«تيار المستقبل» ينفي ممارسة ضغوط والتسبب في «عقدة توزير السنة»

علوش: لا نملك جيوشاً من دراجات نارية أو قمصان سود

TT

«تيار المستقبل» ينفي ممارسة ضغوط والتسبب في «عقدة توزير السنة»

منذ تكليف حسان دياب تأليف الحكومة في لبنان يواجه، ضمن عدد من العقد، ما سمي بـ«العقدة السنية» وما رافقها من اتهامات لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بوضع «فيتو» على أبناء الطائفة، واضطرار دياب إلى الاتصال بشخصيات سنية قادرة على الصمود في وجه الضغوط، ليعتذر معظمها، خوفاً من «فيتو» الحريري.
استقصت «الشرق الأوسط» عن هذه «العقدة» وغيرها مما يتم تسريبه في وسائل الإعلام، لتتبين أن عدداً من ذوي الاختصاص ومن الناشطين في الشأن العام تلقوا اتصالات من فريق «استشاريين» لحسان دياب، للسؤال عن مدى قبولهم بالمشاركة في الحكومة. وكان التركيز على أساتذة من الجامعة الأميركية يعرفون بالكفاءة. وأضاف أحد المصادر أنه «تلقى اتصالاً بصفته شخصية بيروتية، وسأله المتصل إن كان لديه اهتمام بالتوزير، فرفض، ليس بناء على موقف مسبق ولكن لأن طريقة الطرح كانت بعيدة عن الجدية، وكأن ما يجري حالياً هو اهتمام بالإخراج وليس المضمون، انطلاقاً من استخدام العناوين الكبرى لانتفاضة الشارع وإسقاطها لملء الفراغات، كما يحصل في لعبة البازل، في حين أن التركيبة الحكومية معلبة وجاهزة. والحديث عن عقد أو استشارات لعبة الغرض منها تحسين صورة الحكومة ورئيسها».
إلا أن النائب في كتلة «اللقاء التشاوري»، التي تضم ستة نواب سنة محسوبين على قوى «8 آذار»، الوليد سكرية، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «سمع من رئيس الحكومة المكلف إصراره على حكومة اختصاصيين، ورفضه أن يتشاطر أي فريق سياسي لإبقاء وزير يخصه، مما يشجع الآخرين على العمل بالمثل. علينا الانتظار لنرى أسماء من سيتم توزيرهم وبعدها يتم الحكم عليها. صحيح أن هناك ضغطاً، لكن هناك أيضاً شخصيات تكنوقراط غير مسيسة». وأشار إلى أن «شارع (تيار المستقبل) هو من يتحرك، وفقد معادلة إما الحريري أو لا أحد. كأن الآخرين ليسوا سنة. لذا ينشط التحريض ودفع المال لينزل المتظاهرون إلى الشارع والاعتداء على القوى الأمنية». في المقابل، يرفض النائب السابق من «تيار المستقبل» مصطفى علوش، في حديث مع «الشرق الأوسط»، ما يشاع عن ضغط يمارسه الحريري أو «المستقبل»، قائلا: «لا أحد يُرهِب أبناء الطائفة السنية. من يشتهي التوزير فليفعل ذلك. معلوم أن ليس لدينا القدرة على قمع الناس من خلال «7 أيار» جديد، ولا نملك جيوشاً من درجات نارية أو قمصان سود أو مجموعات تتصدى بالعصي على من لا يعجبها». وأضاف أن «عقدة توزير السنة، مردها التركيبة اللبنانية الطائفية غير المأسوف عليها، وتحوير مفهوم الميثاقية وفق مصالح التيار الوطني الحر لإيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، عوضاً عن الالتزام باتفاق الطائف الذي ينص على التوزيع الطائفي للرئاسات الثلاث ولموظفي الفئة الأولى فقط، وليس الميثاقية العونية التي أدت إلى رد فعل سلبي لدى الآخرين، وإلى تجنب شخصيات ذات وزن أخلاقي وإنساني القبول بالتوزير في ظل هذه التركيبة».
