ناشطون يلاحقون السياسيين في المطاعم والمناسبات والندوات

نواب ووزراء اتخذوا تدابير أمنية جديدة وآخرون قرروا ملازمة المنزل

TT

ناشطون يلاحقون السياسيين في المطاعم والمناسبات والندوات

بات أي مسؤول سياسي في لبنان، حالياً كان أو سابقاً، يتفادى أي تواجد له في مكان عام، سواء في مطعم أو ندوة أو احتفال ما؛ خوفاً من الإحراج الذي قد يسببه له ناشطو الحراك الذين باتوا يلاحقونهم أينما تواجدوا، ويضغطون عليهم بالشعارات والهتافات المعادية لهم والتي تتهمهم بالسرقة والفساد، لمغادرة الأماكن التي يُصادف أن يكونوا فيها.
وسُجلت في الأسابيع والأيام القليلة الماضية أكثر من حادثة مماثلة، آخرها مساء الأحد الماضي في منطقة الجميزة في بيروت، حيث تجمع عدد من الشبان والشابات أمام أحد المطاعم بعدما رصدوا نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يتناول العشاء برفقة شخصين آخرين. فما كان من الناشطين إلا أن بدأوا بإطلاق الهتافات التي تتهمه بأنه جزء من الطبقة الفاسدة والسارقة، على غرار: «ثمانية وعشرين ومية (عدد النواب) كلن قرطة حرامية»، و«كلن يعني كلن... إيلي واحد منن»، و«وصلنا عالانهيار وما حدا بالو»؛ ما دفع الفرزلي إلى المغادرة بعد وصول عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي الذين رافقوه إلى خارج المطعم.
وسبقت واقعة مماثلة في مدينة طرابلس شمال لبنان هذه الحادثة؛ إذ أجبر ناشطون الوزير والنائب السابق أحمد فتفت على الخروج مستاءً من ندوة في غرفة التجارة والصناعة بعد سجالات عالية النبرة.
وفي منتصف الشهر الماضي، ضغط عدد من الناشطين على رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة خلال تواجده في الجامعة الأميركية في بيروت لحضور حفلة موسيقية ورددوا شعارات الحراك وأخرى معادية للقوى السياسية والسنيورة الذي قرر الانسحاب مع تصاعد الهتافات ضده.
وقبل ساعات، دعا منشور على إحدى الصفحات التي تبث أخبار الحراك على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التوجه إلى أحد المطاعم في جبل لبنان حيث يتواجد النائب نيكولا صحناوي للضغط عليه للمغادرة.
ودفعت هذه الظاهرة الجديدة المسؤولين اللبنانيين، سواء السابقون أو الحاليون، إلى اتخاذ تدابير أمنية إضافية، فبات من يتنقلون عادة من دون عناصر أمن، لا يغادرون من دونهم، أما الآخرون فعززوا من هذه العناصر، في حين ارتأت البقية ملازمة منازلها لتفادي أي إحراج قد يتسبب به الناشطون.
ورفضت الشخصيات الأربع السابق ذكرها التعليق مباشرة على ما حصل معها، إلا أن أحدهم، فضّل عدم ذكر اسمه واكتفى بالتأكيد على أن ما حصل معه «تم بإيعاز من شخص أعرفه جيداً»، واستهجن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التعرض لكل السياسيين «من دون التمييز بين الجيد والسيئ».
واختلفت أيضاً ردود فعل اللبنانيين على هذه الظاهرة؛ إذ رفض بعضهم تعميم تهمة الفساد والسرقة على كل السياسيين من دون استثناء أو محاكمة، والقيام بإحراجهم علناً ودفعهم لمغادرة أماكن عامة، في حين احتفى بها آخرون.
وأوضح الناشط السياسي لوسيان أبو رجيلي الهدف من هذا التحرك، قائلاً إن «كل من تواجد ويتواجد في مجلس النواب ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية يتحمل مسؤولية ما وصل إليه البلد من انهيار». وتساءل: «ألم يعط إيلي الفرزلي مثلاً الثقة للحكومة التي تحولت لتصريف الأعمال؟ أو لم يصوت لتكليف حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة؟ فإذن هو يتحمل مسؤوليات كبيرة وعلينا محاسبته كسواه من النواب الذين قاموا بالمثل».
وشرح أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في كل دول العالم تتم محاسبة المسؤولين على مجرد تصويتهم في اتجاه معين، حتى ولو بعد مرور 20 عاماً». وأضاف: «قد تكون هذه الظاهرة جديدة على المجتمع اللبناني، لكن على اللبنانيين التأقلم معها؛ لأنها عبارة عن تصعيد مهم من منطلق أن الثوار باتوا يصبّون غضبهم في الاتجاه الصحيح». وقال إن «عنصر الأمن أو موظف المصرف أو غيرهما مأمورون وينفذون ما يطلبه منهم القادة وأرباب عملهم. أما النواب والوزراء وأصحاب المصارف فهؤلاء يتوجب أن يُحاسبوا، وهذا ما نقوم به».
وأشار نائب في «التيار الوطني الحر»، فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى أنه بات يتفادى الخروج من منزله إلا في حالات الضرورة، وأنه طلب استقدام عناصر أمن يناوبون تحت منزله تفادياً لتعرضه وأفراد عائلته لأي أذى. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف الوضع الذي وصلنا إليه مؤسف تماماً، فالسياسي الجيد بات مشمولاً مع السياسي الفاسد. أهكذا نكافئ من لم يسرق ويشارك في عمليات الفساد من خلال وضعه في سلة واحدة مع من أمعن بإيصال البلد إلى ما وصل إليه من انهيار؟».
وكشف نائب آخر من المستقلين، عن أنه فكر أكثر من مرة بالاستقالة من البرلمان «للانضواء كلياً في صفوف الثورة والثوار»، لكنه أعاد حساباته ليقينه بأنه من موقعه «قادر على مساندة الثورة وتحقيق أكثر بكثير من التواجد خارج السلطة». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الناس في نهاية المطاف يجب أن يدققوا في مسيرة كل نائب وموقعه، وإذا ما كان ينتمي إلى أحزاب السلطة ومواقفه واتجاهات تصويته، والأهم تمييز أن من يتواجد في مجلس النواب لا يمكن له الوصول للمال العام بخلاف الوزير، وبالتالي اتخاذ قرار مواجهته بعد ذلك كله».



مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
TT

مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

جدّدت مصر الحديث عن صعوبات مسار التفاوض مع إثيوبيا بشأن قضية «سد النهضة»، مؤكدة أنها «خاضت تجربة مريرة لمدة 13 عاماً»، ورهنت حدوث انفراجة في الملف بـ«توافر إرادة سياسية لدى أديس أبابا».

وجدَّد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء تلفزيوني، مساء السبت، تأكيده «محورية حقوقها المائية من مياه النيل»، وقال إن بلاده «ترفض الممارسات الأحادية، من الجانب الإثيوبي، بشأن مشروع (السد)».

وتقيم إثيوبيا مشروع سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي، منذ 2011، ويواجَه مشروع السد باعتراضات من دولتَي المصب مصر والسودان؛ للمطالبة باتفاق قانوني ينظم عمليات «تشغيل السد».

وشدد وزير الخارجية المصري على «ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن السد الإثيوبي»، وقال إن «بلاده لها تجربة مريرة امتدت إلى 13 عاماً دون التوصل إلى أي نتيجة بشأن (سد النهضة)»، مشيراً إلى أن «أديس أبابا ليست لديها الإرادة السياسية للوصول لاتفاق قانوني».

وعدّ عبد العاطي ملف المياه «قضية وجودية لمصر والسودان»، وقال إن «موقف الدولتين متطابق بشأن السد الإثيوبي».

وتنظر القاهرة لأمنها المائي بوصفه «قضية وجودية»، حيث تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، وفق بيانات وزارة الري المصرية.

ورهن عبد العاطي الوصول لاتفاق بين الدول الثلاث بشأن السد بـ«ضرورة توافر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا؛ من أجل التوصل لاتفاق قانوني». وقال إن «ممارسات أديس أبابا الأحادية بملء بحيرة السد وتشغيله انتهاك لمبادئ القانون الدولي، باعتبار نهر النيل نهراً دولياً مشتركاً عابراً للحدود».

وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قرب «اكتمال بناء مشروع السد»، وقال، في شهر أغسطس (آب) الماضي، إن «إجمالي المياه في بحيرة السد ستصل إلى 70 مليار متر مكعب، نهاية عام 2024».

ويرى الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، أن «الحكومة الإثيوبية لم تلتزم باتفاقيات التعاون المبرَمة بينها وبين مصر والسودان، خصوصاً إعلان المبادئ الذي جرى توقيعه عام 2015، بين الدول الثلاث»، إلى جانب «مخالفة الاتفاقيات الدولية، المتعلقة بالأنهار العابرة للحدود، والتي تقضي بعدم إقامة أي مشروعات مائية، في دول المنابع، دون موافقة دول المصب»، منوهاً بأن «أديس أبابا لم تستشِر القاهرة والخرطوم بخصوص مشروع السد».

ووقَّعت مصر وإثيوبيا والسودان، في مارس (آذار) 2015، اتفاق «إعلان مبادئ» بشأن سد النهضة، تضمَّن ورقة تشمل 10 مبادئ وتعهدات تلتزم بها الدول الثلاث، من بينها التزام إثيوبيا «بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب».

وفي تقدير حجاج، فإن «الجانب الإثيوبي لم يشارك في مسارات التفاوض بشأن السد، بحسن نية». وقال إن «أديس أبابا أفشلت المفاوضات بسبب التعنت وغياب الإرادة السياسية لإبرام اتفاق قانوني بشأن السد»، ودلل على ذلك بـ«عدم التجاوب الإثيوبي مع توصيات مجلس الأمن بضرورة الوصول لاتفاق نهائي بشأن السد».

كان مجلس الأمن قد أصدر بياناً، في سبتمبر (أيلول) 2021، حثّ فيه مصر وإثيوبيا والسودان على «استئناف المفاوضات؛ بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزِم للأطراف بشأن ملء (السد) وتشغيله ضمن إطار زمني معقول».

بدوره، يعتقد خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، أن «القاهرة واجهت صعوبات عدة في مسار مفاوضات سد النهضة؛ بسبب تعنت الجانب الإثيوبي». وقال إن «أديس أبابا لم تُثبت جديتها في جولات التفاوض على مدار 13 عاماً»، معتبراً أن ما يحرك الجانب الإثيوبي «المكايدة السياسية ضد القاهرة، وممارسة ضغوط جيوسياسية عليها».

وحذّرت وزارة الخارجية المصرية، في خطاب إلى مجلس الأمن، نهاية أغسطس الماضي، من «تأثيرات خطيرة للسد على حصتي مصر والسودان المائيتين». وأشارت إلى «انتهاء مسارات المفاوضات بشأن سد النهضة بعد 13 عاماً من التفاوض بنيّاتٍ صادقة». وأرجعت ذلك إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل إلى حل».