إنها منجم الذهب الذي لا ينضب بالنسبة لصناع الجمال والتجميل في الغرب، مهما زاد سعرها زاد سحرها. إنها مستحضرات التجميل التي لا تتوقف عن النمو في كل أنحاء العالم عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا، إذ يقدر المحللون سوق الجمال في الشرق الأوسط وأفريقيا بنحو 34.9 مليار دولار في 2019، بزيادة 8 في المائة عن العام السابق (32.4 مليار دولار). ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 43.4 مليار دولار في عام 2022، وفقاً لتقديرات شركة «يورومونيتور إنترناشيونال»، مما يجعل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا واحدة من أسرع الأسواق نمواً في العالم بالنسبة لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والشعر والعطور وأدوات الزينة الرجالية والرعاية الشخصية. بيد أن الشرق الأوسط ليس وحده المعني بما تطرحه شركات التجميل العالمية وغيرها، فالكل يعرف أن هذه المستحضرات أول خطوة تأخذها المرأة لدخول عالم الموضة. مصممون كبار يُدركون أن الأزياء وحدها لا تُغني من جوع، أو على الأقل يُعد تسويقها تحدياً كبيراً من دون عطر أو مستحضرات أخرى تسندها. فمن لا تستطيع إلى فستان يقدر بالآلاف أو قميص يقدر بالمئات سبيلاً، تستطيع أن تحصل على أحمر شفاه أو كريم ترطيب بسعر مقدور عليه من الدار نفسها. هذا على الأقل ما كان صناع الأزياء والجمال يرددونه لسنوات، قبل أن نلاحظ ارتفاعاً صاروخياً في أسعار هذا الجانب أيضاً، ودخول شركات جديدة مجاله. تقول نيوبي هاندس، مديرة قسم التجميل في «نيت أبورتيه»، إن الموقع يوفر منتجات بأسعار تتراوح بين 10 و1550 جنيهاً إسترلينياً، ويلاحظ أن مستحضرات العناية بالبشرة تحقق مبيعات أكبر من غيرها. فالموقع يتوفر حالياً على 1.300 مستحضر، منها سيروم دكتور باربرا ستروم، وكبسولات الدكتور طالب، مروراً بمنتجات «كريم دي لامير» و«ناتيرا بيسي»، وغيرها. وتشير إلى أن الدراسات وأرقام المبيعات في الموقع لا تترك أدنى شك بأن زبونات هذا القطاع متمرسات، فهن حسب قولها: «مهتمات بمستحضرات العناية بالبشرة أكثر من مستحضرات التجميل، ويتعاملن معها مثل تعاملهن مع الموضة، من ناحية اختيارهن لها حسب تغير الفصول. فقد انتبهن إلى أن ما يناسب بشرتهن في الخريف والشتاء قد لا يناسبها في الربيع والصيف».
وواحد من العلاجات التي تحقق إقبالاً كبيراً على موقع «نيت أبورتيه»، حسب قول نيوبي هاندس، مستحضر يحتوي على 24 قيراطاً من الذهب لـ«ميمي لوزون» تم اكتشافه صدفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتعترف بأنها اعتقدت في البداية أن طريقة استعماله معقدة إلى حد قد يجعل البعض يعزفن عنه، لكنها تفاجأت بالعكس «الأمر الذي يدل على أن المرأة تريد أن يكون لها أسلوبها الخاص، ولا شيء يوقفها عندما تحصل على شيء مميز».
وتوافقها الرأي فيرونيكا فيساس، الرئيس التنفيذي لشركة «ناتيرا بيسي»، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن الشركة التي تحتفل هذا العام بعيد ميلادها الـ40 طرحت بالمناسبة مستحضراً في محلات «هارودز» مكوناً من الألماس (The Diamond Extreme Cream)، مُقاوماً للشيخوخة، بعدد محدود، وبسعر 850 جنيهاً إسترلينياً. سعره تبرره فيرونيكا، وهي من الجيل الثالث للمؤسس ريكاردو فيساس، بقولها إن المسألة لا تتعلق بمنتج عادي، بل بأسلوب حياة وأولويات. فالمرأة أصبحت ضليعة، لا تكتفي بالشكل الخارجي للمنتج، بل تسأل عن مكوناته وتقرأ عنها قبل أن تقتنع بها وتستثمر فيها أياً كان سعره. وتُعلق: «أوافقهن الرأي تماماً لأن ليس هناك أغلى من بشرتنا. فبينما يمكننا تغيير أزيائنا وأكسسواراتنا ومجوهراتنا، وحتى تسريحات شعرنا بسهولة، إلا أننا لا نملك سوى بشرة واحدة طوال العمر، لهذا علينا أن نحافظ عليها بكل الوسائل».