ويعتبر علوش أن «الحكومة جاهزة، والحديث عن العقد يهدف إلى ذر الرماد في العيون. و(وزير الخارجية المستقيل) جبران باسيل له اليد الطولى في التشكيلة، كما أن الثنائي الشيعي يصر على المشاركة. فمن كان مصراً على شروط الحريري ليرأس الحكومة، لن يعطي حسان دياب ما رفض إعطاءه للحريري». إلا أن الناشط في الحراك والأستاذ في الجامعة الأميركية، ناصر ياسين، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «رفض بعض الشخصيات الدخول في الحكومة لا يعود فقط إلى العامل الطائفي، إنما بسبب طبيعة هذه التركيبة، مقارنة بما طمح إليه اللبنانيون، بالإضافة إلى علامات الاستفهام الكبيرة بشأن الأسماء والحصص. ولا يعني هذا أن التشيكلة الحكومية المرتقبة لن تضم شخصيات من ذوي الكفاءة. لكن المشكلة في طريقة التكليف والتأليف في غياب برامج شفافة». وأضاف ياسين أن «تشكيل الحكومة قد يؤدي إلى صدمة إيجابية، ويفتح النقاش مع الجهات المانحة. لكن ذلك لن يحل الأزمة المتفاقمة».
وفي حين يشير سكرية إلى أن «الحكومة محلحلة»، يوضح أيضاً أنه «إذا لم يرض المجتمع الدولي على الحكومة العتيدة فلن يتعاون معها، فتسقط. والأمر منوط بتصاعد الأحداث في المنطقة، وتحديداً ما يحصل في العراق. فقد أعطى الانقسام الشيعي فرصة للأميركيين للاستثمار في العراق وقطع الطريق على إيران إلى سوريا. وهذا التطور الجديد يضع لبنان في حالة انتظار قد تمتد ستة أشهر لتتضح الصورة الإقليمية. وخلال هذه المرحلة سيكون لبنان بصدد معالجة داخلية مؤقتة لأزمته، في حين يبقى التعويل على الدعم الدولي». ولا يتوقع علوش أن «تستطيع الحكومة العتيدة إقناع اللبنانيين بقدرتها على مواجهة الأزمات، ولن تحث الدول المانحة على المساعدة. وإذا لم تتوفر للبنان كتلة نقدية وازنة وتتأمن السيولة المفقودة فسنصل إلى الانفجار، وربما إلى مؤتمر تأسيسي سيكون المسيحيون هم الخاسر الأكبر فيه، فالمثالثة غير المناصفة، ما قد يؤدي إلى اقتراحات بتداول الطوائف لرئاسة الجمهورية وقيادة الجيش أو استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية وإلغاء الترتيب الحالي لموظفي الفئة الأولى. فاللعب بالنار بدل المحافظة على اتفاق الطائف والسعي لتنفيذه سيلغي الامتيازات التي حصل عليها الطرف المسيحي بموجب هذا الاتفاق». وعن انتفاضة اللبنانيين وخطواتها بعد تشكيل الحكومة، يقول ياسين إن «مجموعات الانتفاضة، وبعد 77 يوماً، تقوم بمراجعة ذاتية جدية بشأن ما تم تحقيقه لجهة استقالة الحكومة وانتظار حكومة إنقاذ. ونحن اليوم نبحث عن السبل الفعالة للتعامل مع الأوضاع. والأهم تطوير تحركنا إلى عمل سياسي باتجاه معركة النقابات والانتخابات النيابية وفق برنامج سياسي واضح للمجموعات الساعية إلى التغيير».
ويحذر ياسين من «تحول المطالب بالإصلاحات إلى غضب وعنف شديد ضد السلطة المالية. وسنرى ذلك أكثر فأكثر. إذ كيف يمكن تفسير مشهد مواطن غاضب يشهر سلاحه بوجه موظف بنك ليحصل على راتبه. ولعل هذا العامل يشكل سبباً للاستعجال في إنجاز التشكيلة الحكومية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.