الأشجار وغابة الأبراج الجديدة

توجه إلى اعتماد البناء باستخدام الأخشاب بشكل متزايد

الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب
الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب
TT

الأشجار وغابة الأبراج الجديدة

الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب
الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب

كان مايكل غرين يستشرف مستقبل صناعة البناء باستخدام الأخشاب، ربما الكثير من الأخشاب. ويعد المهندس المعماري الكندي - من فانكوفر - من بين أكثر المتحمسين لفكرة البناء بالكتل الخشبية الكبيرة، والمكونات الهيكلية والإنشائية الخشبية سابقة التجهيز التي يمكن استخدامها في تشييد المباني - حتى المباني الكبيرة منها - بوتيرة أسرع، مع القليل من النفايات والمخلفات، وربما بتكاليف مالية أقل.
والأهم من ذلك، كما يقول المهندس غرين وآخرون، أن البناء بالكتل الخشبية الكبيرة من شأنه التخفيف من آثار التغييرات المناخية، نظرا لأنه ينتج كميات قليلة من انبعاثات الغازات الدفيئة من أساليب البناء المعتادة بالخرسانة والصلب. وفي الأخشاب ميزة أخرى هي المقدرة على تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها الأخشاب في مراحل النمو مع تنقية المناخ منه إلى أجل غير مسمى.
تشمل مشاريع المهندس غرين للبناء بالكتل الخشبية الكبيرة على مبنى «تي ثري» الإداري في مينيابوليس (ويرمز اسم المبنى إلى الأخشاب، والتقانة، والنقل)، فضلا عن مبنيين آخرين لكلية الغابات بجامعة ولاية أوريغون، بما في ذلك منشأة مبنى البحث والتطوير في معهد تالوود للتصميم التابع للجامعة، وهو يقول: «ترجع نسبة 11 في المائة من البصمة الكربونية على مستوى العالم إلى المواد التي تُشيد بها المباني حول العالم».
وتشير التقديرات إلى الحاجة إلى ما يقرب من 2.5 تريليون قدم مربعة من المباني الجديدة على مدار العقود الأربعة المقبلة حول العالم لدعم النمو المستمر في المناطق الحضرية التي تتزايد كثافة السكان فيها يوما بعد يوم، وذلك وفقا لتقرير الحالة العالمية لعام 2017 والصادر عن برنامج البيئة التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وقال المهندس غرين إن «واصلنا البناء بنفس الأساليب والطرق المعهودة، فلن نحقق أي هدف من الأهداف المناخية المنشودة على الإطلاق، ولسوف نعمل على تغيير مستقبل أطفالنا والأجيال القادمة إلى الأبد وإنما بصورة سيئة للغاية».
وفي حين أن القطع المستمر للأشجار من أجل تشييد المباني قد لا يحمل الحساسية البيئية المتوقعة، إلا أن أنصار فكرة البناء بالكتل الخشبية الكبيرة يقولون إنه يمكن حصاد الأخشاب بصورة مستدامة من الغابات الخاضعة للتحكم المعقول.
هناك أعداد متزايدة من المهندسين المعماريين، والمطورين العقاريين، والحكومات، والمؤسسات التعليمية، والشركات تتوجه إلى اعتماد البناء باستخدام الأخشاب. وفي مدينة بيل السويسرية، استكملت شركة «سواتش غروب» لصناعة الساعات بناء ثلاثة مبان يُقال إنها من أكبر مشاريع البناء بالكتل الخشبية الكبيرة على مستوى العالم. والمشروع من تصميم المهندس المعماري «شيغرو بان»، الذي يتميز بإبداعاته المبتكرة في عالم الأخشاب. ويضم المجمع السويسري الجديد مقر الشركة العالمية على شكل أفعى ملتوية ذات واجهة خشبية شبكية التصميم.
ومن الجدير بالذكر أن كبار الشركات التكنولوجية في العالم باتت هي الأخرى تتجه نحو اعتماد البناء بالأخشاب، إذ تستخدم شركة مايكروسوفت البناء بالكتل الخشبية الكبيرة في مقرها الجديد بسيليكون فالي في ولاية كاليفورنيا، في حين أن شركة «سايدواك لابس»، الشركة الشقيقة للعملاقة غوغل، تضع الخطط الحالية لإنشاء منطقة جديدة على الواجهة البحرية في مدينة تورونتو الكندية لتكون من المباني الخشبية، وبعضها يصل ارتفاعه إلى 30 طابقا.
