قبل ساعات من بداية جلسة الثقة في الحكومة الإسبانية الجديدة، صباح أمس السبت، شهدت الأزمة الانفصالية في كاتالونيا تصعيداً جديداً بالغ الخطورة، لم تعرفه حتى في ذروة اندلاعها أواخر عام 2017، وراحت ترخي بظلالها على كامل المشهد السياسي الإسباني التي يتحرّك منذ أشهر على وقع تطوراتها. وبعد أن كان الحزب الاشتراكي قد ضمن حصول مرشّحه بيدرو سانتشيز، على الأغلبية الكافية التي تمنحه ثقة البرلمان لتشكيل الحكومة الجديدة في الجولة الثالثة من التصويت يوم الثلاثاء المقبل، إثر الاتفاق الذي توصّل إليه مع حزب اليسار الجمهوري في كاتالونيا، بات مصير الجلسة مرهوناً بالتطورات المتسارعة التي تحبس أنفاس الإسبان منذ مساء الجمعة الماضي.
بدأ المسلسل التصعيدي في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، عندما أعلنت اللجنة الانتخابية المركزية، ومقرّها في مدريد، قرارها بتجريد رئيس الحكومة الإقليمية في كاتالونيا، كيم تورّا، من حقوقه السياسية وإقالته من منصبه، بعد أن كانت قد أدانته بالعصيان لرفضه تنفيذ قرار سابق لها بإزالة الشعارات الانفصالية عن مبنى الحكومة الإقليمية خلال الحملة الانتخابية السابقة.
وبعد دقائق من إعلان اللجنة الانتخابية المركزية عن قرارها، دعا تورّا إلى جلسة طارئة للحكومة الإقليمية خرج بعدها ليعلن رفضه الإذعان لقرار اللجنة، فيما كان موظّفون يُنزلون العلم الإسباني عن مقرّ الحكومة الإقليمية في برشلونة، الأمر الذي لم يحصل حتى في عز الأزمة الانفصالية منذ عامين.
كانت اللجنة الانتخابية قد اتخذت قرارها بعد مداولات طويلة بين أعضائها، انتهت بترجيح كفّة المؤيدين للإقالة بأكثرية 7 أصوات مقابل 6 اعتبروا أن القرار يقع ضمن صلاحيات اللجنة الانتخابية في إقليم كاتالونيا. وأعلنت الناطقة بلسان الحزب الاشتراكي أدريانا لاسترا، التي قادت المفاوضات مع الانفصاليين، أن الحزب «تساوره شكوك حول صلاحيات اللجنة الانتخابية المركزية للبتّ في هذا الموضوع». ويخشى الاشتراكيون من تداعيات هذا القرار على الاتفاق الذي توصلّوا إليه بعد مفاوضات عسيرة مع حزب اليسار الجمهوري، الذي أعلن عن تضامنه مع كيم تورّا، ووصف القرار بأنه انقلاب. وكان المعسكر الانفصالي قد شهد تفسّخاً في صفوفه خلال الأشهر الأخيرة، حيث أعلن اليسار الجمهوري تخلّيه عن المسار الأحادي لإعلان الاستقلال عن إسبانيا، والعمل على توسيع القاعدة الشعبية المطالبة بالانفصال، التي لا تتجاوز حالياً 46 في المائة من سكان كاتالونيا في أحسن الأحوال. أما القوى المؤيدة للرئيس الحالي، ولسلفه كارلي بوتشيمون، الفار من العدالة، فهي تصرّ على المضي في المواجهة المباشرة مع مدريد وإعلان الاستقلال من طرف واحد.
