«الشرق الأوسط» في موسم الجوائز (3): جمعية «أميركان سينماتوغرافر»... سحر السينما في الصورة

أعلنت «جمعية مديري التصوير الأميركية» قائمتها المختصرة المرشحة لجوائزها السنوية في دورتها الرابعة والثلاثين التي ستقام في الخامس والعشرين من هذا الشهر.
تستمد جوائز الجمعية أهميّتها من حقيقة أنها تُمنح من قبل متخصصين في فن التصوير: نحو 420 مدير تصوير (أميركيين وغير أميركيين) من الأعضاء الممارسين إلى جانب نحو 250 من الأعضاء الضيوف ينتخبون كل سنة الأفضل تصويراً بين كل ما تم إنتاجه من أفلام في قسمين. الأول للأفلام التي عرفت توزيعاً تجارياً واسعاً تحت عنوان «ثيتريكال ريليز»، والثاني للأفلام التي لم تشهد مثل هذا التوزيع الكبير وتندرج تحت عنوان «سبوتلايت أوورد».
بما أن معظمهم أعضاء في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية موزعة الأوسكار (التي يبلغ عدد أعضائها اليوم 9226 فرداً) فإن مدير التصوير الذي يفوز بأوسكار أفضل تصوير عادة ما يكون من تلقف جائزة الجمعية قبل ذلك.
مديرو التصوير المرشحون لنيل جائزة أفضل تصوير في القسم الرئيسي، «ثيتريكال ريليز»، هم روجر ديكنز عن «1917» وفيدون بابامايكل عن «فورد ضد فيراري» ورودريغو برييتو عن «الآيرلندي» وروبرت رتشردسن عن «ذات مرّة في هوليوود» ولورنس شر عن «جوكر».
الثلاثة الآخرون هم يارن بلاشكي عن «المنارة» ونتاشا براير عن «هوني بوي» وجسبر وولف عن «مونوز».
القسم الرئيسي، إذن، هو لما شاهده الجمهور العريض أكثر من سواه. وهو ما نتوقف عنده هنا للإحاطة باختيارات بواحدة من أرقى جوائز الفن السابع.
- مدير التصوير: روجر ديكنز
الفيلم: 1917
الكثير من التعليقات دارت حول كيف تسنى للمخرج سام منديز تصوير فيلمه هذا بلقطة واحدة من بدايته وحتى نهايته. في الواقع هي ليست لقطة واحدة بل بلقطات مسترسلة تم تصويرها بأسلوب واحد ومن دون مونتاج فعلي لكي تبدو هكذا. لكن أحداً لم يلتفت إلى حقيقة أن هناك ميزات أخرى بالغة الأهمية بالنسبة لتصوير هذا الفيلم الحربي.
معظم الأحداث خارجية وتقع في وضح النهار وتحت السحاب العالي الممتد لمسافات طويلة. هذا ساعد مدير التصوير ديكنز في عمله. لم يكن عليه حسبان اختلاف الإضاءة من موقع لآخر، لذلك يأتي الفيلم متناسقاً منذ بدايته. ثم إن بطلي الفيلم يركضان في اتجاهات متعددة مع حركة كاميرا عريضة تتجه يمنة ويسرة وتلف حول نفسها في 360 درجة أحياناً، ما يعني أنه لم يكن بالإمكان الاعتماد على أي إضاءة.
- مدير التصوير: فيدون بابامايكل
الفيلم: Ford v Ferrari
هذا فيلم سباق سيارات بين صديقين لدودين، واحد (مات دامون) يقود سيارة فورد والآخر (كرستيان بايل) ينافسه بسيارة فيراري. يقع ذلك خلال سباق عالمي والمخرج جيمس مانغولد كان يعي أن ما يطلبه من مدير تصويره هو تأمين قدرة المشاهد على معايشة السباق وليس مجرد النظر إليه.