ولدينا توماس روبنسون، مؤسس شركة «ليفر أركيتكتشر» في بورتلاند بولاية أوريغون، التي أنجزت في الآونة الأخيرة بناء المكاتب المحلية لمؤسسة «نيتشر كونسرفانسي» الخيرية ومركز المجتمع باستخدام الأخشاب المعتمدة من قبل «مجلس الرقابة على الغابات»، والعمل مستمر حاليا في بناء مقر موسع لشركة أديداس باستخدام أسلوب البناء بالكتل الخشبية الكبيرة. يقول السيد روبنسون عن ذلك: «لقد تجاوزنا نقطة التحول في مدى قبولنا للبناء بالأخشاب. ويبحث المبتكرون والمبدعون الآن في نقطة التحول التالية، والخبرات الأكثر ثراء لموظفيهم وأساليب معيشتهم، وصاروا جميعا يفكرون في البناء بالكتل الخشبية الكبيرة».
وأضاف قائلا إن الفوائد المترتبة على ذلك تظهر في جماليات التصميمات والديكورات، فضلا عن المسؤولية البيئية المتضمنة، والناس يرتبطون بالأخشاب بصورة عفوية للغاية.
وقال المهندس غرين، الذي يتشاور مع مختبرات «سايدواك» بشأن مقترحها بالنسبة لمجمع مدينة تورونتو، أن البناء بالكتل الخشبية الكبيرة يحتاج إلى مزيد من الدعم والاهتمام بالنسبة للمباني ذات المساحات الأكبر من المباني السكنية والمباني ذات الارتفاعات المنخفضة، والتي تشكل الآن أغلب أعمال البناء بالكتل الخشبية الكبيرة. وبعد استكمال بناء مبنى «تي ثري» الإداري في مينيابوليس، ذي الطوابق السبعة، (من تصاميم مجموعة «دي إل آر» في أواخر عام 2016 كان يعتبر أطول مبنى خشبي مُقام في الولايات المتحدة الأميركية. وجرى بعده بناء مبنى سكني من ثمانية طوابق في بورتلاند يحمل اسم «كربون 12».
وهناك خطط قائمة لبناء مبنى جديد يحمل علامة «تي ثري» في مدينة أتلانتا، فضلا عن مشاريع أخرى قيد العمل والبناء في مدن ناشفيل، ودنفر، وأوستن الأميركية، ومدينة تورونتو الكندية.
وبحلول نهاية العام الماضي، جرى تغيير قواعد البناء الدولية للسماح بإنشاء المباني الخشبية لما يزيد على ارتفاع 270 قدما، أو ما يعادل نحو 18 طابقا، من أصل 85 قدما فقط المسموح بها في السابق. ولن تعتمد قواعد البناء الأميركية المعايير المعدلة حتى حلول عام 2021، ولكن بعض الولايات الأميركية سوف تسمح للمشروعات القائمة على المعايير الجديدة بتقديم أوراقها للاعتماد قبل ذلك التاريخ.
وفي أوروبا، التي بدأ البناء بالكتل الخشبية الكبيرة في حيازة الكثير من الزخم قبل عقدين من الزمان تقريبا، تحت دعاوى السياسات المناخية الصارمة، بدأت المباني الخشبية في بلوغ ارتفاعات غير مسبوقة. ففي الربيع الماضي، جرى تشييد مبنى «مجوستارنت» الإداري والسكني في مدينة «بروموندال» النرويجية بواسطة شركة «فول أركيتيكتر»، والذي أصبح أطول مبنى خشبي على مستوى العالم بارتفاع بلغ 280 قدما (85 مترا تقريبا) بما في ذلك هيكل خشبي مفتوح أعلى المبنى.
وبعد بضعة شهور فقط، تمت إضافة ستة طوابق إلى مبنى «هوهو فيينا» متعدد الاستخدامات، من تصميم شركة «روديغر لاينر وشركاه»، بنفس ارتفاع المبنى النرويجي تقريبا.
