الأشجار وغابة الأبراج الجديدة

توجه إلى اعتماد البناء باستخدام الأخشاب بشكل متزايد

الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب
الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب
TT

الأشجار وغابة الأبراج الجديدة

الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب
الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة مخاوف من التوسع في البناء بالأخشاب

كان مايكل غرين يستشرف مستقبل صناعة البناء باستخدام الأخشاب، ربما الكثير من الأخشاب. ويعد المهندس المعماري الكندي - من فانكوفر - من بين أكثر المتحمسين لفكرة البناء بالكتل الخشبية الكبيرة، والمكونات الهيكلية والإنشائية الخشبية سابقة التجهيز التي يمكن استخدامها في تشييد المباني - حتى المباني الكبيرة منها - بوتيرة أسرع، مع القليل من النفايات والمخلفات، وربما بتكاليف مالية أقل.
والأهم من ذلك، كما يقول المهندس غرين وآخرون، أن البناء بالكتل الخشبية الكبيرة من شأنه التخفيف من آثار التغييرات المناخية، نظرا لأنه ينتج كميات قليلة من انبعاثات الغازات الدفيئة من أساليب البناء المعتادة بالخرسانة والصلب. وفي الأخشاب ميزة أخرى هي المقدرة على تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها الأخشاب في مراحل النمو مع تنقية المناخ منه إلى أجل غير مسمى.
تشمل مشاريع المهندس غرين للبناء بالكتل الخشبية الكبيرة على مبنى «تي ثري» الإداري في مينيابوليس (ويرمز اسم المبنى إلى الأخشاب، والتقانة، والنقل)، فضلا عن مبنيين آخرين لكلية الغابات بجامعة ولاية أوريغون، بما في ذلك منشأة مبنى البحث والتطوير في معهد تالوود للتصميم التابع للجامعة، وهو يقول: «ترجع نسبة 11 في المائة من البصمة الكربونية على مستوى العالم إلى المواد التي تُشيد بها المباني حول العالم».
وتشير التقديرات إلى الحاجة إلى ما يقرب من 2.5 تريليون قدم مربعة من المباني الجديدة على مدار العقود الأربعة المقبلة حول العالم لدعم النمو المستمر في المناطق الحضرية التي تتزايد كثافة السكان فيها يوما بعد يوم، وذلك وفقا لتقرير الحالة العالمية لعام 2017 والصادر عن برنامج البيئة التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وقال المهندس غرين إن «واصلنا البناء بنفس الأساليب والطرق المعهودة، فلن نحقق أي هدف من الأهداف المناخية المنشودة على الإطلاق، ولسوف نعمل على تغيير مستقبل أطفالنا والأجيال القادمة إلى الأبد وإنما بصورة سيئة للغاية».
وفي حين أن القطع المستمر للأشجار من أجل تشييد المباني قد لا يحمل الحساسية البيئية المتوقعة، إلا أن أنصار فكرة البناء بالكتل الخشبية الكبيرة يقولون إنه يمكن حصاد الأخشاب بصورة مستدامة من الغابات الخاضعة للتحكم المعقول.
هناك أعداد متزايدة من المهندسين المعماريين، والمطورين العقاريين، والحكومات، والمؤسسات التعليمية، والشركات تتوجه إلى اعتماد البناء باستخدام الأخشاب. وفي مدينة بيل السويسرية، استكملت شركة «سواتش غروب» لصناعة الساعات بناء ثلاثة مبان يُقال إنها من أكبر مشاريع البناء بالكتل الخشبية الكبيرة على مستوى العالم. والمشروع من تصميم المهندس المعماري «شيغرو بان»، الذي يتميز بإبداعاته المبتكرة في عالم الأخشاب. ويضم المجمع السويسري الجديد مقر الشركة العالمية على شكل أفعى ملتوية ذات واجهة خشبية شبكية التصميم.
ومن الجدير بالذكر أن كبار الشركات التكنولوجية في العالم باتت هي الأخرى تتجه نحو اعتماد البناء بالأخشاب، إذ تستخدم شركة مايكروسوفت البناء بالكتل الخشبية الكبيرة في مقرها الجديد بسيليكون فالي في ولاية كاليفورنيا، في حين أن شركة «سايدواك لابس»، الشركة الشقيقة للعملاقة غوغل، تضع الخطط الحالية لإنشاء منطقة جديدة على الواجهة البحرية في مدينة تورونتو الكندية لتكون من المباني الخشبية، وبعضها يصل ارتفاعه إلى 30 طابقا.
ولدينا توماس روبنسون، مؤسس شركة «ليفر أركيتكتشر» في بورتلاند بولاية أوريغون، التي أنجزت في الآونة الأخيرة بناء المكاتب المحلية لمؤسسة «نيتشر كونسرفانسي» الخيرية ومركز المجتمع باستخدام الأخشاب المعتمدة من قبل «مجلس الرقابة على الغابات»، والعمل مستمر حاليا في بناء مقر موسع لشركة أديداس باستخدام أسلوب البناء بالكتل الخشبية الكبيرة. يقول السيد روبنسون عن ذلك: «لقد تجاوزنا نقطة التحول في مدى قبولنا للبناء بالأخشاب. ويبحث المبتكرون والمبدعون الآن في نقطة التحول التالية، والخبرات الأكثر ثراء لموظفيهم وأساليب معيشتهم، وصاروا جميعا يفكرون في البناء بالكتل الخشبية الكبيرة».
وأضاف قائلا إن الفوائد المترتبة على ذلك تظهر في جماليات التصميمات والديكورات، فضلا عن المسؤولية البيئية المتضمنة، والناس يرتبطون بالأخشاب بصورة عفوية للغاية.
وقال المهندس غرين، الذي يتشاور مع مختبرات «سايدواك» بشأن مقترحها بالنسبة لمجمع مدينة تورونتو، أن البناء بالكتل الخشبية الكبيرة يحتاج إلى مزيد من الدعم والاهتمام بالنسبة للمباني ذات المساحات الأكبر من المباني السكنية والمباني ذات الارتفاعات المنخفضة، والتي تشكل الآن أغلب أعمال البناء بالكتل الخشبية الكبيرة. وبعد استكمال بناء مبنى «تي ثري» الإداري في مينيابوليس، ذي الطوابق السبعة، (من تصاميم مجموعة «دي إل آر» في أواخر عام 2016 كان يعتبر أطول مبنى خشبي مُقام في الولايات المتحدة الأميركية. وجرى بعده بناء مبنى سكني من ثمانية طوابق في بورتلاند يحمل اسم «كربون 12».
وهناك خطط قائمة لبناء مبنى جديد يحمل علامة «تي ثري» في مدينة أتلانتا، فضلا عن مشاريع أخرى قيد العمل والبناء في مدن ناشفيل، ودنفر، وأوستن الأميركية، ومدينة تورونتو الكندية.
وبحلول نهاية العام الماضي، جرى تغيير قواعد البناء الدولية للسماح بإنشاء المباني الخشبية لما يزيد على ارتفاع 270 قدما، أو ما يعادل نحو 18 طابقا، من أصل 85 قدما فقط المسموح بها في السابق. ولن تعتمد قواعد البناء الأميركية المعايير المعدلة حتى حلول عام 2021، ولكن بعض الولايات الأميركية سوف تسمح للمشروعات القائمة على المعايير الجديدة بتقديم أوراقها للاعتماد قبل ذلك التاريخ.
وفي أوروبا، التي بدأ البناء بالكتل الخشبية الكبيرة في حيازة الكثير من الزخم قبل عقدين من الزمان تقريبا، تحت دعاوى السياسات المناخية الصارمة، بدأت المباني الخشبية في بلوغ ارتفاعات غير مسبوقة. ففي الربيع الماضي، جرى تشييد مبنى «مجوستارنت» الإداري والسكني في مدينة «بروموندال» النرويجية بواسطة شركة «فول أركيتيكتر»، والذي أصبح أطول مبنى خشبي على مستوى العالم بارتفاع بلغ 280 قدما (85 مترا تقريبا) بما في ذلك هيكل خشبي مفتوح أعلى المبنى.
وبعد بضعة شهور فقط، تمت إضافة ستة طوابق إلى مبنى «هوهو فيينا» متعدد الاستخدامات، من تصميم شركة «روديغر لاينر وشركاه»، بنفس ارتفاع المبنى النرويجي تقريبا.
