تواصل جماعات الحراك العراقي منذ أيام تحشيدها لانطلاق مظاهرات مليونية في غالبية المحافظات العراقية بدءاً من اليوم الجمعة، وذلك بهدف إعادة الزخم لحركة الاحتجاج التي تأثرت نسبياً بتطورات الأحداث الأمنية والسياسية الأخيرة في العراق، بعد مقتل قائد فيلق «القدس» الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي، وما تلا ذلك من القصف الإيراني لمعسكر «عين الأسد» العسكري غرب محافظة الأنبار.
وصدرت في غضون الأيام الأخيرة عن ناشطين ومدونين دعوات مكثفة للمواطنين للخروج إلى ساحات التظاهر لتحقيق المطالب المعلنة التي تنادي بها جماعات الحراك منذ نحو ثلاثة أشهر والمتمثلة في تكليف رئيس وزراء جديد ومحاسبة المتورطين في أعمال القتل والاغتيال والخطف للناشطين وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف أممي ومفوضية مستقلة. ويتنشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة هذه الأيام «فيديو» مصور لمجموعة ناشطين يرددون فيه عبارة «10 كانون... نكون أو لا نكون» لحث الناس على الخروج. كما ينتشر على نطاق واسع بين رواد مواقع التواصل تاريخ (1-10) و(10-1)، في إشارة إلى تاريخ انطلاق التظاهرات في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والمناداة بإطلاقها مرة أخرى اليوم الموافق 10 يناير (كانون الثاني).
وترى اتجاهات داخل الحراك الاحتجاجي أن الأحداث الأخيرة في العراق ألقت بظلالها السلبية على حركة الاحتجاج وتالياً لا مناص من إعادة الاعتبار لهذا الحراك عبر معاودة المواطنين للتظاهر بكثافة. ومثلما تميل بعض الاتجاهات إلى اتهام الولايات المتحدة الأميركية بتقديم خدمة «مجانية» إلى السلطات والفصائل الموالية لإيران لالتقاط أنفاسها والتأثير على حركة الاحتجاج بعد قرار قتل الجنرال قاسم سليماني ورفاقه. تميل اتجاهات أخرى إلى الاعتقاد أن الأحداث الأخيرة كانت بتنسيق وتخطيط من إيران وحلفائها المحليين لإيجاد ذرائع مختلفة للقضاء على الحركة الاحتجاجية التي تقف ضد توجهاتهم في العراق.
ويتفق عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، على التأثير السلبي للأحداث الأخيرة على الحركة الاحتجاجية، ويرى أن «من أهم نتائج الصراع الأميركي الإيراني في العراق هو إيقاف عجلة الإصلاحات وسير التظاهرات في العراق». وقال البياتي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «تغطية أخبار هذا الصراع (الإيراني الأميركي) غطت على أخبار التظاهرات وما يحدث من اعتداء على المتظاهرين بعد أن كانت العنوان الأهم في وسائل الإعلام، واعتداء ساحة الحبوبي أقرب مثال».
كان معتصمو ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية قاموا، أول من أمس، بتشييد سواتر ترابية لحماية الساحة بعد تعرضها لإطلاق نار وحرق للخيام من قبل عناصر يعتقد أنها تابعة لفصائل مسلحة. وعاود المعتصمون، أمس، تعويض الخيم المحترقة ونصب جديدة بدلاً عنها. كما قاموا بإزالة السواتر الترابية التي وضعوها فوق جسر الحضارات الحيوي لمنع وصول المسلحين إلى الساحة.
بدوره، يؤكد الناشط زيدون عماد أن «تظاهرات اليوم (الجمعة) من المقرر أن تكون حاشدة ومماثلة للزخم الذي انطلقت به الاحتجاجات لتشمل جميع الساحات». وقال عماد لـ«الشرق الأوسط» إن «الهدف إرسال رسالة شديدة الوضوح إلى السلطات للكف عن المماطلة في تنفيذ مطالب المتظاهرين، سنثبت لهم أننا أقوياء وما زلنا نمسك بزمام المبادرة، شعارنا هذه المرة إما أن نكون أو لا نكون». وبشأن الشعارات ذكر أنها «تركز على رفض الحصار على العراق ومناهضة النفوذ والصراع الأميركي الإيراني داخل بلادنا، كثيرون يرون أن هذا الصراع كان هدفه حرف الأنظار عن التظاهرات ومطالبها المحقة». ولا يستبعد عماد «قيام المتظاهرين هذه المرة باقتحام المنطقة الخضراء لفرض الأمر الواقع على السلطات وإرغامها على تحقيق المطالب. نحن مستعدون جيداً لأسوأ الاحتمالات ولن نتوانى عن تحقيق أهدافنا بمختلف الطرق ومهما كانت التضحيات». ولم ينكر عماد ما يتردد عن بعض الخلافات القائمة بين صفوف المتظاهرين والمحتجين، لكنه يؤكد أن «الجميع متفق على تجاوزها والعمل بيد واحدة لتحقيق المطالب».
وفي محافظة واسط (180 كيلومتراً جنوب بغداد)، هاجم متظاهرون، أمس، مديرية شرطة المحافظة على خلفية تهديد قائد شرطتها باعتقال الأشخاص الذين يقومون بتعطيل الدوام في المدارس والمؤسسات الحكومية. وتجمع مئات المتظاهرين أمام مبنى الشرطة ورموه بالحجارة احتجاجاً على تصريحات قائد الشرطة. وكان المتظاهرون في محافظة واسط شكلوا منذ أسابيع فرقاً خاصة لـ«مكافحة الدوام» وفرض الإضراب العام بهدف الضغط على السلطات لتحقيق مطالبهم. وتعليقاً على أحداث واسط وحالة الغليان الشعبية التي أعقبت تصريحات مدير الشرطة، يقول الناشط والمحامي سجاد سالم إن «الكفة مالت مجدداً لصالح الإرادة الشعبية والثورة في واسط». ويضيف أن «ملخص ما حصل كان المراد به أكبر من واسط، هو مخطط تآمري من الأحزاب الفاسدة للقضاء على جميع الاعتصامات في العراق، لسوء حظهم اختاروا المدينة الخطأ».
من جانبه، أعلن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى حصيلة عدد الموقوفين عن قضايا جنائية متفرعة عن أحداث التظاهرات. وذكر المركز في بيان مقتضب أمس أن «عدد الموقوفين عن قضايا جنائية متفرعة عن أحداث التظاهرات بلغ 91 موقوفاً، في حين بلغ عدد الذين تم إطلاق سراحهم 2811».
ناشطون يطلقون حملة جديدة لإعادة زخم المظاهرات
ناشطون يطلقون حملة جديدة لإعادة زخم المظاهرات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة