دهاليز قناة السويس

الطبعة العربية من مذكرات الحفناوي الذي كتب مشروع قرار تأميم الشركة

جمال عبد الناصر بعد تأميم القناة 1956
جمال عبد الناصر بعد تأميم القناة 1956
TT

دهاليز قناة السويس

جمال عبد الناصر بعد تأميم القناة 1956
جمال عبد الناصر بعد تأميم القناة 1956

تصدر قريبا عن دار ميريت المصرية للنشر النسخة العربية من مذكرات الدكتور مصطفى الحفناوي، كاتب قرار تأميم قناة السويس والذي استعاد أهم وثيقة تأسيسية للشركة، صدق عليها السلطان العثماني كامتياز لحفرها. وكانت الإدارة الفرنسية هربتها إلى مقرها في باريس، وهي تشير إلى أن مشروع القناة تحكمه شركة مساهمة مصرية، وليست ذات طابع دولي كما ظل الفرنسيون يدعون.
وقسم الحفناوي مذكراته - التي كانت الطبعة الفرنسية منها قد صدرت قبل عام وكان من المقرر أن تصدر الطبعة العربية متزامنة مع الفرنسية لكن هذا لم يحدث - إلى سبعة أجزاء تحدث فيها عن بداية علاقته بالقناة، ومعرفته بقضيتها، ثم بداية نضاله في باريس ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، وتكوين رابطة قومية هدفها «إحياء فكرة الكفاح ضد المغتصبين، ودعوة الشباب لطرد آخر جندي بريطاني من وادي النيل، وجعل مصر كاملة الحرية لا يحدها احتلال أو حماية أو شبه حماية أو أي أثر من آثار التسلط الأجنبي». وهو يرى في مذكراته أن الأساس الذي يجعل دول أوروبا حريصة على استمرار احتلال مصر هو قناة السويس، فخطط لدراسة مشروعها، من زاوية القانون الدولي، وحصل على الدكتوراه من جامعة باريس لإثبات أن الشركة شأن مصري، ومن حق الحكومة المصرية التصرف فيها، بعد أن تبين أن عقد الشركة الذي وقع عليه السلطان العثماني يشير إلى أنها شركة مساهمة مصرية.
ويكشف الحفناوي أن كثيرين من رجال السياسة في مصر لم يكونوا حريصين على استرجاع القناة، ومنهم سعد زغلول الذي قدم مشروع مد الامتياز، حين كان عضوا في وزارة بطرس باشا غالي، وهي حكومة خاضعة للمحتل الإنجليزي، كما تحدث الحفناوي عن مواقف الملك فاروق في القضية، وبعض وزرائه، ومنهم علي ماهر، وامتدح هذه المواقف لأنها لم تكن موالية لشركة قناة السويس، بل كانت على عكس ذلك تماما، تسعى لاسترجاع القناة، لكنّ أحدا من هؤلاء لم يذهب إلى حد التفكير، ولو للحظة واحدة، في تأميمها. وكانوا فقط يفكرون فقط في التجهيز لما يجب عمله فور انتهاء أجل الامتياز في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1968، وهو يثني أيضاً على مواقف محددة لحكومة الوفد ومصطفى النحاس، لكنه يسجل أن وزير المالية والداخلـية آنذاك وهو محمد فؤاد سراج الدين، وهو صاحب أكبر نفوذ في حكومة الوفد وقتئذ، كانت له تصريحات عجيبة بالنسبة لموضوع التأميم. فقد زار باريس، فأولمت له شركة قناة السويس في سنة 1951، وسأله الصحافيون هناك عما يقال عن احتمال تأميم قناة السويس، فاستنكر الدعوة، وحمل عليها حملة شديدة، وأكد أن الحزب الذي ينتمي إليه، ويشغل فيه منصب السكرتير العام، لن يفكر قط في تأميم الشركة، مؤكداً أن الشركة ستكمل المدة المتبقية من عقد الامتياز.
وفي مذكراته يوضح الحفناوي سبب اهتمامه بقناة السويس، ويذكر أنه سمع وهو صغير أن له جدا اسمه عبد الله كان واحدا من عمال السخرة الذين شاركوا في حفر القناة، وهرب من هناك ولم يعد إلى قريته «حفنة» التابعة لمحافظة الشرقية، بل ذهب إلى مدينة الزقازيق، حتى لا يتم القبض عليه وإعادته مرة أخرى إلى العمل. ولم يشفع له كونه حفيدا للشيخ محمد سالم الحفناوي شيخ الأزهر، وهناك اشتغل مع تاجر قطن يوناني حتى يوفر له الحماية بوصفه أجنبيا لا يجوز تفتيش محل عمله، وبعد وفاة التاجر اليوناني ورث عنه تجارته، ثم أفلس بعد الحرب العالمية الأولى، وشراء المصانع القطن بثمن بخس، وذكر الحفناوي أن وعيه تشكل في مناخ كان يتنفس ثورة 1919.