بيد أن الحماس للبناء بالأخشاب لم يبلغ المستوى العالمي بعد. إذ أثارت بعض الجماعات المدافعة عن البيئة المخاوف بشأن التوسع في البناء بالأخشاب، لا سيما في غياب الالتزامات العالمية فيما يتعلق بالتنمية المستدامة للغابات. وتشير الجهات المتشككة في الاتجاهات الجديدة إلى محدودية البيانات المتاحة حول آثار البناء بالكتل الخشبية الكبيرة على المدى البعيد على مستويات الكربون في الغلاف الجوي للأرض، والتي لا يمكن الاستفادة الكاملة منها في حالة استخدام مكونات الأخشاب في عمليات التدوير وعدم السماح لها بالتحلل الطبيعي في نهاية العمر المفترض للمبنى.
كما ثارت أيضا مخاوف عميقة أخرى بشأن الأخشاب والوقاية من اندلاع النيران، وعارضت كل من «الرابطة الدولية لرؤساء إدارات مكافحة الحرائق» و«الرابطة الوطنية لرؤساء إدارات مكافحة الحرائق بالولايات» التحديثات الأخيرة على قواعد البناء الدولية، وقالوا من بين أمور أخرى، إنه يلزم إجراء المزيد من اختبارات الحرائق قبل الشروع في اعتماد البناء بالكتل الخشبية الكبيرة بأمان في المباني المرتفعة.
غير أن أولئك الذين يفضلون البناء بالأخشاب يقولون إن تشييد المباني الخشبية المرتفعة من الأمور الممكنة. وكانت الشركات المعمارية البارزة من شاكلة شركة «سكيدمور أوينغز»، و«ميريل بي إل بي»، و«بيركينز»، قد أجرت الدراسات على ناطحات السحاب ذات الأطر الخشبية التي يصل ارتفاعها إلى ما بين 40 و80 طابقا. واقترحت شركة «سوميتومو فوريستري» اليابانية للأخشاب بناء برج خشبي بارتفاع يبلغ 1100 قدم، باستخدام 90 في المائة من مواد البناء الخشبية في العاصمة طوكيو، والذي سوف يكون أطول مباني البلاد من هذه الفئة.
وإيضاحا للأمر، لا يدعو أنصار البناء بالأخشاب إلى العودة إلى أساليب البناء القديمة، قبل أن تضطر المدن الكبيرة مثل نيويورك وشيكاغو إلى حظر أغلب أعمال البناء الجديدة بالأخشاب بسبب الحرائق الهائلة المدمرة التي اندلعت في القرن التاسع عشر. وتشير فكرة البناء بالكتل الخشبية الكبيرة إلى مجموعة متنوعة من المكونات الهندسية الخشبية المختلفة، ومن أكثر هذه الأنواع شيوعا «الخشب التقاطعي المصفح» المعروف باسم (سي إل تي)، و«الخشب المسماري المصفح» المعروف باسم (إن إل تي)، وتوجد فيه طبقات متعددة من الألواح الخشبية، المكدسة عن زاوية 90 درجة القائمة، والملتصقة سويا بالصمغ أو بالمسامير تحت الضغط الهائل لتشكيل الألواح الهيكلية. وهناك «الخشب الملتصق المصفح» المعروف باسم (غلولامس)، والذي يجري تصنيعه بطريق مماثل لتلك التي كانت معروفة قبل ما يربو على قرن كامل من الزمان، وهي تستخدم في المعتاد في الألواح الطويلة مثل العوارض والأعمدة الخشبية.
تتميز مكونات الأخشاب الكبيرة بمقاومتها للحرائق المتوافقة نسبيا إلى السُّمك، كما أثبتت الاختبارات التي أجرتها إدارة الغابات بالولايات المتحدة، ومجلس الأخشاب الأميركي، ومختبر أبحاث الحرائق التابع للمكتب الأميركي للكحوليات والتبغ والأسلحة والمتفجرات، وغير ذلك من الجهات المعنية. وعندما تتعرض الكتل الخشبية الكبيرة للنيران، تتفحم الطبقة الخارجية، مما يؤدي إلى إبطاء الحرق مع خلق حاجز وقائي حول اللب. وعبر الكثير من اختبارات الحرائق، تجاوز أداء الكتل الخشبية الكبيرة متطلبات قواعد البناء بصفة مستمرة.
