح، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة تُبشر المواطنين بانحصار الأزمات الاقتصادية، والتخوف من أن يبقى التحول إلى «الدعم النقدي» أحد عوامل زيادة الأعباء، في حال لم تتم السيطرة على الأسواق، وتبقى مشكلات «الدعم النقدي» في كونه قد لا يواكب معدلات التضخم المتفاوتة داخل الدولة، وهو ما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الفئات الأكثر احتياجاً.

ويرى الشافعي أن الحكومة اتخذت إجراءات مِن شأنها توفير قاعدة بيانات حديثة للمستفيدين مع إجراءات «الشمول المالي» و«التحول الرقمي» والربط بين الوزارات المختلفة إلكترونياً.

وفي الأشهر الأخيرة، تمكنت مصر من خفض التضخم من ذروته البالغة 38 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2023 إلى 12.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو ما يعدُّه الخبير الاقتصادي عاملاً يشجع الحكومة على اتخاذ الخطوة في الوقت الحالي، شريطة حدوث مراجعة مستمرة لقيمة الدعم، حال عادت المؤشرات المرتفعة.

وتُطبق الحكومة المصرية منظومة «الكارت الموحد» بشكل تجريبي على نحو 100 ألف أسرة في محافظة بورسعيد (شمال)، ويتيح الحصول على خدمات متعددة تشمل الرعاية الصحية والتأمين الصحي وبرامج «تكافل وكرامة»، والدعم التمويني، ومؤخراً أشار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى التوسع في تطبيقه على مستوى باقي المحافظات.

وأكد وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، إيهاب منصور، أن الاعتراض لا يتمثل في الانتقال من «العيني» إلى النقدي»، لكن المشكلة الكبرى تتمثل في الإجراءات التنفيذية التي تتخذها الحكومة لضمان نجاح خطتها، خاصة على مستوى حصر المستحقين للدعم في ظل شكاوى عدة من حذف «بطاقات تموينية»، وأخرى لمبادرة «تكافل وكرامة»؛ لأسباب غير معروفة، ودون التأكد من عدم احتياجهم للدعم.

وأوضح، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكومة عليها أولاً أن تضاعف الموازنات المخصصة للرقابة على الأسواق، وتوفر ما يستلزم من موارد بشرية وتقنية لضبطها؛ لكي تتمكن تلك الجهات من تأدية مهامّها، كما أن الحكومة عليها التأكد من مدى قدرة بعض الأُسر الأكثر هشاشة والأقل وعياً مالياً من إدارة الدعم بعد تحويله إلى «نقدي»، متوقعاً أن يؤثر على أنماط الاستهلاك داخل الأسرة المصرية.

وتقول الحكومة المصرية إن التحول إلى «الدعم النقدي» يهدف إلى تقديم مساعدات مالية مباشرة للمواطنين الأكثر احتياجاً في المجتمع، بدلاً من تقديم «دعم عيني»، للمساهمة في إيصال المساعدات، بشكل مباشر، إلى مستحقيها، ما يضمن تخفيف الأعباء الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.


تشديد مصري على ضرورة بدء مسار إعادة إعمار غزة

عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

تشديد مصري على ضرورة بدء مسار إعادة إعمار غزة

عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
عمال البلدية الفلسطينيون يقومون بإصلاح طريق تضرر خلال الحرب في مخيم النصيرات للنازحين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تناولت اتصالات هاتفية بين وزير خارجية مصر ونظيريه السعودي والتركي تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وسط تأكيدات من القاهرة على ضرورة «بدء مسار التعافي وإعادة الإعمار» في القطاع.

ووفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، فإنه جرى اتصال هاتفي بين الوزير بدر عبد العاطي ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان «في إطار التنسيق والتشاور بين البلدين حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وتناول الاتصال مستجدات الأوضاع في قطاع غزة، حيث استعرض عبد العاطي «الجهود المصرية الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان استدامته، والدفع نحو تنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب»، مشدداً على «أهمية الانتقال إلى ترتيبات المرحلة التالية بما يشمل تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة لإدارة الشؤون اليومية للمواطنين في القطاع، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية لممارسة دورها الكامل».

وأكد وزير الخارجية المصري «ضرورة ضمان التدفق المنتظم للمساعدات الإنسانية، وتهيئة البيئة اللازمة لبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع التشديد على رفض أي ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية أو فرض وقائع جديدة في الضفة الغربية».

كما جرى اتصال هاتفي ثان مع نظيره التركي هاكان فيدان «في إطار التشاور والتنسيق بين القاهرة وأنقرة حول سبل دعم العلاقات الثنائية، وتبادل الرؤى بشأن عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وتناول الاتصال «تبادل الرؤى بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث أكد عبد العاطي أهمية تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ للسلام»، مشدداً على ضرورة تدشين لجنة تكنوقراط فلسطينية مؤقتة لإدارة الشؤون اليومية للمواطنين في القطاع، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية للاضطلاع بكامل صلاحياتها ومسؤولياتها.

كما أكد وزير الخارجية المصري على «أهمية نشر قوة الاستقرار الدولية، وبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع التأكيد على الرفض الكامل لأي إجراءات أو ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية».

وجاءت التأكيدات المصرية في ظل تقارير غربية تتحدث عن استعداد واشنطن لتدشين مؤتمر للإعمار في غزة قريباً.

وذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصادر مطلعة، الاثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، في ظل سعي إدارة ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

وقالت المصادر إنه «جرت دراسة واشنطن بوصفها مكاناً محتملاً للمؤتمر الذي قد يُعقد مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير، وإن مصر من بين عدة مواقع أخرى قيد الدراسة».

ونقلت عن مصدر أن المؤتمر لن يُعقد على الأرجح إلا بعد أن يُكمل المسؤولون تشكيل «مجلس السلام» بقيادة ترمب، والمقرر أن يشرف هذا المجلس على الحكومة الانتقالية، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل و«حماس» في أكتوبر (تشرين الأول).

ويأتي ذلك بعد نحو أسبوعين من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أُجّل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرجح السفير الفلسطيني الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن حديث «بلومبرغ» يشير إلى التنسيق المصري الأميركي بشأن المؤتمر وليس انفراد واشنطن بعقده، وأن الأقرب أن يتم في القاهرة كما حدثت قمة شرم الشيخ للسلام.

وغداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية.

ولم يقدم فيدان تفاصيل بشأن تلك الدراسة الأولية، وهل متفقة مع ما هو مطروح عربياً أم إسرائيلياً أم أميركياً، وتمسك بأهمية أن يدار القطاع من قبل أبنائه، مؤكداً رفض أي مخططات لتقسيم أراضي غزة.

وسبق حديث فيدان بيوم، تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترمب ومبعوثه ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

ويؤكد الفرا أن انحياز واشنطن التام لإسرائيل يدفعها للتمادي في غزة، وخلق عقبات لعدم الدفع بالمرحلة الثانية، وكان أحدثها تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الثلاثاء، بأن إسرائيل لن تنسحب من غزة.

وأضاف أن الوسطاء لن يقبلوا بأي خطط تهدد خطة الإعمار العربية، وأي مقترحات لا تتوافق مع يطلبه الفلسطينيون، وليس كما ترغب واشنطن أو إسرائيل بالإعمار الجزئي في مناطق سيطرتها التي تصل لنحو 52 في المائة بالقطاع، متذرعة بعدم نزع سلاح «حماس».