وذكر صاحب المذكرات أن الرئيس الراحل عبد الناصر حين قرر تأميم شركة قناة السويس، واختاره تكريما للجهود الضخمة التي بذلها في هذه القضية وعهد إليه بأن يكتب مشروع قرار جمهوري بتأميم الشركة، كان في نيته أن يلقيه بميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 يوليو (تموز) سنة 1956، لكن بعد حديث طويل بينه وبين عبد الناصر امتد إلى وقت متأخر من الليل، انتهت المقابلة بأمر من الرئيس بأن يلقاه في الليلة التالية، ومعه مشروع القرار الجمهوري، وفي الساعة عينها. وقد تمت المقابلة في الليلة التالية بحجرة الرئيس بمبنى قيادة الثورة بالجزيرة، وكان الأمر المشدد الذي صدر له هو ألا يعرف كائن من كان أنه موجود بالقاهرة؛ وذلك مراعاة لأقصى درجات السرية.
ويذكر الحفناوي أنه بقي منقطعا عن العالم، مختفيا بين جدران سكنه بالقاهرة حتى الدقيقة التي تحدث فيها الرئيس عبد الناصر وأعلن القرار، فانتقل إلى مقر شركة القناة في جاردن سيتي، ودار حديث حاد بينه وبين الكونت دي جراييه، الرئيس المحلي للشركة بمصر، حتى حضور قوة الشرطة المكلفة بتنفيذ إجراء التأميم بمقر القاهرة، وهناك فتح محضر لأول مجلس إدارة مصري لقناة السويس وكان عضوا فيه، إلى جانب عضوية مجلس إدارة هيئة قناة السويس، ورئيس جهازها القانوني.
وهاجم الحفناوي الكاتب محمد حسنين هيكل لأنه تقصد تجاهل اسمه، مشيرا إلى أن هيكل «تبرع بكلمة خاطفة في سطر أو سطرين، حين تعرض لتأميم شركة قناة السويس، فذكر أن الرئيس الراحل «يقصد عبد الناصر» كان قد استعان بمحام جعله في حجرة مجاورة، وعهد إليه بكتابة وثائق التأميم». وفات هيكل أن كبريات صحف العالم، في إنجلترا وفرنسا وأميركا بالذات، ألقت أضواء شديدة على هذا المحامي الذي تعمد هيكل إغفال اسمه. فقد ظهر في لندن مطبوع عن قناة السويس، ترجمته مصلحة الاستعلامات في مصر في حينه، وتضمن أسماء أعضاء أول مجلس إدارة لهيئة القناة. وقد وردت عبارة في ذلك المطبوع، تقول بالحرف الواحد «على أن التعيين الوحيد في هذا المجلس الذي له مغزى هو تعيين مصطفى الحفناوي».
وذكر الحفناوي أن هيكل فاته ما قاله جمال عبد الناصر، في لقاء عقد مساء 23 يوليو سنة 1956، وسمعه اثنان حضرا بداية هذا اللقاء، أحدهما علي صبري، والآخر إبراهيم الطحاوي، ومفاده أن الدكتور الحفناوي صار جزءا من التاريخ، وبعلمه وجهده الضخم يتم تأميم الشركة وتحرير القناة، كما أن ناصر ذكره بعد التأميم بسنوات في حديث له لصحيفة «الأوبزرفاتور» الفرنسية، وفي أحاديث أخرى مع مصريين وأجانب.
جهد الحفناوي في استقصاء قضية قناة السويس لم يكن بسيطا، واستمر لأكثر من اثني عشر عاما، سبقت التأميم، وفي تفاصيلها الكثير من الإثارة. وقد دعته دار نشر كبرى في نيويورك وعرضت أن تتحمل نفقات سفره، للتعاقد على كتاب يتضمن تلك الذكريات، ولم يتفق معها، ثم تكرر العرض، بل تم التعاقد بالفعل مع دار من أكبر دور النشر في بريطانيا وعصف العدوان الصهيوني في 5 يونيو (حزيران) 1967 بالعقد، فاعتذرت الدار عن طبع الكتاب. وقد حملته أسباب متعددة على البعد عن الأضواء، وأن يلوذ، مثلما يقول بصمت عميق. وأشار المؤلف إلى أن هناك أسرارا خطيرة لا يمكن أن تخفى عن الناس أو تسقط، وهي ملك التاريخ، وفي محفوظات شركة قناة السويس السرية التي وضع رجال الثورة عليها أيديهم، بعد التأميم مباشرة، ما لم يعرفه أحد حتى الآن عن الكيفية التي كانت تحكم بها مصر وقتها، وتدار بها من مكاتب شركة قناة السويس في لندن وباريس وقصر الدوبارة والإسماعيلية، وفي هذه الملفات «أسرار يشيب لها الجنين».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».