عدن... مدينة التعايش التي أنهكتها الحروب

«حارة الهنود» لا تزال شاهدة على اندماج القوميات المختلفة

إسكندر عبد الغفور أمام باب منزله في حارة الهنود بعدن  (تصوير: مشعل القدير)
إسكندر عبد الغفور أمام باب منزله في حارة الهنود بعدن (تصوير: مشعل القدير)
TT

عدن... مدينة التعايش التي أنهكتها الحروب

إسكندر عبد الغفور أمام باب منزله في حارة الهنود بعدن  (تصوير: مشعل القدير)
إسكندر عبد الغفور أمام باب منزله في حارة الهنود بعدن (تصوير: مشعل القدير)

حين تتنقل في مدينة عدن (جنوب اليمن)، تشدك أسماء أحياء وشوارع مثل شارع شاه زاهان، وشارع باكستان، وحارة الهنود، ومعبد الفرس، وحي الدوابية، وحي المكاوية، وحي اليزيديين، وحي اليهود. هي أسماء تعكس تنوع الأعراق والقوميات والأجناس في عدن، وتؤكد التعايش الذي ساد لأكثر من مائتي عام في هذه المدينة الواقعة على ساحل خليج عدن والبحر العربي.
تعرضت عدن لأزمات مرات عدة بسبب الحروب بين الأطراف السياسية الجنوبية قبل عام 1990، وبعدها عام 1994 خلال ما سمي «حرب الانفصال»، ثم حرب الحوثيين عام 2015، وآخرها الاشتباكات التي حصلت بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس (آب) 2018.
إسكندر عبد الغفور، المولود في مدينة عدن عام 1948، وهو مطرب شعبي ينحدر من أصول هندية يعيش في حي كريتر الراقي بحارة الهنود، لم يزر بلده الأصلي الهند إلا مرة واحدة في حياته، ويصف الحياة في عدن بـ«الجميلة»، رغم الظروف الصعبة.
وقال إسكندر لـ«الشرق الأوسط»، بينما كان يجلس على كرسي خشبي أمام باب منزله: «عملت مع أشهر الشركات البريطانية قديماً، وأول راتب تسلمته كان نصف شلن. كان عمري 11 عاماً عندما بدأت الغناء، ثم استمررت أغني بالهندي في الحفلات والزواجات».
ويتذكر عبد الغفور زيارة ملكة بريطانيا إلى عدن عام 1954، ويقول: «عندما جاءت الملكة إليزابيث إلى عدن، أعطت الأطفال أقلاماً وبعض الحلاوة والعلكة». وأشار إلى أنه زار بلده الأصلي الهند عام 1964 فقط، وكانت تكلفة الرحلة بالسفينة 350 شلناً، ومثلها للعودة، وتستغرق الرحلة نحو 4 أيام.
أما الدكتور إيهاب عبد القادر، من أبناء حي كريتر، فتحدث عن التنوع في المجتمع العدني، لافتاً إلى أن عدن معروفة بأنها مدينة كونية احتضنت كل الأجناس من أيام الإنجليز منذ أكثر من 200 سنة، حيث كان يعيش أبناء مكة أو من يسمون المكاويون، واليزيديون، والمصريون، والهنود المسلمون، واللبنانيون، والفرس، واليهود، ولا يزال معبد للفرس موجوداً فوق منطقة صهاريج عدن، حيث كانوا يتركون جثث موتاهم لتأكلها الطيور. وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «عدن كانت شبه جزيرة ليس بها سوى صيادين يعيشون على السواحل. وفي القديم، كانت تحكم الجميع القوانين، والكل متساو أمام القانون، ويسعون لتكون عدن منارة للمناطق الأخرى».
لكن الدكتور عبد القادر بيّن أن النسيج الاجتماعي في عدن تأثر كثيراً بفعل الصراعات والحروب التي شهدتها المدينة خلال السنوات الماضية، وتابع: «تلاشت القوميات بعد عام 1967؛ كان عدد سكان عدن 580 أسرة عدنية، وهم من دخلوا الانتخابات عام 1958، وهي الفترة الوحيدة التي كان فيها إحصاء حقيقي لسكان عدن، بعدها جاء الاستقلال، ونزحت كثير من الأسر».
إلى ذلك، ذكر مصطفى أحمد مانا (51 عاماً)، وهو أحد أبناء حارة الهنود في عدن، أن أجداده جاءوا إلى عدن قبل 100 سنة تقريباً، وتابع: «لديّ 3 أطفال: ولدان وبنت، حياة عدن جميلة لأن بها أناساً متعلمين ومثقفين».
وأكد مانا أن الهنود لا يزالون يطبخون الأكلات الهندية، وكذلك العربية، وهم محافظون على اللغة الهندية ويعلمونها أولادهم، رغم أنهم يواجهون صعوبة مع الجيل الجديد. كما أنهم تزاوجوا مع العرب، وأصبحوا أصهاراً وأنساباً.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

العالم العربي قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

تواصل الجماعة الحوثية إجراء تغييرات في المناهج التعليمية، بإضافة مواد تُمجِّد زعيمها ومؤسسها، بالتزامن مع اتهامات للغرب والمنظمات الدولية بالتآمر لتدمير التعليم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
TT

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)
جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)

بهدف توحيد الصف اليمني ومساندة الشرعية في بسط نفوذها على التراب الوطني كله، أعلن 22 حزباً ومكوناً سياسياً يمنياً تشكيل تكتل سياسي جديد في البلاد، هدفه استعادة الدولة وتوحيد القوى ضد التمرد، وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية بوصفها قضيةً رئيسيةً، ووضع إطار خاص لها في الحل النهائي، والحفاظ على النظام الجمهوري في إطار دولة اتحادية.