بيد أن الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد. إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة المخاوف بشأن التوسع في البناء بالأخشاب، لا سيما في غياب الالتزامات العالمية فيما يتعلق بالتنمية المستدامة للغابات. وتشير الجهات المتشككة في الاتجاهات الجديدة إلى محدودية البيانات المتاحة حول آثار البناء بالكتل الخشبية الكبيرة على المدى البعيد على مستويات الكربون في الغلاف الجوي للأرض، والتي لا يمكن الاستفادة الكاملة منها في حالة استخدام مكونات الأخشاب في عمليات التدوير وعدم السماح لها بالتحلل الطبيعي في نهاية العمر المفترض للمبنى.
كما ثارت أيضا مخاوف عميقة أخرى بشأن الأخشاب والوقاية من اندلاع النيران، وعارضت كل من «الرابطة الدولية لرؤساء إدارات مكافحة الحرائق» و«الرابطة الوطنية لرؤساء إدارات مكافحة الحرائق بالولايات» التحديثات الأخيرة على قواعد البناء الدولية، وقالوا من بين أمور أخرى، إنه يلزم إجراء المزيد من اختبارات الحرائق قبل الشروع في اعتماد البناء بالكتل الخشبية الكبيرة بأمان في المباني المرتفعة.
غير أن أولئك الذين يفضلون البناء بالأخشاب يقولون إن تشييد المباني الخشبية المرتفعة من الأمور الممكنة. وكانت الشركات المعمارية البارزة من شاكلة شركة «سكيدمور أوينغز»، و«ميريل بي إل بي»، و«بيركينز»، قد أجرت الدراسات على ناطحات السحاب ذات الأطر الخشبية التي يصل ارتفاعها إلى ما بين 40 و80 طابقا. واقترحت شركة «سوميتومو فوريستري» اليابانية للأخشاب بناء برج خشبي بارتفاع يبلغ 1100 قدم، باستخدام 90 في المائة من مواد البناء الخشبية في العاصمة طوكيو، والذي سوف يكون أطول مباني البلاد من هذه الفئة.
وإيضاحا للأمر، لا يدعو أنصار البناء بالأخشاب إلى العودة إلى أساليب البناء القديمة، قبل أن تضطر المدن الكبيرة مثل نيويورك وشيكاغو إلى حظر أغلب أعمال البناء الجديدة بالأخشاب بسبب الحرائق الهائلة المدمرة التي اندلعت في القرن التاسع عشر. وتشير فكرة البناء بالكتل الخشبية الكبيرة إلى مجموعة متنوعة من المكونات الهندسية الخشبية المختلفة، ومن أكثر هذه الأنواع شيوعا «الخشب التقاطعي المصفح» المعروف باسم (سي إل تي)، و«الخشب المسماري المصفح» المعروف باسم (إن إل تي)، وتوجد فيه طبقات متعددة من الألواح الخشبية، المكدسة عن زاوية 90 درجة القائمة، والملتصقة سويا بالصمغ أو بالمسامير تحت الضغط الهائل لتشكيل الألواح الهيكلية. وهناك «الخشب الملتصق المصفح» المعروف باسم (غلولامس)، والذي يجري تصنيعه بطريق مماثل لتلك التي كانت معروفة قبل ما يربو على قرن كامل من الزمان، وهي تستخدم في المعتاد في الألواح الطويلة مثل العوارض والأعمدة الخشبية.
تتميز مكونات الأخشاب الكبيرة بمقاومتها للحرائق المتوافقة نسبيا إلى السُّمك، كما أثبتت الاختبارات التي أجرتها إدارة الغابات بالولايات المتحدة، ومجلس الأخشاب الأميركي، ومختبر أبحاث الحرائق التابع للمكتب الأميركي للكحوليات والتبغ والأسلحة والمتفجرات، وغير ذلك من الجهات المعنية. وعندما تتعرض الكتل الخشبية الكبيرة للنيران، تتفحم الطبقة الخارجية، مما يؤدي إلى إبطاء الحرق مع خلق حاجز وقائي حول اللب. وعبر الكثير من اختبارات الحرائق، تجاوز أداء الكتل الخشبية الكبيرة متطلبات قواعد البناء بصفة مستمرة.
