قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود الأجنبي يصطدم بـ«داعش» وتصريف الأعمال

مخاوف من تداعياته على القوات العراقية ومن عودة التنظيم الإرهابي

رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق عادل عبد المهدي لدى استقباله أمس السفير الأميركي ماثيو تولر  وتناول البحث قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق (رويترز)
رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق عادل عبد المهدي لدى استقباله أمس السفير الأميركي ماثيو تولر وتناول البحث قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق (رويترز)
TT

قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود الأجنبي يصطدم بـ«داعش» وتصريف الأعمال

رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق عادل عبد المهدي لدى استقباله أمس السفير الأميركي ماثيو تولر  وتناول البحث قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق (رويترز)
رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق عادل عبد المهدي لدى استقباله أمس السفير الأميركي ماثيو تولر وتناول البحث قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في العراق (رويترز)

بين أن يكون ملزما للحكومة بوصفه صادرا عن أعلى سلطة تشريعية في البلاد أو مجرد توصية غير ملزمة للحكومة، تبدو تداعيات قرار البرلمان العراقي إنهاء الوجود الأجنبي وكذلك التحالف الدولي متباينة لجهة ما يراه الخبراء والمعنيون. فبالإضافة إلى الانقسام السياسي الحاد عرقيا (رفض الأكراد له) و(مذهبيا رفض السنة له) يعكس القرار اصطفافا واضحا إلى جانب إيران من قبل الكتل الشيعية ما يعني أن الأزمة السياسية في العراق عادت إلى المربع الأول عبر إعادة رسم الخرائط على أسس طولية «شيعة وسنة وأكراد» بعد أن جرى إلى حد كبير تجاوزها في الانتخابات التي جرت عام 2018 عندما تم تحطيم جدار المكونات العرقية والطائفية إلى نوع من الاصطفافات السياسية عبر تغيير واضح في رسم الخرائط باتجاه عرضي.
وبما أن كل شيء في العراق هش فإن الخرائط تبدو كذلك بحيث لم تستطع الصمود بحيث سقطت عند أول اختبار حقيقي لجديتها.
الآراء بشأن القرار بدت متباينة بين الخبراء والسياسيين والأكاديميين المتابعين للشأن العراقي بدءا من البعد القانوني لقرار البرلمان الذي لن يكون ملزما مثلما يرى الخبير القانوني المعروف طارق حرب. وقال حرب في بيان إن «قرار مجلس النواب لا يعتبر ملزما على اعتبار أنه أقل تأثيرا وقوة من القانون»، مبينا أنه «لم يتوجه إلى إلغاء أي شيء بشكل مباشر بل تضمن عبارات على الحكومة اتخاذ ما يلزم، ما جعله أقرب إلى توصيات وتوجيهات قد تستغرق فترة زمنية طويلة لتنفيذها». وأضاف أن «موضوع إصدار القرارات ليس بالشيء الجديد في التطبيق فهنالك قرار إلغاء مكاتب المفتشين العموميين وقرار إلغاء مجالس المحافظات الذين لم يطبقا لحين تشريع قانونين بنفس الشأن». وتابع حرب أن «القرار تطرق إلى الوجود العسكري الأجنبي، لكن الاتفاقية مع أميركا ليست بحاجة إلى قرار أو قانون على اعتبار أن المادة 11 منها تشير إلى حق أي طرف بالانسحاب من الاتفاقية شريطة الإخطار ومرور مدة عام على الإخطار»، لافتا إلى أن «الاتفاقية المبرمة مع أميركا كانت اتفاقية إطار استراتيجي وليست أمنية فقط، بل تضمنت قطاعات اقتصادية وتعليمية وسياحية وثقافية وهي جميعا بحاجة إلى فترة زمنية لتسويتها، وكان البرلمان مصيبا حين ترك المدة مفتوحة لتنفيذ التوصيات بالقرار ولم يحصرها بفترة زمنية محددة».