المشكلة الأساسية التي واجهها بابامايكل (الذي سبق له وأن عمل مع المخرج في أربعة أفلام سابقة) هي أن عدد أيام التصوير لفيلم بحجم سباقات لومان في موناكو، لم يزد على 64 يوماً، ما يعني أن عليه استخدام المصوّرين الكفوئين لالتقاط التفاصيل والتصوير بأكثر من كاميرا في وقت واحد مع عدد كبير من اللقطات المصوّرة من وجهة نظر كل من بايل ودامون خلال مشاهد السباق. حين مشاهدة الفيلم (خصوصاً مشاهد السباق) يدرك المشاهد الجهد المبذول في هذا الشأن.
ليس أن التصوير هنا جاء بجديد مختلف عما جاء عليه فيلم Le Mans سنة 1971 بآلات أصبحت بدائية اليوم، لكن استعمالها هنا يرسم المسافة الكبيرة بين تقنيات التصوير آنذاك واليوم.
- مدير التصوير: رودريغو برييتو
الفيلم: «الآيرلندي»
تم تصوير الكثير من مشاهد «الآيرلندي» بكاميرا فيلم وليس دجيتال. يكمن السبب في أن الرغبة هنا هي تحقيق فيلم يماثل حقبة ما قبل اختراع الدجيتال. المسألة ليست مجرد تصوير فيلم بل إحياء فترة ومنح المشاهدين القيمة المتمثلة بعنصر الذاكرة وذكرياتها. ليس أن برييتو لم يعمد إلى الدجيتال في بعض المشاهد لكن هذه كان عليها أن تناسب «اللوك» الجمالية والفنية للفيلم.
بكل المقاييس «الآيرلندي» هو أكبر حجماً بالنسبة لعناصر كثيرة من بينها - ومن أهمها - التصميم الفني للحقب الممتدة من الخمسينات حتى السبعينات. هذا تطلب الانتقال بين أكثر من 300 موقع، كل منها استخدم شروط إضاءة مختلفة لتناسب الأحداث، خصوصا أن دور الكاميرا هنا أقرب إلى دور عيني المراقب والراصد دوماً.
- مدير التصوير: روبرت رتشردسن
الفيلم: «ذات مرة في هوليوود».
مثل «الآيرلندي» هذا فيلم آخر يتحلق حول التاريخ القريب (نسبياً، على عكس «1917» الذي تقع أحداثه خلال الحرب العالمية الأولى). ميزته أنه فيلم عن السينما. مثله أيضاً استخدم الفيلم عوض الدجيتال. لكن عوض الدكانة التي تناسب الحزن في فيلم مارتن سكورسيزي، هناك الألوان الفاقعة التي تناسب الحياة تحت شمس كاليفورنيا، خصوصاً تلك المشاهد التي تم تصويرها للممثل براد بت.
هذا ضروري جداً ليس فقط لأن الفيلم يتعامل - كذلك - في الفترة السابقة للدجيتال (وهذه نقطة مهمة بحد ذاتها) بل أيضاً، لأن الفيلم يمنح تلقائياً أبعاداً أعمق للوجوه. حسب الخبير رتشردسن: «مشكلة الدجيتال هي أنه إذا لم تكن هناك معلومات حول الشخصيات فإن النتيجة مسطحة».
- مدير التصوير: لورنس شر
الفيلم: «جوكر»
اعتمد «جوكر» على التصوير بحجم عريض يضمن المزج بين شخصية الممثل واكين فينكس وبين المدينة التي يعيش فيها. تعود الرغبة في إيجاد هذا الرابط إلى أن «جوكر» يدور عن المدينة التي يعيش بطل الفيلم في قاعها والتي بسببها ينحرف صوب الجريمة.
الفيلم مصوّر دجيتال بالكامل والنتيجة جيدة بسبب تقنيات الكاميرات الحديثة وعدساتها أكثر مما يعود إلى فن توفير وظيفة درامية للكاميرا أو شخصية مستقلة لها على غرار الأفلام الأخرى.