ثم أصبحت الرياح من المشاكل الجديدة لا سيما مع زيادة ارتفاعات المباني الخشبية، ومن بين الأسباب وراء ذلك أن المباني المشيدة بالكتل الخشبية الكبيرة لعدة طوابق هي عبارة عن هياكل هجينة، تشتمل على بعض مكونات الخرسانة أو الصلب، أو كلاهما من أجل توفير الصلابة والوزن.
وفي الوقت الراهن، تتعلق الكثير من مشروعات البناء بالكتل الخشبية الكبيرة باستلهام روح المباني الخشبية الصناعية القديمة، وإن كانت مميزة بوسائل الراحة الحديثة والتقنيات الجديدة بالقرن الحادي والعشرين. وتخطط شركة «شوب أركيتيكتس» في نيويورك إلى استخدام الكتل الخشبية الكبيرة في حي ديستيلري بمدينة تورونتو في بناء مجمع تجاري وسكني مكون من خمسة طوابق مستوحى من المباني التاريخية القديمة في نفس المنطقة. ولسوف يكون أول مشاريع شركة «شوب أركيتيكتس» باستخدام الكتل الخشبية الكبيرة، بعد توقف خطط بناء برج سكني من 10 طوابق ويتوقع تشييده في مانهاتن بسبب تعثر الحصول على الموافقات الرسمية.
يقول كريس شاربلز، أحد الشركاء المؤسسين في الشركة: «يريد الناس العمل والعيش في هذه الأنواع من المباني، فلديهم شعور خاص واتصال مع المواد الطبيعية. وما شهدناه من المصنعين وعمال البناء أن هناك انخفاضا بنسبة 35 في المائة في وقت تشييد المباني ذات الكتل الخشبية الكبيرة، مما يعني أن تكاليف الحمل الإجمالية أقل بكثير».
وأضاف السيد شاربلز قائلا: «مواقع العمل بالأخشاب هي أكثر هدوءا وأنظف من حيث النفايات، وعندما تعيش بالقرب من أحد مواقع البناء، فهناك ضجيج طوال الوقت مع وجود كل أنواع الشاحنات، مما يحيل حياتك إلى جحيم مؤقت. ونرى أن هذه المباني الخشبية في ازدياد مستمر، وهي أشبه ما تكون ببناء الحظائر الكبيرة في وسط الكتل السكنية».
وفي خاتمة المطاف، تحرك العوامل الاقتصادية وعوامل نوعية الحياة الاتجاه نحو البناء بالكتل الخشبية الكبيرة كمثل اعتبارات التغييرات المناخية العالمية سواء بسواء. ويقول المهندس غرين: «لا يفعل الناس ذلك لأسباب تتعلق بالبيئة، ربما أهتم أنا بذلك، ولكن بالنسبة إلى العملاء فإنهم يبحثون عن الخيارات والبدائل الأرخص سعرا». وتتزايد الأسعار رخصا بمرور الوقت، مع توسع رقعة الصناعة وتطور سلاسل التوريد. ولقد جرى الاستحواذ على شركة المهندس غرين بواسطة شركة «كاتيرا» لتكنولوجيا البناء، والتي تضم شركاتها أحد أكبر مصانع «الخشب التقاطعي المصفح» في مدينة سبوكين بولاية واشنطن الغربية الأميركية.
وفي حين أن المهندس غرين يتصور تفجر إمكانات الابتكار والإبداع بالنسبة إلى المهندسين المعماريين المستلهمة من التقنيات المستقبلية المتطورة مثل الخشب المطبوع بالتقانة ثلاثية الأبعاد، إلا أنه قال إن الاعتبارات المناخية تحمل أهمية بالغة في نفس الوقت. وأردف قائلا: «نحن في حاجة إلى تغيير الحوار بشأن ما نهتم ونحفل به في مجال الهندسة المعمارية. فهذه الحركة الجديدة معنية بتبديل مفهوم التصميمات الإنشائية ومدى جودتها. لا بد من وجود إطار جديد تماما لما نراه ونعتبره جميلا حولنا».
- خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»