لكن قرار اللجنة الانتخابية المركزية لم يقتصر على إقالة تورّا، نتيجة إسقاط عضويته في البرلمان الإقليمي التي هي شرط لتولّي رئاسة حكومة الإقليم، بل اعتبر أن زعيم حزب اليسار الجمهوري أوريول جونكيراس، الذي أدانته المحكمة الوطنية مؤخراً بالسجن 13 عاماً بتهمة العصيان، ليس مؤهلاً لتولّي مقعده في البرلمان الأوروبي. وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أفتت منذ أسبوعين بأن أوريول كان يتمتّع بالحصانة البرلمانية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عندما منعته السلطات الإسبانية من تسلّم أوراق اعتماده نائباً في البرلمان الأوروبي. لكن القضاء الإسباني اعتبر من جهته أن الحصانة البرلمانية لا تعني الإفلات من أحكام القانون.
وقال ناطق بلسان الحزب الاشتراكي، إن ما حصل في الساعات الأخيرة هو نتيجة الضغوط التي تمارسها الأحزاب اليمينية لإفشال جلسة الثقة في الحكومة الجديدة، التي من المفترض أن تقوم على تحالف بين الحزب الاشتراكي وحزب «بوديموس» اليساري الذي يضمّ بقايا الحزب الشيوعي الإسباني السابق. يذكر أن قرار اللجنة الانتخابية المركزية جاء نتيجة للطعن الذي تقدّمت به الأحزاب اليمينية التي تعارض بشدة الاتفاق بين الاشتراكيين واليسار الجمهوري، وتتهم سانتشيز بالرضوخ لابتزازات الانفصاليين لتأمين وصوله إلى رئاسة الحكومة. وفيما يتعلق بأزمة الإقليم الانفصالي، قال سانتشيز إنه يريد حل الأزمة عن طريق الحوار، وليس باللجوء للمحاكم الإسبانية، لكنه قال إنه سيحل أي أزمات في إطار الدستور الإسباني. وقال لأعضاء البرلمان: «لن تنكسر إسبانيا، لن ينكسر الدستور، الذي سينكسر هو عرقلة حكومة تقدمية انتخبها الشعب الإسباني بطريقة ديمقراطية».
ويواجه سانتشيز وضعاً دقيقاً جداً في جلسة الثقة التي بدأت أمس السبت، وينتظر أن تنتهي يوم الثلاثاء المقبل، حيث لا يضمن أكثر من 167 صوتاً مؤيداً مقابل 164 معترضاً، فيما أعلن 19 امتناعهم عن التصويت، بينهم 13 نائباً ينتمون إلى حزب اليسار الجمهوري في كاتالونيا. وبما أن نيل الثقة يقتضي حصول المرشّح على أصوات مؤيدة أكثر من الأصوات المعترضة، فإن تغيير نوّاب اليسار الجمهوري موقفهم، أو تغيّب بعضهم عن الجلسة، من شأنه أن يحجب الثقة عن المرشّح، ويعيد الإسبان إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة في أقل من سنة واحدة.
ورغم الاتفاق الذي أبرمه الاشتراكيون مع اليسار الجمهوري في كاتالونيا، والذي تعهد فيه هذا الأخير بالامتناع عن التصويت في جلسة الثقة لتسهيل حصول سانتشيز على الثقة مقابل فتح حوار بين الحكومتين المركزية والإقليمية من غير شروط مسبقة حول المسألة الكاتالونية، يُخشى أن يؤدي التصعيد الأخير إلى إعادة اليسار الجمهوري النظر في موقفه على أبواب انتخابات إقليمية باتت شبه محتومة، ويفترض أن ترسّخ تقدّمه على القوى الانفصالية المحافظة المؤيدة لتورّا، وذلك لأول مرة منذ عودة الحكم الإقليمي أواخر سبعينات القرن الماضي.
مفوضية الانتخابات الإسبانية تقيل رئيس كاتالونيا وتعقّد المشهد السياسي
سانتشيز يتمسك بالدستور والحوار مع الانفصاليين وتشكيل حكومة ائتلافية
مفوضية الانتخابات الإسبانية تقيل رئيس كاتالونيا وتعقّد المشهد السياسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة