سوريا بعد 9 سنوات من الحرب: 585 ألف ضحية ومليونا جريح

نازحون من معرة النعمان في ريف إدلب باتجاه شمال سوريا قرب حدود تركيا (إ.ب.أ)
نازحون من معرة النعمان في ريف إدلب باتجاه شمال سوريا قرب حدود تركيا (إ.ب.أ)
TT

سوريا بعد 9 سنوات من الحرب: 585 ألف ضحية ومليونا جريح

نازحون من معرة النعمان في ريف إدلب باتجاه شمال سوريا قرب حدود تركيا (إ.ب.أ)
نازحون من معرة النعمان في ريف إدلب باتجاه شمال سوريا قرب حدود تركيا (إ.ب.أ)

تسببت الحرب السورية، منذ اندلاعها، قبل نحو تسع سنوات بغياب ومقتل 585 ألف شخص، بينهم 380 ألفاً تم التأكد من قتلهم، بينهم ما يزيد على 115 ألف مدني، إضافة إلى إصابة مليوني شخص بجروح مختلفة وإعاقات دائمة وتشريد 12 مليوناً من أصل 23 مليون سوري كانوا في 2011.
وتشهد سوريا، منذ منتصف مارس (آذار) 2011، نزاعاً دامياً، بدأ باحتجاجات شعبية سلمية ضد النظام، سرعان ما قوبلت بالقمع والقوة من قوات النظام قبل أن تتحول حرباً مدمرة تشارك فيها أطراف عدة.
ووثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل 380 ألفاً و636 شخصاً منذ اندلاع النزاع، بينهم أكثر من 115 ألف مدني، موضحاً أن بين القتلى المدنيين نحو 22 ألف طفل، وأكثر من 13 ألف امرأة.
وكانت الحصيلة الأخيرة لـ«المرصد»، في 15 مارس 2018، أفادت بمقتل أكثر من 370 ألف شخص.
وفيما يتعلّق بالقتلى غير المدنيين، أحصى «المرصد» مصرع أكثر من 128 ألف عنصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، أكثر من نصفهم من الجنود السوريين، بينهم 1682 عنصراً من «حزب الله» اللبناني الذي يقاتل بشكل علني إلى جانب دمشق منذ 2013.
في المقابل، قُتِل أكثر من 69 ألفاً على الأقل من مقاتلي الفصائل المعارضة والإسلامية و«قوات سوريا الديمقراطية»، التي تشكل الوحدات الكردية أبرز مكوناتها وتمكنت العام الماضي من القضاء على «خلافة» تنظيم «داعش»، بدعم أميركي.
كما قتل أكثر من 67 ألفاً من مقاتلي تنظيم «داعش» و«جبهة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بالإضافة إلى مقاتلين أجانب من فصائل متشددة أخرى.
وتشمل هذه الإحصاءات، وفق «المرصد»، مَن أمكن توثيق وفاتهم جراء القصف خلال المعارك، ولا تضم مَن تُوفّوا جراء التعذيب في المعتقلات الحكومية أو المفقودين والمخطوفين لدى مختلف الجهات. ويُقدّر عدد هؤلاء بنحو 88 ألف شخص.
فضلاً عن الخسائر البشرية، أحدث النزاع منذ اندلاعه دماراً هائلاً في البنى التحتية، قدرت الأمم المتحدة تكلفته بنحو 400 مليار دولار. كما تسبب بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
ومع اقتراب النزاع من نهاية عامه التاسع، باتت القوات الحكومية تسيطر على نحو ثلثي مساحة سوريا، وتنتشر في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، شمال شرقي البلاد، بموجب اتفاق بين الطرفين أعقب هجوماً تركياً على المنطقة الحدودية.
وتُعدّ إدلب ومحيطها منطقة خارجة عن سيطرة قوات النظام، التي تصعّد بين الحين والآخر عملياتها العسكرية فيها، ما دفع نحو 284 ألف شخص إلى الفرار من جنوب إدلب، الشهر الماضي فقط، بحسب الأمم المتحدة.
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) على الجزء الأكبر من إدلب ومحيطها، التي تؤوي نحو ثلاثة ملايين نسمة، وتنشط فيها أيضاً فصائل إسلامية ومعارضة أقل نفوذاً.
ولطالما كرر الرئيس بشار الأسد عزمه استعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة قواته، سواء عبر المفاوضات أو القوة العسكرية.
ويعتبر مسؤولون سوريون على رأسهم الأسد أن بلادهم تواجه حرباً جديدة تتمثل بالحصار الاقتصادي والعقوبات التي تفرضها دول غربية على دمشق منذ سنوات.
وقال «المرصد» إن هذه الإحصائية للخسائر البشرية، لم تشمل نحو 88 ألف مواطن قُتِلوا تحت التعذيب في معتقلات نظام بشار الأسد وسجونه. كما لم تُضمَن مصير أكثر من 3200 مختطَف من المدنيين والمقاتلين في سجون تنظيم «داعش»، إضافة لأنها لم تشمل مصير أكثر من 4100 أسير ومفقود من قوات النظام والمسلحين الموالين، وما يزيد على 1800 مختطف لدى الفصائل المقاتلة والكتائب الإسلامية وتنظيم «داعش»، و«جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً)، بتهمة موالاة النظام. وقدر «المرصد» العدد الحقيقي لمن قُتلوا أكثر بنحو 105 آلاف، من الأعداد التي تمكن من توثيقها: «نتيجة التكتم الشديد على الخسائر البشرية من قبل كافة الأطراف المتقاتلة، ووجود معلومات عن مدنيين لم يتمكن المرصد من التوثق من وفاتهم، لصعوبة الوصول إلى بعض المناطق النائية في سوريا».
وقال: «المرصد السوري» إن «العمليات العسكرية المتواصلة وعمليات القصف والتفجيرات أسفرت عن إصابة أكثر من مليونَي سوري بجراح مختلفة وإعاقات دائمة، فيما شُرِّدَ نحو 12 مليون مواطن آخرين منهم، من ضمنهم مئات آلاف الأطفال ومئات آلاف المواطنات، بين مناطق اللجوء والنزوح، ودمرت البنى التحتية والمشافي والمدارس والأملاك الخاصة والعامة بشكل كبير جداً».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.