ثم أصبحت الرياح من المشاكل الجديدة لا سيما مع زيادة ارتفاعات المباني الخشبية، ومن بين الأسباب وراء ذلك أن المباني المشيدة بالكتل الخشبية الكبيرة لعدة طوابق هي عبارة عن هياكل هجينة، تشتمل على بعض مكونات الخرسانة أو الصلب، أو كلاهما من أجل توفير الصلابة والوزن.
وفي الوقت الراهن، تتعلق الكثير من مشروعات البناء بالكتل الخشبية الكبيرة باستلهام روح المباني الخشبية الصناعية القديمة، وإن كانت مميزة بوسائل الراحة الحديثة والتقنيات الجديدة بالقرن الحادي والعشرين. وتخطط شركة «شوب أركيتيكتس» في نيويورك إلى استخدام الكتل الخشبية الكبيرة في حي ديستيلري بمدينة تورونتو في بناء مجمع تجاري وسكني مكون من خمسة طوابق مستوحى من المباني التاريخية القديمة في نفس المنطقة. ولسوف يكون أول مشاريع شركة «شوب أركيتيكتس» باستخدام الكتل الخشبية الكبيرة، بعد توقف خطط بناء برج سكني من 10 طوابق ويتوقع تشييده في مانهاتن بسبب تعثر الحصول على الموافقات الرسمية.
يقول كريس شاربلز، أحد الشركاء المؤسسين في الشركة: «يريد الناس العمل والعيش في هذه الأنواع من المباني، فلديهم شعور خاص واتصال مع المواد الطبيعية. وما شهدناه من المصنعين وعمال البناء أن هناك انخفاضا بنسبة 35 في المائة في وقت تشييد المباني ذات الكتل الخشبية الكبيرة، مما يعني أن تكاليف الحمل الإجمالية أقل بكثير».
وأضاف السيد شاربلز قائلا: «مواقع العمل بالأخشاب هي أكثر هدوءا وأنظف من حيث النفايات، وعندما تعيش بالقرب من أحد مواقع البناء، فهناك ضجيج طوال الوقت مع وجود كل أنواع الشاحنات، مما يحيل حياتك إلى جحيم مؤقت. ونرى أن هذه المباني الخشبية في ازدياد مستمر، وهي أشبه ما تكون ببناء الحظائر الكبيرة في وسط الكتل السكنية».
وفي خاتمة المطاف، تحرك العوامل الاقتصادية وعوامل نوعية الحياة الاتجاه نحو البناء بالكتل الخشبية الكبيرة كمثل اعتبارات التغييرات المناخية العالمية سواء بسواء. ويقول المهندس غرين: «لا يفعل الناس ذلك لأسباب تتعلق بالبيئة، ربما أهتم أنا بذلك، ولكن بالنسبة إلى العملاء فإنهم يبحثون عن الخيارات والبدائل الأرخص سعرا». وتتزايد الأسعار رخصا بمرور الوقت، مع توسع رقعة الصناعة وتطور سلاسل التوريد. ولقد جرى الاستحواذ على شركة المهندس غرين بواسطة شركة «كاتيرا» لتكنولوجيا البناء، والتي تضم شركاتها أحد أكبر مصانع «الخشب التقاطعي المصفح» في مدينة سبوكين بولاية واشنطن الغربية الأميركية.
وفي حين أن المهندس غرين يتصور تفجر إمكانات الابتكار والإبداع بالنسبة إلى المهندسين المعماريين المستلهمة من التقنيات المستقبلية المتطورة مثل الخشب المطبوع بالتقانة ثلاثية الأبعاد، إلا أنه قال إن الاعتبارات المناخية تحمل أهمية بالغة في نفس الوقت. وأردف قائلا: «نحن في حاجة إلى تغيير الحوار بشأن ما نهتم ونحفل به في مجال الهندسة المعمارية. فهذه الحركة الجديدة معنية بتبديل مفهوم التصميمات الإنشائية ومدى جودتها. لا بد من وجود إطار جديد تماما لما نراه ونعتبره جميلا حولنا».
- خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»