إلى ذلك أكد السياسي العراقي أثيل النجيفي محافظ نينوى الأسبق لـ«الشرق الأوسط» أن «ما ظهر لي من قرار البرلمان أن العراق انسحب من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وهذا يعني خسارة العراق لحليف كبير واستراتيجي في هذه المعركة، ومن الطبيعي أن يبدأ الخلل في مناطقنا فهي الأكثر هشاشة». وأضاف النجيفي أننا «مع الأسف نعرف أن شركاءنا في الوطن من الأحزاب الشيعية غير مكترثين لما يحدث في مناطقنا، ويمكن بكل سهولة أن يعتبروها ساحة صراع محتملة ولا يبالون بما يحدث فيها من مآس».
وردا على سؤال حول المخاوف من عودة «داعش» ثانية يقول النجيفي: «نعم بالتأكيد ليس بالضرورة (داعش) نفسه ولكن أي حركة إرهابية يمكن أن تأخذ دورا في منطقة ضعيفة لا تملك سلاحا وليس هناك جيش حقيقي يمكنه الدفاع عنها»، مبينا أن «الأجهزة الأمنية العراقية ما زالت مجرد صورة أكثر من كونها حقيقة، ومن دون الغطاء الجوي والمعلومات الاستخبارية الدولية فإن قدراتها تبقى ضعيفة جدا».
أما رئيس «مركز أكد للدراسات والرؤى السياسية» الدكتور حسين علاوي فإنه يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا توجد في الواقع قواعد عسكرية أميركية في العراق، وإنما هنالك قواعد عسكرية عراقية تحتضن بعثات تدريبية عسكرية من المستشارين الأميركيين ودول التحالف الدولي». وأضاف علاوي أن «قرار حكومة تصريف الأعمال الآن أنه سيتم العمل على سحب البعثات القتالية إن وجدت، ووضع جدول زمني لخروجها، أما دور التحالف الدولي والبعثة الاستشارية العسكرية الأميركية في المشورة والتدريب والتسليح فهو مستمر وسيستمر لأنه دور غير قتالي». وأوضح علاوي أن «الاستطلاع العميق والإسناد الجوي القريب سيكون مستمرا، لكن تحت إمرة قيادة العمليات المشتركة لتعزيز المعلومات الاستخبارية في المسوحات الطبوغرافية لمسرح العمليات في العراق».
وبشأن المخاطر من عودة «داعش» يقول علاوي إن «فلول كيان (داعش) الإرهابي قد تستغل الاضطراب السياسي والوضع العام وتقوم بهجمات تكتيكية هنا وهنالك من أجل الحصول على أهداف، وهذا سيكون موجودا كلما قل دور التحالف الدولي».
من جهته، فإن الدكتور معتز محيي الدين، رئيس المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «انسحاب القوات الأميركية سوف يؤثر على القدرة العسكرية العراقية بشكل كبير، حيث تم عقد عقود عسكرية وأمنية مع عدة شركات، والآن قوات التحالف الدولي الأميركية والبريطانية والفرنسية والأسترالية والهولندية والإيطالية تقدم مهمات الاستشارة والتدريب وهي مهمة جدا، خصوصا للشرطة وبالتالي فإن انسحاب القوات الأميركية يعني سحب هذه القوات، وبالتالي يصبح العراق غير قادر على تدريب قواته لأنه اعتمد اعتمادا كبيرا على قوات التحالف الدولي». ويضيف محيي الدين أن «إيطاليا مثلا أسست معسكرا خاصا في بغداد لتدريب الشرطة وهو ما يؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة مخاطر الإرهاب»، مبينا أن «(داعش) سوف تكون له اليد الطولى للدخول ثانية إلى المدن عندما لا يجد القوات الأمنية المتدربة تدريبا نوعيا متجددا كل عام طبقا للتطورات».
وأوضح أن «الانسحاب سوف يؤثر كذلك على القوات الجوية التي تعتمد كثيرا على إمكانيات قوات التحالف، لأن العراق لا يملك طيرانا كافيا، خصوصا على الحدود سواء بين العراق وسوريا أو العراق وتركيا». وبين أن «هناك اتفاقيات وقعها العراق مع عدة دول بشأن التدريب والتسليح والتجهيز تم توقيعها على عهد حيدر العبادي، وهو ما يصعب الخروج منها لأن فيها تداعيات وتبعات من شأنها الإضرار بالعراق كثيرا وقد يفتح الباب أمام دخول المسلحين ثانية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.