إعلان التكتل واختيار نائب رئيس حزب «المؤتمر الشعبي» ورئيس مجلس الشورى أحمد عبيد بن دغر رئيساً له، كان حصيلة لقاءات عدة لمختلف الأحزاب والقوى السياسية - قبل مقاطعة المجلس الانتقالي الجنوبي - برعاية «المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي»، حيث نصَّ الإعلان على قيام تكتل سياسي وطني طوعي للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، يسعى إلى تحقيق أهدافه الوطنية.

القوى السياسية الموقعة على التكتل اليمني الجديد الداعم للشرعية (إعلام محلي)

ووفق اللائحة التنظيمية للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، ستكون للمجلس قيادة عليا تُسمى «المجلس الأعلى للتكتل» تتبعه الهيئة التنفيذية وسكرتارية المجلس، على أن يكون المقر الرئيسي له في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وتكون له فروع في بقية المحافظات.

وبحسب اللائحة التنظيمية للتكتل، فإن الأسس والمبادئ التي سيقوم عليها هي الدستور والقوانين النافذة والمرجعيات المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والعدالة، والمواطنة المتساوية، والتوافق والشراكة، والشفافية، والتسامح.

ونصَّ الباب الثالث من اللائحة التنظيمية على أن «يسعى التكتل إلى الحفاظ على سيادة الجمهورية واستقلالها وسلامة أراضيها، والتوافق على رؤية مشتركة لعملية السلام، ودعم سلطات الدولة لتوحيد قرارها وبسط نفوذها على كافة التراب الوطني، وتعزيز علاقة اليمن بدول الجوار، ومحيطه العربي والمجتمع الدولي».

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في السلطة الشرعية، شارك في اللقاء التأسيسي للتكتل الجديد، لكنه عاد وقاطعه. وأكد المتحدث الرسمي باسمه، سالم ثابت العولقي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتابع نشاط التكتل الذي تعمل عليه مجموعة من الأطراف لإعلانه، ويؤكد عدم مشاركته في هذا التكتل أو الأنشطة الخاصة به، وأنه سيوضح لاحقاً موقفه من مخرجات هذا التكتل.

ومن المقرر أن يحل التكتل الجديد محل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تأسس منذ سنوات عدة؛ بهدف دعم الحكومة الشرعية في المعركة مع جماعة الحوثي الانقلابية.

ويختلف التكتل الجديد عن سابقه في عدد القوى والأطراف المكونة له، حيث انضم إليه «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» بقيادة العميد طارق صالح عضو مجلس القيادة الرئاسي، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وغيرهما من القوى التي لم تكن في إطار التحالف السابق.

ووقَّع على الإعلان كل من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، وحزب «التجمع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الناصري»، و«المكتب السياسي للمقاومة الوطنية»، و«الحراك الجنوبي السلمي»، وحزب «الرشاد اليمني»، وحزب «العدالة والبناء».

كما وقَّع عليه «الائتلاف الوطني الجنوبي»، و«حركة النهضة للتغيير السلمي»، وحزب «التضامن الوطني»، و«الحراك الثوري الجنوبي»، وحزب «التجمع الوحدوي»، و«اتحاد القوى الشعبية»، و«مؤتمر حضرموت الجامع»، وحزب «السلم والتنمية»، وحزب «البعث الاشتراكي»، وحزب «البعث القومي»، وحزب «الشعب الديمقراطي»، و«مجلس شبوة الوطني»، و«الحزب الجمهوري»، وحزب «جبهة التحرير».

وذكرت مصادر قيادية في التكتل اليمني الجديد أن قيادته ستكون بالتناوب بين ممثلي القوى السياسية المُشكِّلة للتكتل، كما ستُشكَّل هيئة تنفيذية من مختلف هذه القوى إلى جانب سكرتارية عامة؛ لمتابعة النشاط اليومي في المقر الرئيسي وفي بقية فروعه في المحافظات، على أن يتم تلافي القصور الذي صاحب عمل «تحالف الأحزاب الداعمة للشرعية»، الذي تحوَّل إلى إطار لا يؤثر في أي قرار، ويكتفي بإعلان مواقف في المناسبات فقط.

بن دغر مُطالَب بتقديم نموذج مختلف بعد إخفاق التحالفات اليمنية السابقة (إعلام حكومي)

ووفق مراقبين، فإن نجاح التكتل الجديد سيكون مرهوناً بقدرته على تجاوز مرحلة البيانات وإعلان المواقف، والعمل الفعلي على توحيد مواقف القوى السياسية اليمنية والانفتاح على المعارضين له، وتعزيز سلطة الحكومة الشرعية، ومكافحة الفساد، وتصحيح التقاسم الحزبي للمواقع والوظائف على حساب الكفاءات، والتوصل إلى رؤية موحدة بشأن عملية السلام مع الجماعة الحوثية.