ورغم أن السوق يُوفر خيارات بميزانيات مختلفة، تتباين بين مئات الدولارات وأقل من 10 دولارات، فإن الأمر لا يخلو من سلبيات تتمثل في الحيرة التي تسببها كثرة هذه المستحضرات، إضافة إلى جهل الغالبية منا بالمكونات التي تدخل فيها، والفرق بينها، ليبقى السؤال الملح هو ما إذا كان الغالي ثمنه فيه، أم أن المسألة تسويقية بحتة. ويبدو أن أغلب الخبراء أجمعوا على نقطة مهمة، وهي أن مستحضرات العناية بالبشرة تستحق الاستثمار فيها، فهي الوحيدة التي لا يمكن التباهي بها أمام الآخرين، لأن لا أحد يعرف نوع أو اسم الماركة التي تستعملها أي امرأة ولا كم سعرها. فهذه المسألة شخصية بحتة، يتحدد اختيارها بنتائجها على الوجه. فكريمات مثل «كريم دو لامير»، أو منتجات مثل «ناتيرا بيسي»، التي يعود عمرها في السوق إلى 40 عاماً من الاختبارات، وغيرها تُبرر أسعارها بخضوعها لأبحاث علمية كثيرة حتى تتأكد من نتائجها «فهذه يجب أن تكون ملموسة، وفي وقت وجيز. هذا عدا عن تركيزها على مكونات نشطة محفزة بنسب عالية جداً. فهذا ما يميز منتجاً عن آخر»، حسب رأي فيرونيكا التي تتابع: «من الضروري أن تلمس المرأة النتائج بعد فترة وجيزة جداً. إذا طال الأمر من دون أن ترى تحسناً، فهذا دليل على أنها لم تختر المستحضر المناسب لبشرتها، وهو ما يُفسر أن أي شركة محترمة تحرص حالياً أن تُفصل هذه الكريمات على المقاس، بمعاينة الزبون والتعرف على احتياجاته، بدءاً من نوعية بشرته إلى أسلوب حياته».
وما يردده الخبراء كثيراً أن أي مستحضر له قوته وضُعفه. والأمر لا يتعلق بمدى الأبحاث التي تقوم بها الشركات، أو جودة المكونات التي تستعملها، بل بالمرأة نفسها. فقد يُعطي كريم ترطيب أو مضاد للشيخوخة وغيرها نتائج مبهرة لامرأة ما، بينما لا يعطي أخرى أي نتائج تُذكر، لأنه بكل بساطة لا يناسب نوعية وطبيعة بشرتها. فـ«حمض الهليورنيك مثلاً رائع مفيد لترطيب البشرة وإضفاء النضارة عليها، لكن إذا كانت البشرة تعاني من نقاط سوداء، فإن حمض الهليورنيك لن يفيدها، فهي في هذه الحالة تحتاج إلى مكون يتفاعل أكثر مع التصبغ المُفرط»، حسب قول فيرونيكا. أما إذا كان الهدف هو وقاية البشرة من التلوث بسبب العيش في مدينة صاخبة مزدحمة فـ«لا بد من التفكير في مكون قوي من البريبايوتيك يحمي البشرة، ويعمل كطبقة واقية لها».
فعملية اختيار الكريم المناسب للبشرة تحدده أولاً وأخيراً نوعيتها وعُمرها، لهذا على كل واحدة منا أن تبحث عن المكونات، فهي تلعب دوراً كبيراً في التأثير على النتائج، وأيضاً على تحديد السعر. تقول فيرونيكا: «إن بعض هذه المكونات يكون الحصول عليه صعباً لندرتها، وبعضها الآخر عبارة عن مكونات نشطة محفزة مركزة بنسبة عالية». ثم لا ننسى أن هذه الشركات توظف خبراء وباحثين من الوزن الثقيل، وبالتالي عليها أن توفر لهم كل ما يحتاجون إليه أو يطلبونه ليقوموا بعملهم على أحسن ما يُرام.
وأغلبية الخبراء يفضلون استعمال السيروم والكريمات المحفزة التي تحتوي على حمض الهليورونيك، وعلى مضادات الأكسدة، إلى جانب الكريمات التي تحتوي على مرشحات عالية للوقاية من أشعة الشمس البنفسجية، لكن الأهم من كل هذا أن يناسب بشرتك، وعدم الحُكم على هذه المنتجات من شكلها الخارجي وأناقة تعليبها. صحيح أن طريقة التعليب والتغليف وجودة العلبة لها تأثير على اختياراتنا، لكن الفرق الحقيقي لا يُرى من أول نظرة، بل من أول لمسة، وعندما تُوزعه المرأة على الوجه فتشعر بنعومته وتغلغله فيها، ويرطبها ويُغذيها من الداخل، عوض أن يبقى مجرد طبقة على السطح تسد المسام. كما يحتاج أيضاً إلى وقت قبل الحكم عليه، لأن نتائجه تظهر بعد أيام أو أسابيع. ويُجمع خبراء العناية بالبشرة على أن السوق يزخر حالياً بمنتجات باهظة الثمن، وأخرى أقل سعراً تدعي احتواءها على المكونات نفسها، لكن لا بد من الانتباه إلى أن نسبة تركيز هذه المكونات تختلف بكثير، إذ إن هناك فرق بين نسبة 4 في المائة فقط ونسبة 14 في المائة مثلاً.
مستحضرات العناية بالبشرة بين الغالي والرخيص
بعضها يفوق الألف دولار والاستثمار فيها يحتاج إلى «تركيز» ومكونات حيوية
مستحضرات العناية بالبشرة بين الغالي والرخيص
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة